عمر السيدة خديجة رضي الله عنها

يحاول بعض الناس من غير المسلمين أن يعيبوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كثرة أزواجه، ويبذلون جهودا لا تني في التركيز على جوانب معينة في زواجه من بعض زوجاته، إذ هم ينظرون إليها من وجهة النظر الاجتماعية التي تسود عصرنا الحاضر، فيتحدثون عن فارق السن في حالة، وعن المركز الاجتماعي في أخرى، في محاولة للغض من مكانة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي المقابل نرى بعض الكتاب المسلمين يحاولون جاهدين أن يسوقوا المبررات لكل حالة. وكلا الموقفين خاطئ، فليس في تصرف النبي صلى الله عليه وسلم أو في تعدد زوجاته ما يدعو إلى الاعتذار أو التبرير.

يتضح موقف أي رجل من المرأة، والجنس، والزواج، عندما يكون في مرحلة الإقبال على الحياة، أي في بداية الرجولة، حين يكون قادرا على الاتصال مع النساء والتعامل معهن.

وقد نشأ محمد، صلى الله عليه وسلم، في مجتمع لا يضع قيودا على العلاقة مع النساء، فكان في وسع أي إنسان أن يتزوج أي عدد من النساء يريد. أما إذا كان لا يريد الارتباط بعلاقة زوجية، فكان إشباع الرغبة الجنسية متوافرا، ولا لم على الخلاعة والمجون، أو ما هو أكثر منهما. وكثرة الأولاد، لا سيما الذكور، يعتبر كمال رجولة وحسن طالع. وإذا ولد للمرء ولد من علاقة زنى فلا بأس، إذ ما كان الأب يجد اعتراضا إذا ألحق بأسرته ابنا غير شرعي، وأعطاه اسمه.

كان محمد صلى الله عليه وآله وسلممنذ صباه يكره ما عليه قومه من عبادة الأوثان والممارسات الدينية التي يتبعها قومه، ولكنه لم تكن لديه فكرة عن الدين إلى أن بدأ يأتيه الوحي عندما أصبح في الأربعين من العمر. ولكنه أخبرنا أنه وهو في مرحلة المراهقة وبداية الشباب لم يمارس شيئا مما يعتاده الشباب من الانحلال الخلقي أو المجون. لقد حدثته نفسه مرتين وهو في سن المراهقة أن يفعل ما يفعله الشباب، في ليلة لذة واستمتاع. كان لا يزال يعمل في رعي الغنم عند ذاك، فطلب من صديق له من الرعاة أن يرقب له غنمه، ونزل إلى المدينة يبحث عن شيء من المتعة. وفي كل من المرتين وقف قليلا أمام بيت تنبعث منه أصوات غناء ومرح، إذ كانت تقام فيه حفلة عرس، ولكنه في كلتا المرتين غلبه النوم قبل أن يدخل، فلم يستيقظ إلا على حرارة الشمس. كان هذا بعض ما صرف الله تعالى به الأعمال المشينة عن الرجل الذي اختاره ليكون من بعد نبيا ورسوله إلى الناس كافة.

ثم تزوج محمد صلى الله عليه وآله وسلم من خديجة، الأرملة الغنية التي سبق لها أن استخدمته في تجارتها وتصريف أعمالها في أسواق مكة وما حولها من الجزيرة العربية، ثم أرسلته وكيلا لها في رحلة قريش التجارية إلى الشام. وقد نال محمد صلى الله عليه وآله وسلم إعجابها لأنه كان مثاليا في الأمانة، بالاضافة إلى براعته في التجارة. فعرضت عليه الزواج، فلم يتردد. وعاش محمد صلى الله عليه وآله وسلم مع خديجة زواجا سعيدا هانئا دام حتى وفاتها بعد خمس وعشرين سنة، ولم يفكر يوما واحدا أن تكون له زوجة أخرى مع خديجة بالرغم من أن التعدد كان الأسلوب الشائع في المجتمع العربي، وبالرغم من الفكرة الشائعة في أنها كانت تكبره كثيرا، إذ يقول أكثر الناس إنه كان في الخامسة والعشرين عند زواجه من خديجة بينما كانت هي في الأربعين. غير أن الروايات التي بين أيدينا تعطي كلا منهما عمرا مختلفا، إذ تقول إن عمر النبي عند زواجه كان 21 عاما، او 25، أو 28، أو 30، بينما كان عمرها 28 سنة، أو 30، أو 35، أو 40، أو 45. لم يكن لدى العرب في ذلك الوقت أي سجل لتاريخ الميلاد أو الوفاة، بل لم يكن لديهم تقويم يؤرخون به الحوادث، وإنما كانوا يؤرخون بالأحداث الكبيرة التي تتعرض لها الجزيرة في زمنهم، مما يعني أن مبدأ التأريخ كان يتغير دائما. ومن هذا نعرف أن مجتمعا تنتشر فيه الأمية، كالمجتمع العربي زمن الرسول، يصبح من الصعب فيه تأريخ الأحداث، ويصعب كثيرا معرفة أعمار الناس بأي درجة من الدقة.

وعندما ننظر في كل هذه الأرقام التي تشير إلى عمر أم المؤمنين الأولى، رضي الله عنها، عند زواجها بخير البشر، وليس لدينا ما نستصحبه معنا ليعطي أيا منها درجة أكبر من الثقة، باستثناء معرفتنا بمدى ضبط راوية الخبر، نجد أنفسنا مضطرين إلى البحث عن قرائن أخرى للتوصل إلى درجة أكبر دقة في تحديد عمرها. ولعل ما يسعفنا في بحثنا أنه أم المؤمنين ولدت ستة أطفال للنبي صلى الله عليه وسلم. ومع أن نسبة لا بأس بها من النساء يلدن طفلا أو طفلين بعد سن الأربعين، غير أن من المستبعد جداً أن تلد المرأة ستة أطفال بعد أن تتجاوز الأربعين، فهذه الدرجة من الخصوبة والصحة الانجابية غير معروفة في أي بلد من بلدان العالم. ولربما كان الخبر الأوثق درجة هو ما روي عن ابن عباس أن النبي وزوجه خديجة كانا في الثامنة والعشرين عند زواجهما. ولعل من المقبول كذلك أنها كانت تكبره ببضع سنوات، فلعله لم يكن أقل من 25 سنة من العمر، ولعلها لم تتجاوز الثانية والثلاثين عند زواجهما الذي كان زواجا سعيدا هانئا يتحلى بالصدق والإخلاص الكامل من الطرفين، مما جعل كلا من الزوجين راضيا مطمئنا سعيدا. ولقد عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر عاما بعد وفاة زوجته الأولى، وظل سائر أيامه يحتفظ بالذكريات العطرة لهذا الزواج الرائق.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين