كيف مالك؟

المقصود بالعنوان:

- كيف حصَّلت مالك؟

- ما مصادر جلب مالك؟

فلقد سبق النظام الاقتصادي الإسلامي النظم الاقتصادية الرأسمالية اليوم في سؤاله عن المال عندما قال صلى الله عليه وآله وسلم :"وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟". أخرجه الترمذي.

هذا السؤال يطرحه النظام الاقتصادي الإسلامي: من أين لك هذا؟ من أين جلبت المال؟

أما النظم الاقتصادية الرأسمالية المالية الربوية فلا تسألك هذا السؤال.

فمبعث النظام الاقتصادي الإسلامي عقيدته باليوم الآخر، يؤمن أن هناك آخرة، وهناك محاسبة.

أما النظام الرأسمالي فمبعثه عدم الإيمان باليوم الآخر، إنما ينطلق من إيمانه بالمادة، والمتع، والشهوات، والملذات، والنزوات.

فهو بعيد كل البعد من أن يدور في خلده وتصوراته أنه سوف يسأل يوماً من الأيام عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه؟

الأمة المؤمنة المسلمة يبحث أفرادها عن قنوات المال الحلال، لاعتقاده أن هناك سؤالاً سيوجه إليه يوم القيامة من أين لك هذا؟ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ{الصّافّات:24}

فلا تظنن أنك ستتفلت من السؤال يوم القيامة عن جمع أموالك.

كيف مالك؟ لا كم مالك؟

لا تسأل عن كمية مالك، بل عن كيفية جلب مالك.

ما قنواته؟ ومصادره؟

أمن حلال أم حرام؟

تصوروا معي هذا المثال أيها الأحبة أن رجلاً يملك المليارات فيدخل الجنة يوم القيامة، ورجل يملك عشر ليرات فيدخل النار يوم القيامة.

طيب؛ هذا غني!! كيف دخل الجنة؟ لا عجب ولا غرابة فالجنة يدخلها الأغنياء كما يدخلها الفقراء، فالجنة لم تخلق للفقراء فحسب!

والسبب في ذلك: أن ذلك الغني كانت مصادر أمواله من القنوات الحلال؛ جمعها بكده وتعبه وعرق جبينه.

أما الذي حصل عشر ليرات فيكون قد حصلها من مصادر وقنوات الحرام كالسرقة، أو بالربا، أو بالغصب؛ فدرهم قد يودي بك في نار جهنم.

كيف مالك أيها المسلم؟

عقوبة الذين تكون أموالهم من قنوات ومصادر الحرام في الدنيا: ألا يرفع لهم دعاء، ولا يسمع لهم دعاء، ولا تستجاب لهم دعوة، حتى لو كان كثير صلاة وصيام، حتى لو من المحافظين على الجمع والجماعات، فقد جاء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه "ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُ " أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

هذه هي قاعدة استجابة الدعاء وقبول الأعمال أن يحلل الإنسان مطعمه ومشربه وملبسه، فعند ذلك تستجب دعوته.

فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم يتعجب ويستغرب من حال ذلك العبد كيف يرفع يديه إلى ربه وهو حرام بحرام، أن يستجب له.

أما عقوبة الذي يجلب المال الحرام في الآخرة.

حرمانه من دخول الجنة؛ فعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم : "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ جَسَدٌ غُذِّيَ بِحَرَامٍ" أخرجه البزار.

اليوم تطلعنا قنوات التواصل الاجتماعي بقنوات لجلب المال.

فمنهم من يقول لك تعال وادخل معنا في هذه الشركة وسوف تكسب كيت وكيت.

قنوات جلب المال الحرام كثيرة لا تعد ولا تحصى، فمنها:

-أكل الربا، فيا أخي ضع أموالك كوديعة مثالاً في المصرف الإسلامي، بدلاً من البنك التجاري الربوي.

فالبنك الربوي وفائدته حرام بحرام.

يامن ملكك الله المال الحلال ضع أموالك في المصارف الإسلامية على عجرها وبجرها.

ولو كان فيها أخطاء، أما أن تضع أموالك في الحرام الخالص فتلك مصيبة وبيلة.

-ومن مصادر الحرام الغش، الذين يغشون الناس في تعاملاتهم وبيوعاتهم، ما عرفوا أنهم يأكلون حراما؟

-ومن مصادر الحرام الغصب؛ فأنت عندما تغصب أموال الآخرين بقوتك وعضلاتك المفتولة، أو بعزوتك، فلا تظنن أنك ستتفلت من عقاب يوم القيامة.

-وكذلك الذين يستدينون أموال الناس، لماذا لا يؤدون حقوق الآخرين، وقد ملكك الله المال، فلماذا التأخير، والمماطلة؟ فلماذا لا ترجع الحقوق لأصحابها؟ وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :"مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ" أخرجه البخاري.

-ومن مصادر الحرام الرشوة بغير حق.

-وكذلك إنشاء شركات وهمية قائمة على النصب والاحتيال، لأكل أموال الناس بالباطل.

-وكذلك إنشاء شركات رسمية مرخصة لا تتوافق والشريعة الإسلامية.

من المؤسف أن من يريد إنشاء شركة يسأل عن الشروط القانونية واللوائح التنظيمية، ولا يسأل عنها أهل العلم عن حِل هذه الشركة.

لا يسأل إلا عندما تكون الخصومات والمنازعات، ويظنون أن أهل الشرع سيقفون معهم! عجيب أمرهم كيف لأهل الشرع أن يقفوا مع الباطل، حاشى وكلا.

-ومن القنوات التي أغروا بها شبابنا اليوم الذين لا يريدون العمل ويحبون الدعة والكسل والراحة التسويق الهرمي؛ إذ قالوا لهم: هناك تسويق شبكي وشجري وهرمي، وأخذوا يقلبون المسميات ويلمعونها لشبابنا، تراهم أربعاً وعشرين ساعة وراء هذا الجوال يحصلون الأرباح والأموال، مع ظنهم أنهم بين عشية وضحاها سيركبون السيارات الفارهة، ويسكنون العمارات العامرة، والقصور الكبيرة، ولكنهم خدعوهم، وضيعوا لهم أوقاتهم فيما لا طائل منه.

فكل هذه الشركات الوهمية محرمة، فهي من قنوات جلب المال المحرم.

مصادر المال الحلال كثيرة جدا؛ فمنها:

لا تظنوني أنني قد سددت عليكم مصادر المال الحلال؛ فمصادر جلب المال الحلال كثيرة جداً

لو أننا سألنا فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {النحل: 43} أي: سألوا أَهْلَ الْعِلْمِ. تفسير ابن كثير،5/334.

فالسؤال مفتاح الجواب؛ مفتاح لما يدور في خلدك من التساؤلات.

أذكر على سبيل الأمثلة قنوات المال الحلال في الإسلام

-عقد الاستصناع، وهو باب من أبواب الحلال الذي هو باب المقاولات والإنشاءات.

-بيع المرابحة.

-بيع المرابحة للأمر بالشراء.

-بيع السلم بضوابطه وشروطه.

-إنشاء شركات نافعة غير ضارة ولا مخالفة للشرع.

-التجارة الداخلية والخارجية مالم تكن تلك السلع ضارة ومخالفة للشرع.

-إنشاء برمجيات نافعة غير ضارة ولا مخالفة للشرع فيها نفع للعباد والبلاد.

أنت عندما تنشئ برنامجاً فيه الخير والنفع للعباد والبلاد فلك الأجر والمثوبة.

وأي مال يأتِيك أو أي مردوده من قنوات الحلال فهو حلال.

واليوم العالم قائم على البرمجيات؛ فمنها: الإحصائيات، والأمن، الدراسة، والمعلومات...الخ، فبرامج الحوسبة اليوم لا عد لها ولا حصر.

أهيب بشبابنا أن يتعلموا البرمجيات قبل الطب اليوم، القيادة للبرمجيات لولا البرمجيات لما سمعت وقرأت عن كثير من معلومات اليوم.

البرمجيات اليوم أخذت تتحكم بالناس.

للفائدة: الذي أنشأ الفيسبوك (طالب سنة ثانية) في جامعة هارفارد في العقد الأول من الألفية الثانية، واليوم صارت تغزو العالم.

ولا أنسى مكتبة (الأمازون المكتبة الإلكترونية) بدأت في التسعينيات، واليوم تغزو العالم لا يوجد لديها مكاتب، ولا موظفين.

فأين الشباب المسلم من هذا؟

جاءني شاب طموح في مقتبل عمره يجيد البرمجيات أيما إجادة، يسألني عن إنشاء وتعدين العملة الرقمية البتكوين أو إنشاء المنصات وبيعها للناس، قلت له: طالما عندك هذه القدرات وهذه العقلية الفذة في البرمجيات؛ فاعمل عملة رقمية صحيحة، واكتبه كمشروع نظري وعملي، ومن ثم قدمه إلى الدولة التركية ويدي بيدك حتى نصل وإياك لأكبر هرم لطرح مشروعك الحقيقي الذي يفيد الأمة، أما إنشاء مشروع وهمي مثل عملة البتكوين فهو مشروع وهمي لا رأس له ولا سند ولا متن فلا يجوز، أخذوا يتلاعبون بأموال الناس وعقولهم.

هذا من ضروب المحرم، لأن هذه العملة ليست بعملة، بل هي ضرب من الوهم والخيال.

أهيب بشبابنا اليوم يامن أوتيتم الملكة والقدرة في البرمجيات أنشئوا مشروعاً برمجياً حقيقياً

وقدموه للأمة، فالنظام الاقتصادي قائم على كلمة فخم؛ الفاء فكرة والخاء خبرة والميم مال.

أما أن يعيش الإنسان في الأوهام والخيالات والنبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه الذي أخرجه أصحاب السنن قال: "لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ". فهذا نهي صريح في بيع الوهم، فالنظام الاقتصاد الإسلامي لا يؤمن بعقود الوهم، والخيالات، فلا وهم في الإسلام.

علينا البحث عن قنوات ومصادر المال الحلال.

ورحم الله امرأة تقول لزوجها:

"اتق الله فينا ولا تطعمنا إلا من حلال، وإياك أن تدخل علينا الحرام، فإننا نصبر على نار الجوع، ولا نصبر على نار جهنم".

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين