دور التربية في العمل الدعوي

الدعوة إلى الله تعالى لها شأن عظيم وفضل كبير، ولا يوفق للعمل بها إلا من أراد الله به كل خير، حيث قال ربنا جل شأنه: «وَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلٗا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ»، وهي مهنة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، قال سبحانه وتعالى آمراً حبيبه صلى الله عليه وآله وسلم بها: « ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ ».

وكما نعلم أن لساحة العمل الدعوي مقومات تستند لمحددات، وتحتاج لأدوات، لنستطيع طرح مشاريع نهضوية إنقاذية وتنفيذها في هذه المرحلة على أرض الواقع.

ولنعترف بأننا حين نتعمق في بعض الجوانب قد نغفل أحياناً عن مسلَّمات بديهية وأساسية، فنجعلها أموراً ثانوية إذا تناولنا الحديث عنها، فلا يبقى لها أهميتها الأساسية، ومن ذلك قضية « التربية »، فشخصية الداعية يجب صقلها بالتربية، فهي مفتاح نجاح الداعية المربي، ومثله في ذلك مثل العلماء العاملين الذين يربون الناس ويوجهونهم في طريق طلب العلم.

ولذلك يجب زرع التربية في نفوس الدعاة، وألا نكتفي بإدراك تلك القضية ومعرفتها نظرياً، بل علينا أن نعمل بمقتضاها، ونسعى لتحقيقها وتطبيقها عملياً.

فأساس سلوك الفرد الذي يعتبر نواة المجتمع هو « التربية »، وهو ما سيسهم في بناء الجيل المسلم الذي يطمح للإصلاح، ويقود المرحلة المقبلة نحو التغيير والتقويم المطلوب وفق ضوابط ومحددات سليمة.

وتقدم أهمية التربية على الفكر نفسه؛ لأنها تعمل كضابط إيقاع، وتحمي من الانحراف والزلل والشطح، ولا يخفى ضعف التربية، وأزمة التفكير التي نعاني منها، ولذلك نقول دائمًا:

مشكلتنا تربوية أخلاقية بسبب تأثرنا بالثقافة المستوردة، وضعف الضوابط الشرعية وتمييعها، والتهاون بها.

وتتميَّز الدعوة الإسلامية بأنها لا تعتمد على الجانب المادي فحسب، لأن جوهرها الحقيقي هو الاهتمام بالجانب السلوكي والإيماني والتربوي؛ فهي ليست شركة استثمارية تسعى لنيل أكبر قدر من الأرباح، أو حزب سياسي يسعى للوصول إلى مراكز القرار في الدولة من خلال حصد أكبر عدد من الأصوات على مبدأ «الغاية تبرر الوسيلة»، وإنما تعتمد في نجاحها على الاهتمام الإيماني والتربوي والكفاءة الأخلاقية لكلِّ من ينضم تحت لواء الدعوة، ولذلك نجد أن وهج التربية سينعكس إيجابياً على طبيعة العمل الإسلامي، ويعطيه صبغة يميزه الناس بها، حتى يشار إليه بالبنان.

ومن خلال واقع الصحوة وجدنا تميز الشباب الذين تربوا في المساجد عن غيرهم من الشباب الإسلامي الذين لم يتربوا فيها.

إن الاهتمام بالتربية عند الدعاة يؤدي إلى صناعة الأفراد المتميزين القادرين على تحقيق التغيير الشامل، ويجعلهم قدوة للآخرين، ويسهم في تحقيق النهضة بكافة أشكالها مع ثباتهم على المبدأ وعدم رضوخهم لكل المغريات في الطريق.

التربية الدعوية تعطي الفرد ملكة التعامل مع الواقع، من حيث فهمه، وبيان العوامل المؤثرة فيه، فتجد الداعية يتعامل مع مفاهيم اليوم، والعادات المنتشرة، والقضايا الحساسة، وفق منهج عقلاني، وفهم ورؤية ناضجة، وهو ما نصبو إليه، فهل أدركنا أهمية التربية في مجتمع الدعوة؟

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين