سهام في رقاب شعوب مُتعَبَة!

ثيران في حلبة المصارعة، يندفع الثور نحو المنديل الأحمر، وكلما اقترب منه يحركه المصارع ويغرس سهما في رقبة الثور، يعيد المصارع إظهار المنديل الأحمر ويغري الثور بالاندفاع نحوه، في حين يخفي السهم عن عيني الثور، ومع اندفاع الثور للمرة الثانية يحرك المنديل ويغرس سهما ثانيا في رقبة الثور المشغول بالهدف الوهمي، ويظل المصارع يتفنن في إلهاء الثور عن السهام المختبئة في يده بينما يشغل الثور بالهدف الوهمي، ومع استمرار الثور بالانشغال بالهدف الوهمي، وتكرار خطأ الاندفاع نحوه، يستمر المصارع في غرس سهامه سهما بعد سهم، حتى يقع الثور من الإنهاك على الأرض، بينما المصارع يقف مزهوا ومنتشيا بمهارته في الخداع والمراوغة والتضليل.

قصة مكررة تحياها شعوب تدور مغمضة العينيين في طاحونة معاركها الوهمية، لاهية عن عدوها الحقيقي، وعن دورها الحقيقي، تتطاحن بقرونها في معارك وهمية دينية أو مذهبية أو قومية، وحتى المجتمعات المتجانسة يُفصِّلون لها مناديل حمراء على مقاس جماعة أو فصيل سياسي.

المهم هو استمرار هذه الشعوب في طاحونة الإلهاء والإرباك والإنهاك.

معارك يديرها زعماء عصابة الدول الصناعية الكبرى، لضمان إلهاء وإرباك وإنهاك شعوب سلمت زمامها لنظم ديكتاتورية فاسدة، كي يدور في بلادهم الصناعية المتقدمة دولاب الصناعة والتجارة؛ فمصانع السلاح تورد سلاحها للشعوب المتناطحة بالقرون، ويستغلون مواقع الصراع في سرقة ثروات الشعوب، وإعادة بيعها لهم خامات مصنعة.

وصبيان زعماء العصابة المحليون يديرون معارك الإلهاء اليومية بثوب أحمر فضفاض يسمونه "مكافحة الإرهاب"، منديل حاضر في كل مناسبة أو خطبة رسمية أو لقاء ديبلوماسي، منديل فضفاض بلا تعريف، يُفصِّلُه الأقوى على مقاس الضعيف.

وبينما الشعوب لاهية عن قضاياها المصيرية بالاندفاع نحو المناديل الوهمية، توجَه السهام نحو شبكة العلاقات الاجتماعية لتمزيقها، وتوجه نحو عجلة الاقتصاد، فتشل الإنتاج، وتهرب رؤوس الأموال، وتخلق بذلك المناخ المطلوب لتناطُح الشعوب بقرونها في طاحونة توفير لقمة العيش بالحد الذي يبقيهم أمواتا على قيد الحياة.

والسهم الأعمق في رقبة الشعوب اللاهية المنهكة موجه نحو هويتها، وثوابت عقيدتها، ومناهج تعليمها، ومحو تراثها، وتزييف تاريخها، ومسخ فنونها، وبث العداوة والفرقة بين أبنائها.

يعلمُ المصارع المراوغ اللعين، أنه لا يقوى على تحمل ضربة واحدة من قرن الثور؛ فهو -على ما يبدو عليه من ثقة زائفة- يتملكه الرعب من إفاقة الثور من غفلته، ويتوقع في كل لحظة ضربته، ويعلم أن بقاءه مرتهن بأن تظل قوة الثور بلا عقل وبلا مُحَرِك وبلا نظام وبلا غاية، وبأن تظل قوته منهكة دوما بالتشتت والاندفاع نحو الأهداف الوهمية.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين