إلى الذين يتعصّبون لرأي أو فتوى فيما اختلف فيه العلماء

ما يزال علماء الإسلام يختلفون في فروع الفقه، فلا ينقُضُ اجتهادُ أحدهم اجتهادَ غيره، ولا ينكر أحدُهم على مَن قلّد مذهب عالم آخر. حتى إن الإمام مالك حين فرغ من تأليف كتابه العظيم: "المُوطّأ" وقدّمه لأبي جعفر المنصور، وأُعجب به أبو جعفر وأراد أن يعمّمه على الأمصار حتى يأخذوا بما فيه من مذهب، أبى ذلك الأمامُ مالك وقال: لا تفعل يا أمير المؤمنين، فإنّ الناسَ قد سبقت إليهم أقاويل، وسمعوا أحاديث، ورَوَوا روايات، وأخذ كلُّ قومٍ بما سبق إليهم، وعملوا به، ودانوا به، مِن عَملِ أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم وفتاواهم، وعند كل قوم علم، فإذا حملتهم على رأي واحد تكون فتنة.

وقد سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عمّن قلّد بعض العلماء في مسائل الاجتهاد؛ هل ينكر عليه أو يهجر؟ فأجاب: "مسائل الاجتهاد مَن عَمِلَ فيها بقول بعض العلماء لم يُنكر عليه ولم يُهجر، ومن عمل بأحد القولين لم يُنكر عليه، فإن كان الإنسان يظهر له رجحان أحد القولين عمل به وإلا قلّد بعض العلماء الذين يُعتمد عليهم في بيان أرجح القولين". [مجموع الفتاوى 20/257].

فالعجب ممن يتعصّب لرأي أو فتوى مما اختلف فيه الأئمة، ويتهجّم على الرأي الآخر... مع أن هذه الآراء والفتاوى جميعاً هي من الاجتهادات المحترمة، والتي يكون لكل مجتهد فيها أجرٌ أو أجران.

نعم، للمسلم الذي اطّلع على أدلة العلماء، في مسألة اختلفوا فيها على رأيين أو أكثر، واقتنع بقوة أدلة أحد الآراء، أن يتبنى هذا الرأي ويبسط أدلته وينافح عنها بأسلوب علمي رصين، بعيد عن التسفيه والتضليل..

ومعظم المتعصّبين لمسألة من مسائل الخلاف لا نسمع لهم صوتاً في إنكار كبائر متفق على أنها كبائر، كشيوع الربا في كثير من التعاملات المالية، وانتشار الخمور وتكشُّف النساء وتبرّجهن... بل إقصاء شريعة الله عن أمور السياسة والاقتصاد والاجتماع، ولا حول ولا قوة إلا باللّه.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين