الغنيمة الغنيمة

للحافظ ابن رجب


لما كان الله سبحانه وتعالى قد وضع في نفوس المؤمنين حنيناً إلى مشاهدة بيته الحرام، وليس كل أحد قادر على مشاهدته في كل عام فرض على المستطيع الحج مرة واحدة في عمره، وجعل موسم العشر مشتركاً بين السائرين والقاعدين، فمن عجز عن الحج في عام قَدَر في العشر على عمل يعمله في بيته يكون أفضل من الجهاد الذي هو أفضل من الحج.
فاحذروا المعاصي فإنها تحرم المغفرة في مواسم الرحمة، والمعاصي سبب البعد والطرد، والطاعات أسباب القرب والود.
إخوانكم في هذه الأيام عقدوا الإحرام وقصدوا البيت الحرام، وملؤوا الفضاء بالتلبية والتكبير والتهليل والتحميد.
لقد ساروا وقَعَدْنا، وقربوا وبَعُدْنا، فإن كان لنا معهم نصيب سُعِدنا.
القاعد لعذر شريك للسائر، وربما سبق السائر بقلبه السائرين بأبدانهم.
يا سائرين إلى البيت العتيق لقد       سرتم جسوماً وسرنا نحن أرواحا
إنا أقمنا على عذر وقد رحلوا          ومن أقام على عذر كمن راحا
فالغنيمة الغنيمة بانتهاز الفرصة في هذه الأيام العظيمة فما منها عوض والمبادرة المبادرة بالعمل، والعجلَ العجلَ قبل هجوم الأجل، قبل أن يندم المفرِّط على ما فعل، قبل أن يسأل الرجعة فيعمل صالحاً فلا يجاب إلى ما سأل، قبل أن يحول الموت بين المؤمِّل وبلوغ الأمل، قبل أن يصير المرء مرتهناً في حفرته بما قدَّم من عمل.
فيا من طلع فجر شيبه بعد بلوغ الأربعين، ويا من مضى عليه بعد ذلك ليالي عشر سنين حتى بلغ الخمسين، يا مَنْ هو في معترك المنايا ما بين الستين والسبعين، ما تنتظر بعد هذا الخبر إلا أن يأتيك اليقين.
يا مَنْ ذنوبه بعدد الشفع والوتر، أما تستحي من الكرام الكاتبين، أم أنت ممن يكذِّب بيوم الدين.
يا من ظلمة قلبه كالليل إذا يسري، أما آن لقلبك أن يستنير أو يلين.
تعرَّض لنفحات مولاك في هذا العشر، فإن فيه لله نفحات يصيب بها من يشاء فمن أصابته سعد بها آخر الدهر.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين