فوائد من مجالس السماع والرواية (8)

إن مجالس السماع والرواية من المجالس التي هي محل للعلم، ومحطة للذكر، ومظنة لتنزل الرحمة، وهبوط الملائكة، وحلول السكينة، كيف لا يكون ذلك وهي التي يذكر فيها الله تسبيحاً، وتقديساً، وتنزيهاً، وحمداً، وثناءً، وشكراً، وتعظيماً، واجلالاً، ويذكر فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما ورد عنه من أقوال، وأفعال، وأحوال، وصفات، وشمائل، وأخلاق، ويتعرف فيها على سير العلماء، والأولياء، والصلحاء من السلف والخلف، ولذلك يحرص طلبة العلم على حضورها و الاغتراف من معينها، والنهل من موردها، والارتواء من عذبها، والاستسقاء من رحيقها، فتنكشف الحجب عن سماء العقل، وتظهر نجوم المعرفة، فيهتدي بها الى خواطر نافعة ومنها

والخاطرة الرابعة والعشرون: خاطرة بين يدَي كتاب ((الحثّ على حفظ العلم و ذكر كبار الحفاظ لابن الجوزي البغدادي ت: 597هـ))

عقد شيخنا وأستاذنا الدكتور عبد الحكيم محمد الأنيس - حفظه الله - مجلساً لقراءة كتاب: ((الحثّ على حفظ العلم و ذكر كبار الحفاظ لابن الجوزي البغدادي ت: 597هـ)) عصر يوم الجُمعة: 22/صفر/ 1442هـ الموافق 2020/10/9م

وهو كاتب كثير المنافع، للهمم رافع، فيه زاد المعترّ والقانع، يجد فيه بغيته كلّ قارئ و سامع، حقّ له بأن يوصف بالكتاب الماتع، وهو لأخبار الحفاظ جامع غير مانع، بأسلوب وعرض وترتيب رائع.

وقد خطر لي: أنّ الحفظ وعاء من أوعية العلم كما الفهم، الا أنّ الأول أهمّ وأعظم، خصوصاً في بداية العمر وباكورة الطلب، ويتأتى الثاني بعد رسوخ الأول بتنوّع المتون، وكثرة المحفوظات من الفنون.

وعرض ابن الجوزي - رحمه الله - مجموعة كبيرة من الأئمة الحفاظ الذين تفخر بهم الأجيال، ويعدّون في العلم من الأبطال، وتنثني أمام قوة ذاكرتهم وسعة حفظهم الجبال، ونستصغر حالنا وننكر أنفسنا أمام هؤلاء الرجال.

و قد تنبّه لأهمية الحفظ مشايخنا، وصاغوا لذلك العبارات التي أصبحت من بعدُ عنواناً لاغتنام الأوقات واستثمار اللحظات بالحفظ وكثرة المطالعات، ومنها عبارتان جميلتان، وقاعدتان جليلتان:

أولهما: ((الحفظ في الصغر كالنّقش على الحجر))

و ثانيهما: ((من حفظ المتون فقد حاز الفنون))

وقد كان شيخنا ماجد العبد ربه - رحمه الله - كثيراً ما يرددهما على مسامعنا أثناء الدروس في تسعينيات القرن الماضي في المدرسة العلمية الدينية في سامراء، وكم كان حريصاً على أن يحفظ طلبة العلم المتون، ويشدد علينا في ذلك يومياً، وعلى مدار ستّ سنوات من غير أن يكلّ أو يملّ.

وكانت المدارس الدينية والمعاهد العلمية أنذاك تزخر بالمتون، والمناهج الرصينة، والكتب الثمينة، التي تُنبت العلم، وتُنشيء الفهم، وتبني الأمم، فضلاً عن الزام الطلبة بدراسة كتب الشروح، ومطالعة الحواشي، وكتب التقريرات وغيرها، و رحم الله الامام الرَّحَبي (ت: 577هـ) القائل في عجز أحد أبيات منظومته: ((فاحْفَظْ فكُلُّ حافظٍ إمامُ))

الخاطرة الخامسة والعشرون: خاطرة بين يدَي كتاب: ((مختصر سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم- وسيرة أصحابه العشرة للإمام الحافظ عبد الغني المقدسي ت: 600هـ))

عقد شيخنا الدكتور عبد الحكيم محمد الأنيس - حفظه الله- مجلساً لسماع كتاب: ((مختصر سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم- وسيرة أصحابه العشرة، للإمام الحافظ عبد الغني المقدسي ت: 600 هـ)) يوم الجمعة 20/ربيع الأول/1442هـ الموافق 2020/11/6م، وهو مختصر نافع ماتع عرض السيرة بعبارة سهلة ويسيرة

وقد خطر لي: أنّ قراءة سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم- هي عرض لتفاصيل حياة النبي - صلى الله عليه وسلم- العامة والخاصة، والتعرّف على أقواله وأفعاله وأحواله وصفاته وأخلاقه وشمائله - صلى الله عليه وسلم-، والنظر في الدور العظيم الذي كان يقوم به في سبيل تبليغ الدعوة، ومدى صبره وتحملّه أعباء نشر تعاليم الاسلام.

هذا العرض يزيد من تعلّق الأمّة بنبيها - صلى الله عليه وسلم- ويضاعف في محبتها له، ويغرس في المجتمع أهمية الأسوة، وضرورة القدوة المتمثلة بجناب النبي - صلى الله عليه وسلم-.

ومثل هذا الكتاب المختصر المبارك يصلح أن يُقرأ في المدارس والمجالس وتتحلّق لسماعه العوائل كما كان يفعل الأوائل يقول سيدِنا زين العابدين -رضي الله عنه-: ((كُنّا نُعلّم مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كما نُعلّم السورة من القرآن الكريم))

لأنّ في معرفة هذه التفاصيل ربط الخلف بالسلف، وتوثيق العلاقة بين اللاحق والسابق، والمحافظة على الموروث وعدم تضييعه يقول محمد بن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه -: ((كان أبي يُعلّمنا المغازي، ويعدّها علينا، ويقول: هذه مآثر آبائكم فلا تضيعوها))

وما أجمل قول الشيخ علي الطنطاوي -رحمه الله -: ((يجب على كل ربّ أسرة أن يكون في بيته كتاب جامع من كتب السيرة النبوية، وأن يقرأ فيه دائما، وأن يتلو منه على أهله وأولاده، وأن يجعل لذلك ساعة كل يوم، لينشؤوا على معرفة سيرة الرسول الأعظم - صلى الله عليه وسلم-، فإن سيرته الينبوع الصافي لطالب الفقه، والدليل الهادي لباغي الصلاح، والمثل الأعلى للأسلوب البليغ، والدستور الشامل لكل شعب الخير))

وشهر ربيع الأول شهر مولد النور - صلى الله عليه وسلم- فرصة جميلة للبدء بهذا المشروع العلمي العائلي للتعرف على سيرة وحياة النبي عليه الصلاة والسلام.

الخاطرة السادسة والعشرون: خاطرة بين يدَي (الترجمة النبوية الشريفة) من كتاب (تهذيب الأسماء واللغات) للإمام النووي ت: 676هـ

عقد شيخنا وأستاذنا الدكتور عبد الحكيم محمد الأنيس - حفظه الله - مجلساً لقراءة (الترجمة النبوية الشريفة) من كتاب (تهذيب الأسماء واللغات) للإمام النووي ت: 676هـ يوم الجمعة 27/ربيع الأول / 1442هـ الموافق 2020/11/13م

وقد ابتدأ الإمام النووي -رضي الله عنه- كتابه بالترجمة النبوية الشريفة لسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم-، ثم من اسمه محمد لشرف الاسم، عرض فيه صفته، وابناءه، وبناته، وأعمامه، وعمّاته، وازواجه، ومواليه، وخدمه، وكتّابه، ورسله، ومؤذنيه، وحجّه وعمرته، وغزواته وأخلاقه، ومعجزاته وأفراده، وخصائصه - صلى الله عليه وسلم- بعبارات جميلة وإشارات جليلة.

وقد خطر لي: أنّ عناية العلماء بالترجمة النبوية الشريفة على وجه البسط أو الاختصار تعرّف الأمة بمكانة نبيها، وتظهر قدر رسولها - صلى الله عليه وسلم-، وتطلع الأجيال على أقوال، وأفعال، وأحوال، وشمائل، ومناقب النبي - صلى الله عليه وسلم-، وهذا يعزز من محبة المظهر والمحشر لجناب سيد البشر - صلى الله عليه وسلم-

فالترجمة النبوية الشريفة تعطي صورة متكاملة لمن لم يشاهد النبي - صلى الله عليه وسلم-، وتقوي العلاقة والرابطة بين النبي - صلى الله عليه وسلم-وأمته قال - صلى الله عليه وسلم-: ((مِنْ أشَدِّ أُمَّتي لي حُبًّا، ناسٌ يَكونُونَ بَعْدِي، يَوَدُّ أحَدُهُمْ لو رَآنِي بأَهْلِهِ ومالِهِ))

وذلك لأنَّ المؤمنين والمؤمنات مِن أمَّته إذا ذُكِر لهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم- ومقاماته، وحروبه، وضيق العيش الذي أصابَه - صلى الله عليه وسلم- وغير ذلك؛ فإنَّهم يودُّون أنَّهم لو كانوا قد رَأَوْه ففازُوا بنَصْرِهم له في الحروبِ، ومواساتهم له في الشدائد والأحزان، أو التعلُّمِ منه وسُؤالِه، أو التبرُّك برُؤيتِه وآثاره - صلى الله عليه وسلم-، وغير ذلك ممَّا فاز به الصَّحابة - رضي الله عنهم - دون غيرِهم

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين