من أعلام المدينة بشير بن سعد الأنصاري (أبو النعمان) رضي الله عنهما(2)

جهادة:

وتنسلخ الشهور، ويخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لاعتراض قافلة لقريش، وتنجو القافلة، ولكن قريشًا أبت إلا الثأر لمكانتها، فاجتمعت في ألف مقاتل ونيف على جنبات بدر، ولم يكن صلى الله عليه وآله وسلم بايع الأنصارَ رضي الله عنهl على القتال خارج المدينة، ولكن بشيرًا يأبى إلا أن يشدَّ عليه سلاحه، ويكون رفيق رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم (26)، ولم يكن الرسول عليه الصلاة والسلام قد غزا بأَحَدٍ منهم قبل ذلك(27).

كان بشير بن سعد رضي الله عنه - قبلُ - يَرى سرايا المهاجرين تنبعث رائحة غادية، فيتحرق شوقًا للجهاد، فلما كانت بدر، كان رضي الله تعالى عنه في طليعة قومه الأنصار، يذود دون إسلامه، ويطاعن المشركين.

فلما تَجَرَّم عام وكانت أُحُد، أبدى بشير بن سعد رضي الله عنه ضروب الشجاعة مع صناديد قومه(28)، وكان رضي الله عنه فارسًا طُوَالاً، يركب الفرس الجسام، فتخط إبهاماه في الأرض(29).

ولما جاءت أيام الخندق؛ لازم بشير بن سعد رضي الله عنه موقعه لا يبرحه بقرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكانت زوجه (أم النعمان)؛ عمرة بنت رواحة تبعث إليه بطعام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبطعامه وطعام أخيها عبد الله بن رواحه رضي الله عنهم أجمعين، وربما كان هذا الطعام المبارك لا يزيد على حفنة تمر، تكفي الرجلين أو الثلاثة، وكانوا في مخمصة ومتربة، ولكن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يبسط رداءه الشريف على هذه التميرات، ثم يدعو المسلمين رهطًا بعد رهط، فلا يريمون يأكلون حتى يشبع الجيش جميعًا من تميرات بشير بن سعد؛ ببركة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

حدثت أبية بنت بشير بن سعد - أخت النعمان بن بشير - قالت: بعثتني أمي - أيام الخندق - بحفنة تمر من عجوة المدينة، وقالت لي: يا بنية؛ اذهبي إلى أبيك وخالك بغدائهما. قالت أبية: فأخذتها وانطلقت إلى الخندق ألتمس أبي وخالي، فمررت برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: ((تعالي يا بنية، ما هذا معك؟)). قالت: قلت: يا رسول الله؛ هذا تمر، بعثتني به أمي إلى أبي؛ بشير بن سعد، وخالي عبد الله بن رواحة يتغديانه. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((هاتيه)). قالت: فصببته في كفيّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فما ملأتهما.

ثم أمر بثوب فبُسط له، وجاء بالتمر فنثره فوق الثوب، ثم دحا بالتمر عليه، فتبدد فوق الثوب، ثم قال لجعال بن سراقة: ((اصرخ بأهل الخندق؛ أن هلموا إلى الغداء)). فاجتمع أهل الخندق عليه، فجعلوا يأكلون منه، وجعل التمر يزيد حتى صَدَر أهل الخندق عنه، وإنه ليفيض من أطراف الثوب.))(30).

الأمير القائد:

شهد بشير بن سعد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غزواته كلها، وفيها بَلاَ الرسولُ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم أبا النعمان، وعجم عوده، فلما ألفاه حيث يودُّ؛ حنكة ودربة، راح يعهد إليه بقيادة السرايا.

أ - سرية فدك:

فلما كان شعبان من سنة: سبع للهجرة، بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشير بن سعد في ثلاثين رجلاً إلى بني مُرَّة(31) بفدك(32)، فخرج حتى لقي رعاة الشاء، فسأل: أين الناس؟ فقالوا: هم في بواديهم - والناس يومئذ شاتون - لا يحضرون الماء، فاستاق النعم والشاء(33)، وانكفأ راجعًا إلى المدينة، فخرج الصريخ فأخبرهم، فثار المُرِّيُّون بقوتهم وأبطالهم، وأدركوهم ليلاً فبيَّتوهم، ونفر بشير بن سعد وأصحابه يراشقون القوم بالسهام حتى فنيت سهامهم، فلما أصبحوا حمل المريُّون - وهم جمع - على بشير وأصحابه، فأصيبوا، وثبت بشير بن سعد رضي الله عنه، فجالدهم بالسيف، وقاتل قتالاً حتى ضُرب كعبه، وأحاطوا به تثعب جراحه، ويشخب دمه، وارتـُثَّ حتى قيل: قد مات، وهو في غيبوبة، فكُفَّ عنه وأُمْهِل، فلما جَنَّ عليه الليل أفاق، وتحامل حتى انتهى إلى (فَدَك)، فأقام أيامًا إلى أن فاءت إليه نفسه، وسكنت جراحه، فعاد إلى المدينة، وكان علبة بن زيد الحارثي قد سبقه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأخبره بخبر بشير(34).

وبلغ الحزن برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مبلغًا من أثر ما أصاب بشيرًا وأصحابه، وأَذَّنَ عليه الصلاة والسلام بالثأر لهم، فهيأ الزبيرَ بنَ العوام رضي الله تعالى عنه، ثم قال له: ((سر حتى تنتهي إلى مصاب أصحاب بشير، فإن أظفرك الله بهم، فلا تُبقِ فيهم...)) وأعدَّ له مئتي رجل، وعقد له اللواء.

فقدم غالب بن عبد الله الليثي(35) من سرية قد أظفره الله بهم، وأظهره عليهم، فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للزبير بن العوام رضي الله عنه: ((اجلس...))، وبعث غالبَ بن عبد الله مكانه... حتى انتهى إلى مصاب بشير وأصحابه، فظفروا، وسلموا، وغنموا(36).

بشير بن سعد يفوز بثقة شيخي أهل الجنة(37)

وإذا كان شديدًا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يصاب بشير وأصحابه، فإن بشيرًا يبقى الليث لا يتقهقر، والصارم لا ينبو ولا يفل. فما إن برئت جراحه، حتى عقد له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على سرية أخرى.

ب - سرية الجِناب:

وكان ذلك في شوال سنة: سبع من الهجرة، أي عُقيب غزوته الأولى بقليل، فقد قدم المدينةَ رجل من أشجع يقال له: حُسَيلُ بنُ نُوَيرَة، وكان دليلَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى خيبر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من أين يا حسيل؟)) قال: قدمت من الجِناب(38)، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((ما وراءك؟)) قال: تركت جمعًا من غطفان(39) بالجِناب، قد بعث إليهم (عُيَينَة بن حصن الفَزاري)(40) يقول لهم: إما أن تسيروا إلينا، أو نسير إليكم، فأرسلوا إليه أن سِرْ إلينا؛ حتى نزحف إلى محمد جميعًا. وهم يريدونك، أو بعض أطرافك، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر وعمر رضوان الله عليهما، فذكر لهما ذلك، فقالا جميعًا: ابعث بشير بن سعد(41).

فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشيرًا، فعقد له لواءً، وبعث معه ثلاثمئة رجل، وأمرهم أن يسيروا الليل، ويكمنوا النهار، وخرج معهم حُسَيل بن نُوَيرَة دليلاً، فساروا الليل، وكمنوا النهار، حتى أتوا أسفل خيبر، فنزلوا بـ ((سَلاح))(42)، ثم خرجوا من (سلاح) حتى دنوا من القوم، في: (يمن وجبار)(43)، فقال لهم الدليل: بينكم وبين القوم ثلثا نهار، أو نصفه، فإن أحببتم كمنتم، وخرجتُ طليعةً لكم حتى آتيكم بالخبر، وإن أحببتم سرنا جميعًا.

قالوا: بل نقدِّمك، فقدَّموه، فغاب عنهم ساعة، ثم كرَّ عليهم، فقال: هذا أوائل سرحهم، فهل لكم أن تغيروا عليهم؟ فتشاوروا بينهم، ثم شدُّوا على النعم، فأصابوا نعمًا كثيرًا، فملؤوا منها أيديَهم، وتفرَّق الرِّعاء سراعًا فزعين، فحذَّروا القوم، فَفَرِقُوا وتفرَّقوا، ولحقوا هاربين بديارهم، وتبعهم بشير بن سعد بأصحابه، حتى أتى محلهم فيجدها وليس بها أحد، فرجع حتى إذا كان بـ (سلاح) عائدًا بجنده؛ لقي عينًا لـ (عيينة بن حصن الفزاري) فقتلوه، ثم لقوا جمع (عيينة)، وهو لا يشعر بهم، فناوشوهم، حتى انكشف جمع (عيينة)، وتبعهم بشير بأصحابه، فأسروا رجلاً أو رجلين، فقدِموا بهما على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأسلما، فأرسلهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم (44).

وعاد بشير بن سعد رضي الله عنه إلى المدينة ظافرًا، سالمًا، غانمًا، يسوق ما ملأ به يديه من النعم والشاء، ومما أفاءه الله عليه(45)، بعد ما نشر سيادة الإسلام على أطراف المدينة، وألقى الرعب في قلوب أعداء المسلمين، وأقام هيبة الإسلام في نفوس الغادرين الناكثين، حتى شرح الله صدورهم للإسلام، فأتوه مذعنين.

وقد صحت فراسة أبي بكر وعمر ببشير رضي الله عنهم، فكان عند حسن ظنهما به، كما هو عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قبل، ومن بعد.

ج - بشير بن سعد رضي الله عنه الأمير العسكري، حفيظ أسلحة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وتظهر كفاءة الصحابي الأمير بشير بن سعد رضي الله تعالى عنه كقائد عسكري فذٍّ مُسدَّد، فكان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يستشيره في المهم من الأمور، ويسند إليه بعض المهمات العسكرية الجسيمة.

فحينما عزم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على التهيؤ لعمرة القضاء، بعد أن صدَّته قريش والمسلمين عن عمرتهم السابقة، قدم معه جموع من شهد الحديبية، وحمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم السيوف والبيض، والدروع والرماح، فقيل له: يا رسول الله؛ حملتَ السلاحَ، وقد شرطوا علينا ألا ندخل عليهم إلا بسلاح المسافر؛ السيوف في القرب، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إنا لا نُدخِلُها الحرم، ولكن تكون قريبًا منا، فإن هاجنا هيج من القوم، كان السلاح قريبًا منا)). وكان ذلك في هلال ذي القعدة(46) من السنة نفسها؛ سنة سبع من الهجرة، واختار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشير بن سعد رضي الله عنه، فأسند إليه هذه المهمة(47)، وأحرم صلى الله عليه وآله وسلم من باب مسجده الشريف بالمدينة، ثم يَمَّمَ هو والمسلمون شطر مكة ملبِّين، فلما انتهوا إلى (ذي الحليفة)(48)، قدَّم صلى الله عليه وآله وسلم أمامه الخيل، وعليها محمد بن مسلمة رضي الله عنه، وقدَّم فرقة السلاح، وعليها بشير بن سعد رضي الله عنه، فلما صاروا إلى (مرِّ الظهران)(49)، رأى نفر من قريش سلاحًا كثيرًا، ولما رأوا عليه بشير بن سعد خرجوا سراعًا، حتى أتوا قريشًا، فأخبروهم بالذي رأوه من الخيل والسلاح، ففزعت قريش، وقالوا: والله ما أحدثنا حدثـًا، ونحن على كتابنا ومدتنا، ففيمَ يغزونا محمد في أصحابه؟؟

ونزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (مَرَّ الظَّهران)، فقدَّم بشيرًا مع السلاح إلى (بطن يأجج)(50)، حيث ينظر إلى أنصاب الحرم، وبعثت قريش (مكرز بن حفص بن الأخيف)(51) في نفر من قريش، حتى بلغوا (بطن يأجج)، فلقوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أصحابه، والهدي والسلاح قد تلاحقوا، فقالوا: يا محمد!! والله ما عُرفتَ - صغيرًا ولا كبيرًا - بالغدر!! تدخل بالسلاح الحرمَ على قومك، وقد شرطتَ ألا تدخل إلا بسلاح المسافر؛ السيوف في القرب؟(52)، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((إني لا أُدخِل عليهم السلاح))، فقال (مكرز بن حفص): هذا الذي تُعْرَفُ به؛ البر والوفاء، ثم أسرع فأخبر قومه(53).

وأكرم الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، فأنعم عليه وعلى أصحابه الكرام رضي الله عنهم أجمعين، فأتموا عمرتهم، وكان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أمر ناسًا منهم أن يذهبوا إلى أصحابهم ببطن يأجج، فيقيموا على السلاح، ويأتي الآخرون، فيقضوا نسكهم، ففعلوا، وكان قائدهم العسكري الأمير القائد بشير بن سعد رضي الله تعالى عنه(54).

يتبع

الحلقة السابقة هـــنا

 

(26) البداية والنهاية 3/316.

(27) طبقات ابن سعد 2/12. وانظر سعد بن الربيع، للباحث ص 133.

(28) البداية والنهاية 3/316.

(29) ابن حبيب البغدادي، المحبر، ص 233.

(30) المغازي 2/276. البداية والنهاية 4/100. السيرة الشامية 4/369-370.

(31) بنو مرة: قبيلة عربية عريقة، شديدة المراس، من أصل عدناني، ثم اختلطت باليمانية، ولعل جدها هو مُرَّة بن صعصعة بن معاوية، من هوازن، قيس عيلان، وقد نزلوا غربي نجد إلى وادي القرى (غربي مدينة حائل اليوم). ينظر: مغازي الواقدي 2/723.

(32) فَدَك: بفتح الفاء والدال، قرية من قرى المدينة، تقع جنوب شرقي خيبر، وهي اليوم بليدة عامرة كثيرة النخل، تسمى: (الحائط)، وقد فتحت صلحًا، وهي مما أفاء الله على رسوله خالصة له؛ لأنه لم يُوجَف عليها بخيل ولا ركاب.، ولها في المغازي والسير ذكر. معجم البلدان 4/238.

(33) وفي ذلك يقول العلامة غالي بن المختار الشنقيطي في كتابه وسيلة الجليل إلى بعوث صاحب الإكليل، ص 108:

((ثمَّ بشيرًا بعده الأنصاري=لفــــدك لمـــــرة الضـــــواري

فشـــن غارة وســــاق الشَّاء=وحاز من نَعمهم ما شاء))

(34) مغازي الواقدي 2/722، 724. طبقات ابن سعد: 2/119. الكامل في التاريخ 2/153. ابن عساكر 1/190. البداية والنهاية 4/222. السيرة الشامية 6/132.

(35) عند اليعقوبي: غالب بن عبد الله الملوحي 1/74. وانظر: ابن حجر، الإصابة 3/184.

(36) المغازي 2/723. الطبقات الكبرى 2/119. الكامل في التاريخ 2/153. البداية والنهاية 4/222. السيرة الشامية 6/140.

(37) الجناب: وتسمى اليوم: (الجهراء)، وتقع جنوب مدينة تيماء، والجناب: أرض فضاء، وبيداء فيحاء، تمتد من الحفيرة جنوبًا حتى تقرب من تيماء، وتتصل شرقًا بصحاري نجد الواسعة، وغربًا بهضاب واقصة وعردات، قال ياقوت: الجناب بكسر الجيم، موضع بعراض خيبر، وسَلاح، ووادي القرى، وقيل: بين فيد والمدينة، وتمتد منطقة الجِناب على بعد (ثلاثمائة كيلومتر) تقريبًا شمالي المدينة المنورة. وانظر معجم البلدان 2/164.

(38) غطفان: قبيلة عدنانية، كانت منازلهم بنجد مما يلي وادي القرى، وجبل طيء، من أوديتهم (الرمّة)، ومن جبالهم (ضرغط أو ضرغد)، وتقع اليوم ضمن منطقة حائل.

(39) عُيينة بن حصن الفَزاري، من أجلاف الأعراب، أسلم عام الفتح، وكان من المؤلفة قلوبهم، ارتد عن الإسلام ثم عاد إليه، وذكروا: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قتله على الردة، وقيل: بل لما علم بعزم عمر على قتله، عاد إلى الإسلام، فتركه، فعاش إلى خلافة عثمان رضي الله عنه، ولم يحسن إسلام عيينة، والله أعلم. انظر: الإصابة 3/54.

(40) البيهقي، دلائل النبوة 4/301.

(41) سَلاح: على وزن قَطام، موضع قرب خيبر. انظر: معجم البلدان 3/233.

ويسمى اليوم: (العشاش)، ويبعد عن المدينة نحوًا من مئتي (كيلومتر)، على ربوة ترتفع عن مجرى السيل، ولا تزال بقايا آثار المدينة (سلاح) إلى الآن، وقد ظلت (سلاح) محطة للحجاج، حتى تحول طريق الحاج الشامي إلى العلا، فتبوك، أي تحول الطريق إلى غربي (سلاح)، ثم أقام نفر من الأعراب في هذا الموضع بيوتًا متواضعة من الصفائح والقصب، وجذوع النخل على غير ما نظام، ويطلقون على كل بيت: (عشة).

وقد أقيمت تلك العشش أو (العشاش) على أنقاض (سلاح) القديمة، في شماليها، فسميت الآن: (العشاش)، وقد انتعشت تلك (العشاش) أخيرًا عندما مر فيها طريق: المدينة - تبوك - الشام.

وإذا وقف المرء على نشز من الأرض في (سلاح / العشاش) اليوم، ورنا إلى الشمال الشرقي، فإنه يرى (يمنًا وجبارًا)؛ الموقعين التاريخيين الآتي ذكرهما. انظر: عاتق غيث البلادي، رحلات في بلاد العرب، شمال الحجاز، ص 26.

(42) يمن: اسم ماء في واد، يرى من مشراف العشاش (سلاح) قديمًا، من جهة الشمال الشرقي. انظر: معجم البلدان 5/221.

وكذلك جبار، ماء يقع إلى الشرق من (يمن) في الوادي نفسه، ويسيل هذا الوادي غربًا حتى يصب في وادي عشاش من أعلاه. انظر: معجم البلدان 2/98.

(43) مغازي الواقدي 2/727، 728. طبقات ابن سعد 2/120. الطبري 3/23. الكامل في التاريخ 2/153. البيهقي، دلائل النبوة 4/301. المسعودي: التنبيه والإشراف، ص 244. البداية والنهاية 4/223. السيرة الشامية 6/134.

وقد تعددت أسماء هذه السرية المباركة في هذه المصادر، فبعضهم يقول: غزوة يمن وجبار، وبعضهم الآخر يسميها غزوة الجناب وسلاح، وكلها واحد.

وكل هذه الأسماء مواضع وأمكنة ناحية خيبر، فوادي يمن وجبار يعارض وادي خيبر كما رأينا. انظر المصورات عند: البلادي، رحلات في بلاد العرب، شمالي الحجاز، ص 22، 31.

(44) وفي ذلك يقول الشنقيطي في وسيلة الخليل، ص 111:

((ثم بشيرًا بعده الأنصاري=لغطفـان يمن والجبـار

فهربوا منه فساق النَّعما= وبأسيرين أتى فأسلما))

(45) عند ابن الأثير أن عمرة القضاء كانت في ذي الحجة. الكامل 2/154.

(46) مغازي الواقدي 2/733. طبقات ابن سعد 2/120. البداية والنهاية 4/231.

(47) حليفة: بالتصغير، قرية بظاهر المدينة المنورة، على بعد تسعة أكيال على طريق مكة، وهي ميقات أهل المدينة، ومن مَرَّ بها محرمًا إلى مكة، وتسمى اليوم: أبيار علي. معجم البلدان 2/295.

(48) مَرّ الظهران: واد عظيم من أودية الحجاز، يقع شمال مكة، على مسافة اثنين وعشرين كيلاً، ويصب في البحر جنوب جدة، ومن أقسامه: وادي فاطمة، وهي فاطمة زوجة بركات بن أبي نمي، أحد حكام مكة من الأشراف. انظر: معجم البلدان 5/104. المعالم الأثيرة في السنة والسيرة، ص 250.

(49) بطن (يَأجَجُ): بالهمزة وجيمين: علم مرتجل لاسم مكان من مكة، وهو واد من أوديتها شمال التنعيم، ووادي التنعيم يصب في يأجج، يقطعه الطريق إلى المدينة على عشرة أكيال من المسجد الحرام، ويعرف اليوم باسم (ياج). انظر: معجم البلدان 5/424. وانظر: المعالم الأثيرة، للأستاذ محمد محمد حسن شراب، ص 297.

(50) مكرز بن حفص بن الأخيف، بالخاء المعجمة والياء المثناة، هكذا ضبطه في الإصابة، وهو عند الواقدي وابن كثير: الأحنف، كذا بدون ضبط، وهو من بني عامر بن لؤي، من قريش، شاعر جاهلي فَتَّاك، قدم المدينة عقيب بدر، لما أسر المسلمون سهيل بن عمرو، فقال لهم: ضعوا رجلي في القيد مكان رجليه، حتى يبعث إليكم بالفداء، ففعلوا ذلك، فلما بعث سهيل بفدائه أطلق مكرز. انظر: المصعب الزبيري؛ نسب قريش، ص 417. الإصابة 3/456. الأعلام 7/284.

(51) المغازي للواقدي، وعنده: مكرز بن حفص الأحنف 2/733. الطبقات الكبرى 2/120. البداية والنهاية 4/231.

(52) السيرة الشامية 5/190.

(53) جاء عند ابن حجر في تهذيب التهذيب 1/464: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استعمل بشير بن سعد على المدينة في عمرة القضاء، في حين أن كتب المغازي والسير تنص على: أن بشير بن سعد كان على سلاح النبي صلى الله عليه وآله وسلم في عمرة القضاء هذه، وأن الذي استخلفه النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المدينة في عمرة القضاء هو: (أَبُو رُهْم الغفاري). انظر: الطبقات الكبرى 2/120، 121. وذكر ابن كثير عن ابن هشام: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استعمل على المدينة في عمرة القضاء (عويف بن الأخبط الدؤلي). انظر: البداية والنهاية 4/227. والله أعلم.

(54) المغازي 2/440.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين