تعلموا العربية أيها الجهلة (5) فضائل

من الأباطيل التي أثارها الجويهل المتنصر رشيد حمامي تعليقه على الأحاديث الشريفة الواردة في فضل سورة "قل هو الله أحد" منها قول الرسول صلى الله عليه وسلم: إن هذه السورة تعدل ثُلُثَ القرآن وراح يستهزئ ويتقيأ، وكأنه مخمور مختل العقل، بحمق وافر، وفجور سافر!

- والجواب أيها المسيكين: أن علماءنا ذكروا كثيراً من الأدلة التي يقتنع بها من لديه أدنى مُسكة من عقل (1)، سأكتفي بقول واحد من الأقوال الكثيرة المُقنعة لأصحاب العقول العلمية المنوّرة التي لا تعرف الكذب واللف والختل قالوا في تفسير الأحاديث الواردة في ذلك: إن القرآن أُنزِلَ أثلاثاً، ثُلُثاً منه أحكام، وثلُثاً منه وعد ووعيد، وثلُثاً منه أسماء وصفات، وقد جمعتْ "قل هو الله أحد" الثلثَ، وهو الأسماء والصفات، وأضاف القرطبي قائلاً: ودل على هذا التأويل ما في صحيح مسلم من حديث أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله جلَّ وعزَّ جزّأ القرآن ثلاثة أجزاء فجعل "قل هو الله أحد" جزءاً من أجزاء القرآن، وهذا نصٌّ (2) أي هذا نصٌّ يدمغ رشيداً بالخبث، لأنك قرأت ذلك وتجاهلته؟!

- والحاصل أن سورة الإخلاص لمنزلتها ومكانتها بسبب ما تضمنته من التوحيد النقي، عدلت ثلث القرآن، قال القرطبي بعد قوله السالف وهذا نص: وبهذا المعنى سميت سورة الإخلاص(3)

- وهاك أيها المتفاصح نصاً آخر للزمخشري يدمغك بالجهل أيضاً يوضح فيه سبب عدلها ثلث القرآن، وكأنه يوجه خطابه لك يامن تعاميت عن الحقيقة وتركت نور الهداية إلى ظلام الشرك والخطيئة، قال في نص يتلألأ نوراً وبريقاً: فإن قلت: لِمَ كانت هذه السورة عدل القرآن كله على قِصَرِ متنها وتقاربِ طرفيها قلت: لأمر ما يسود من يسود وما ذلك إلا لاحتوائها على صفات الله تعالى وعدله وتوحيده وكفى دليلاً من اعترف بفضلها، وصدَّقَ بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، أن عِلْمَ التوحيد من الله تعالى بمكان وكيف لا يكون كذلك والعلم تابع للمعلوم يشرف بشرفه ويتضيع بضيعه ومعلوم هذا العلم هو الله تعالى وصفاته وجلالة محله وإنافته على كل علم واستيلائه على قصب السبق دونه ومن ازدراه فلضعف علمه بمعلومة، وقلة تعظيمه له، وخلو من خشيته وبعده من النظر لعاقبته "وأضاف قائلاً" وتسمى سورة الأساس لاشتمالها على أصول الدين، وروى أُبَيٌّ وأنس عن النبي صلى الله عليه وسلم "أسست السموات السبع والأرضون السبع على: قل هو الله أحد" يعني: ما خُلقتْ إلا لتكون دلائلَ على توحيد الله ومعرفة صفاته التي نطقتْ بها هذه السورة (4) فهل بعد هذا بيان؟

وقد ذكرت لك قبلُ أسماءها الدالة على أفضالها، وقلت لك: إن منها سورة الإيمان وسورة الأساس، لأنها تمثل جوهر الإيمان وأساسه، فما العجب في ذلك إن قلنا: إنها تعدل ثلث القرآن لما لها من فضائل أهمها فضيلة تصحيح التوحيد وتنقيته، ومما قلته لك أيضا: عليك أن تتأمل كل اسم من أسمائها فسوف يظهر لك جلياً – إن لم تك أعمى البصيرة – أنها - حقاً - جليلة في مضامينها غزيرة في دلالاتها، لقد صورت لنا تاريخ الديانات كلها وبينت فاسدها من صحيحها، ولعلي لا أبعد إن قلت لقد صورت لنا الفكر الإنساني كله مذ بدء الخليقة إلى قيام الساعة، لأن عماد هذا الفكر وشغله الشاغل هو معرفة "الإله" وما قصة حي بن يقظان عنا ببعيدة؟ ناهيك عن تراكيب السورة اللغوية التي لا يمكن لبشر أن يأتي على مضامينها بهذه التراكيب القصيرة الراقية الفصيحة، ولا تنس أخيراً أن كثرة أسمائها يدل على فضلها، وكثرة الأسماء عند العرب يدل على شرف المسمَّى، لذلك كله لا غرابة في جعلها تعدل ثلث القرآن، افهم يا جويهل كلام العرب وأغراضها ثم تكلم. حتى لا تفسد في الأرض.

-أما استهجانك لثوابها المتمثل بقصور في الجنة، وبالرقية بها، فلا شك أن ذلك يتعلق بالأمور الغيبية التي لم تخلُ منها ديانة سماوية، فما أكثر اعتقاداتكم بالغيبيات التي لديكم؟ وما أتفه تفسيراتكم لها؟ والظاهر أنك تعاميت عن كل ذلك فتجاهلت فكرة القربان المقدس عندكم، وما تطلقون عليه سر الشكر، لماذا لا تسألون أنفسكم كيف اقتنعتم بأن دقيق الحنطة الذي تصنعونه بأيديكم يصيرُ غذاء سماويًا؟ وكيف تتخيلون أن هذا الخبز هو جسد الرب؟ هل أكلتَه لتحيا فيه إلى الأبد؟ أيُّ خَرَفٍ هذا يا ماكر؟ وليت الكهان عندك اشتغلوا فيك بسرِّ المسحة، لتشفى من أمراضك النفسية ولوثاتك العقلية؟ ثم هل ما يقرؤه الكاهن لشفاء المرضى على زيت، ووضع الفتائل السبعة من القطن فيه أو عليه ثم الصلاة عليه - ولا أعرف صيغة الصلاة - سبع مرات ثم إشعال سبع فتائل تريدون منها كمال حلول مواهب روح القدس؟ أقول أليس هذا شبيه بأفعال السحرة والمشعوذين المهرة؟ هل يقبل ذلك عاقل أيها الخبل المخادع؟ تعلم كل هذه الخرافات والخزعبلات ثم تتجرأ علينا لتقول: كيف تصدقون قول رسولكم: إن من يقرأ سورة الإخلاص أو غيرها يبنى له قصر في الجنة؟ ثم لست أدري ما الطلب الذي طلبته من ربك (المثلث) حين قمت بسر الكهنوت ففي هذا السر يعطيكم الرب كل ما سألتم؟! جرّب واطلب أن يهبك قصورًا في المغرب – بدل الجنة - ليراها الناس ويتبعوك من الآن - فهل أُعْطيتها أيها الدجال؟ أرنا إياها أيها المختل؟ كما أذكِّرك بما تسمونه سر التوبة أو سر الاعتراف، كيف يقبله عقلك الفاسد؟ ثم كيف تقنع عقلك بقبول فكرة عندكم تقول: إن وضع الصليب على الرأس هو سبب لغفران الذنوب كلها صغيرها وكبيرها، ولا شك أن وضعه لا يستغرق الدقيقة فماذا جرى حتى غفرتم ذنبه في دقيقة أو دقيقتين؟ ما دليلكم على ذلك؟ ثم لماذا هذه الأدخنة التي تُعمي البصر تضيق نفس الحضور؟ ثم ما هذه التمتمة التي يتمتم بها من يقوم بهذه الطقوس؟ ألا تعدُّ أوراداً تعتقدون أن وراءها أسراراً؟ بل إنكم سميتموها الأسرار السبعة (5)، تعنون بها أنها أسرار مقدسة لنوال نعمة سرية – (غير منظورة) - بواسطة (مادة منظورة) (6) أي عطايا من الرب يسوع لا يمكن إدراكها في عالم الحس، فإذا كان الأمر كذلك عندكم مع أنها خزعبلات فارغة وخيالات مضحكة تقومون بها في محافلكم لأغراض يعلمها من يقوم بها، - فلِمَ تستخف أيها الرقيع بما نعتقده نحن من أمور غيبية في شريعتنا؟ ومنها فضائل السور وثوابها، نعمْ لقد وردت أحاديث كثيرة في فضل قراءة سورة الإخلاص – وغيرها – للرُّقية أو لغيرها – وفيها يبشر المصطفى صلى الله عليه وسلم قرَّاءها بالأجر - وهو قصر في الجنة؟ أليس عيباً أن تكون منافقاً متناقضاً مذبذباً تؤمن ببعض وتكفر ببعض، تزعم أنك مستور وواستك بادية للناس!؟ إنك حرباء أي حرباء؟ سُلبتَ التوفيق والسداد، لقد خص الله قرآننا بهذه الفضائل لأنه أشرف الكتب السماوية، ومن المفيد أن نذكر أنه إذا سلَّمنا بوقوع الغيبيات والروحانيات في كل الأديان، فالفرق يتضح في مدى صدق المصدر، الذي أخبرنا بهذه الغيبيات، فمصادرنا تتمثل في الكتاب والسنة، أما الكتاب - أي القرآن الكريم – فالبراهين واضحة على أنه لا يأتيه الباطل أبداً، وهو محفوظ من التبديل والتحريف، ولا أريد الاسترسال في سرد ما يتصل بهذا الأمر لبداهته ولوضوحه، فقوله تعالى مثلا "وننزل من القرآن ما فيه شفاء" نسلم بأنه صحيح، لذا لا مانع من الرقية به مثلا، وأما الحديث الشريف فهومن الصادق الصدوق صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، وما هو إلا وحي يوحى؟ فحين يخبرنا عن فضائل القرآن، إنما يخبرنا بما أوحي إليه، ورحم الله القائل:

رموزٌ للمؤمّلِ ظاهراتٌ *** جلاها صاحبُ السبع المثاني

هذا منهج ثابت في إيماننا بمصادرنا تلك التي تحاولون التشكيك فيها فلم تستطيعوا ولن تتمكنوا من ذلك فالله ربنا هو الحافظ الحفيظ والتحدي قائم بيننا إلى قيام الساعة، أما مصادر سخافاتكم الغيبية فهي الخيالات الفاسدة الكاسدة، اخترعها أمثالك لتوطيد الكذب عندكم وتثبيته عند أشياعكم المساكين فهي من صنع الدجالين الذين وصفهم قرآننا بالضالين ثم صاروا مُضلّين مثلك، وحاصل ذلك كله أن فضائل سورة الإخلاص قائمة لصدق من أخبرنا بها في حين أن ما عندكم هو خزعبلات عاطلة ليس لها مصدر يوثق به، فإذا أضفنا هذا الأمر إلى ما ذكرناه حول تفسير المراد من العدل فيها، وقبول العقل لثوابها بان لنا أنك مع ضيفك تغشان الناس بجهلكما، وأنتما تعلمان أنكما تكذبان، فأقو لك يا رشيد: استح إن كنت آدمياً رجلاً عاقلاً، ولا تتعدى على ديننا ونبينا، لأن العاقلةَ لا تجعل من نفسها بكراً وهي مُفتضّةٌ بفجور – أظنها عبارة لابن عجيبة (المغربي) – وكأنه رحمه الله قالها مستشرفاً ظهور أمثالكم وجعجعات أشياعكم، وما كل من قرأ السطر القويم قرا ونعوذ بالله من الضلالة -، ورحم الله القائل:

وما العيون التي تَعمى إذا نظرت=بل القلوبُ التي يَعمى بها النظرُ

1 - انظر الكثير منها في روح المعاني 15/503

2 - الجامع 22/562

3 - الجامع 22/562

4 - الكشاف 1228

5 - انظر موقع الدرر السنية – موسوعة الأديان – المطلب السابع – الأسرار السبعة

6 - الأسرار السبعة المقدسة وانظر كتاب أسرار الكنيسة السبعة للدكتور إبراهيم سدراك، وكتاب الوسائط الروحية للبابا شنودة الثالث، وكتاب أسرار الكنيسة السبعة لحبيب جرجس

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين