الغربة في أحضان الوطن

حب الوطن والانتماء إليه ليس شعارا أو جنسية أو أرضاً أو عَلماً أو موقعاً أو شهادة ميلاد فقط بل هو روح وحب وإحساس وتضحية وفداء والتزام وخلق وسلوك وأمانة ودعوة ورسالة وقدوة وعلم وعمل وتفوق وتقدم وإجادة وريادة وتفاهم وتعاون وقناعة وتسامح وحوار ومسئولية وحرية وكرامة وعزة، فإن حيل بينك وبين حب الوطن والانتماء إليه كانت الغربة في أحضان الوطن.

إذا حيل بينك وبين أبسط حقوقك في الوطن، وصار وطنك يؤلمك وجعا وحزنا وخوفا وانكسارا كانت الغربة في أحضان الوطن.

الوطن حق وعدل ومساواة فإذا غاب العدل وفُقد الحق وانعدمت المساواة كانت الغربة في أحضان الوطن.

شعور مؤلم عبر عنه ﷺ بكلمات من نهج النبوة في أوج الشعور بالغربة (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني أم إلى قريب ملّكته أمري إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي ولكن عافيتك أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو يحل عليّ سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلى بك)

غربة فرضت فرضا على نفوس العاملين والمؤمنين والمصلحين والنابهين رافعي الراية محبي الدين والوطن، المشتاقون للريادة والتقدم والازدهار والمكانة السامية بين الأمم.

قال ﷺ (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء) مسلم

غربة يعانيها الحكيم بين الجُهال، والمعتدل بين المتطرفين، والمخلص الأمين في عمله بين الانتهازيين، غربة الصالح بين الطالحين، والمحب بين الكارهين، والملتزم بين المفرطين، غربة المصرّ على إتقان عمله بين إهمال المتسيبين المنتفعين وإخفاق المتخاذلين وفشل وعجز وسقوط ورسوب وخيبة واستهتار واستخفاف المتقاعسين، غربة البريء بين المذنبين، والطاهر العفيف الشريف النزيه البريء بين المجرمين.

غربة النور يحوطه الظلام والسهول في وسط الجبال والواحة في قلب الصحراء والخضرة من حولها القحل والجفاف، غربة القادرين على التمام رغم الضيم والألم، غربة ربيع شباب العمر مع طول خريف الوطن.

غربة في أحضان الوطن لا تدانيها غربة أخرى سوى غربة القبر فلا أنيس ولا جليس ولا رفيق ولا حبيب، لا زوجة ولا ولد ولا مال ولا متاع... إلا ما قدم الإنسان من صالح الأعمال.

ليس الغريب غريب الشام واليمن = إن الغريب غريب اللحد والكفَن.

(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين