مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (99)

(وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ [البقرة: 120]

السؤال الأول:

ما دلالة كلمة (مِلَّتَهُمْ) [البقرة:120] في هذه الآية؟ ولماذا لم ترد كلمة (ملتيهما)؟

الجواب:

لو قال تعالى: (ملتيهم) لكان المعنى: لن ترضى عنك اليهود حتى تتبع ملتيهما، ولن ترضى عنك النصارى حتى تتبع ملتيهما وهذا لا يصح؛ لأنّ اليهود يريدون أنْ يتّبع ملتهم فقط وليس ملتيهما، وكذلك النصارى. وللعلم فإنّ الملّة اسم للشريعة المتّبعة المكونة من العقائد والعبادات والأخلاق.

السؤال الثاني:

لماذا جاء بـ (وَلَا) في قوله: (الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى) [البقرة:120]؟

الجواب:

1ـ لو قال: (ولن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم) من دون (لا) لاحتمل ذلك أحد معنيين:

آ ـ أنّ الجميع لا يرضون حتى تتبع ملتهم، بمعنى أنك إذا اتبعت ملة اليهود رضيت عنك اليهود والنصارى.

ب ـ وإذا اتبعت ملة النصارى رضيت عنك اليهود والنصارى، وهذا المعنى لا يصح وهو غير مراد.

2 ـ لذلك يبقى فقط احتمال ثان، وهوما نصت عليه الآية، بمعنى أنه لن ترضى عنك اليهود حتى تتبع ملتهم، و لن ترضى عنك النصارى حتى تتبع ملتهم.

3ـ ونلاحظ أنّ القرآن كرر النفي؛ وذلك حتى نفهم أنّ رضا اليهود غير رضا النصارى، ولو قال الحق: (ولن ترضى عنك اليهود و النصارى) بدون (لا) لكان معنى ذلك أنهم مجتمعون على رضى واحد أو متفقون، ولكنهم مختلفون بدليل أن الله قال فيهم:  {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ }[البقرة: ١١٣].

السؤال الثالث:

ما الفرق في المعنى بين قوله تعالى: (مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) [البقرة:120] وقوله: (وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) [الشورى:31]؟

الجواب:

التعبير (مِنْ دُونِ اللَّهِ) يعني من غير الله، أمّا التعبير (مِنَ اللَّهِ) أي: ليس لكم ولي من الله ينصركم، ولم يهيء لكم ولياً أو أحداً ينصركم، وليس هنالك نصير من جهة الله ينصركم، من الملائكة أو من غير الملائكة أمّا (من دون الله) فتعني من غير الله، إذن المعنى مختلف تماماً.

السؤال الرابع:

ما الفرق بين (مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ) [البقرة:145] وبين (بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ) [البقرة:120] في الآيتين: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ) [البقرة:145] وفي الآية (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) [البقرة:120]؟

الجواب:

هناك فرقان:

آـ استعمل في الأولى [120] اسم الموصول (الَّذِي) واستعمل (مَا) في الآية الثانية

[ 145].

ب ـ كما استعمل في الآية [ 145] (مِنْ بَعْدِ) واستعمل في الآية [120] (بَعْدَ).

الحكم النحوي: اسم الموصول ( الذي ) يوصف بأنه مختص، و ( ما ) مشترك. والمختص أعرف من المشترك.

أي أنّ ( الذي ) أعرف من ( ما ) لأنّ ( ما ) تكون للمفرد والمذكر والمؤنث والمثنى والجمع، أمّا ( الذي ) فهي خاصة بالمفرد المذكر. إذن ( الذي ) أعرف باعتباره مختص، و(ما) عام.

السياق:

1ـ قال تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ١٢٠ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ١٢١) [البقرة:120، 121] فقوله تعالى: (يَتْلُونَهُ) [البقرة:121] أي: الكتاب، أي: التوراة والإنجيل إذن صار محدداً، (يَتْلُونَهُ) أي: يتبعون العلم الذي جاء به إذن تحدد الذي بالسياق في هذه الآية.

2ـ جاءت الآية [145] في موضوع تحويل القبلة كما في الآية [144] التي سبقتها (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) [البقرة:144] هذا مطلق ولم يحدد بشيء فاستعمل ( ما ) في المطلق، واستعمل ( الذي ) في المقيَّد.

3ـ استعمل ( الذي ) في الآية الأولى 120، بينما استعمل ( ما ) في الآية الثانية 145، علماً بأنّ كليهما اسم موصول، لكنّ أحدهما أعرف من الآخر، فاسم الموصول ( الذي ) هو اسم مختص للمفرد المذكر، بينما اسم الموصول ( ما ) هو مشترك يستعمل لذوات غير العقلاء ولصفات العقلاء، أي: أنها تقع على ذاتٍ متصفة بوصف من صفات العقلاء، وهو اسم موصول مشترك في المفرد والمثنى والجمع المذكر والمؤنث فاستعمل ( الذي ) في الأخص، واستعمل

( ما ) في المطلق.

4ـ التعبير (مِنْ بَعْدِ ) من لابتداء الغاية، ابتداء المكان، بداية الشيء من كذا إلى كذا، وتدل على الالتصاق، وأمّا (بَعْدَ ) فتحتمل أنْ هناك فاصلا زمنيا.

أي: أنّ التحذير باتباع أهواء أهل الكتاب يبدأ مباشرة من لحظة مجيء العلم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتحويل القبلة وليس هناك وقت للانتظار، ولو لم يذكر (من) لاحتمل الموضوع التأخير مدة من الزمن.

وقوله تعالى: (مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ) [البقرة:145] السياق في الكلام في تحويل القبلة، وتحويل القبلة متى يؤمر به المسلم؟ عندما تنزل الآية مباشرة ينبغي أنْ يتحول إلى القبلة، ومن سمع بها نفّذها، والذي كان في الصلاة وسمع هذه الآية اتجه مباشرة إلى الكعبة، إذن (من) لابتداء الغاية.

بينما الآية الأولى 120 ليس فيها هذا الشيء فلم يقل (من).

شواهد قرآنية:

آـ (وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا) [يس:9] أي: أنّ هناك فاصلا يبدأ من أيديهم يمنعهم من الحركة، ولو قال: (بين أيديهم) بدون (من) لاحتمل وجود مسافة بين أيديهم والسد.

ب ـ (وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ) [فُصِّلَت:5] أي: أنّ الحجاب لم يترك فاصلاً بينهما.

ج ـ (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا) [فُصِّلَت:10] أي: مباشرة ليس هنالك فاصل، ولو قال: ( فوقًها ) كانت تحتمل القريب والبعيد.

د ـ (أَفَلَمۡ يَنظُرُوٓاْ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوۡقَهُمۡ) [ق:6] مسافة كبيرة.

هـ ـ (وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ) [النساء:154] هناك مسافة بين الطور ورؤوسهم.

السؤال الخامس:

في قوله تعالى: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ) [البقرة:120] وقوله في آية الأنعام: (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ) [الأنعام:121] ما سبب الاختلاف في مستوى التوكيد؟

الجواب:

1ـ القاعدة اللغوية: يستعمل القرآن اللام للتوكيد، فقوله: (وَلَئِنِ ) آكد من قوله: (وَإِنْ).

2ـ قال تعالى في آية الأنعام [121]: (وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ١٢١).

وقال في آية البقرة: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ) [البقرة:120] فأكّد في آية البقرة باللام دون آية الأنعام.

والسبب أنّ آية البقرة تستدعي قدراً زائداً من التوكيد؛ فإنها تحذير للرسول صلى الله عليه وآله وسلم من ترك ملة الإسلام واتباع اليهود والنصارى وهو من أكبر المعاصي، إذ كيف يصح من رسولٍ يتنزل عليه الوحي من ربه أنْ يترك أمر الله إلى ملة أخرى لا يرضاها ربه؟ فاحتاج ذلك إلى قدر من الوعيد أكبر.

أمّا آية الأنعام فهي في الأكل مما لم يذكر اسم الله عليه، لذلك ترى أنّ المعصية في آية البقرة أشد وأكبر فاحتاج ذلك إلى قدر من التوكيد أكبر.

السؤال السادس:

قوله تعالى في هذه الآية: (مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ) [البقرة:120] بينما قال في آية الأنعام [51]: (لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ ) فزاد (من) المؤكدة في البقرة فما دلالــة ذلك؟

الجواب:

1ـ آية الأنعام (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [الأنعام:51] هم على كل حال مؤمنون بهذا اليوم وترجى لهم التقوى.

2ـ أمّا آية البقرة فقد ذكرفيها أنّ اليهود والنصارى لن ترضى عن الرسول حتى يترك دينه ويتبع ملتهم، وهذا كفر صريح وانسلاخ من الدين، ولذا عقب عليه بقوله: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ) [البقرة:120] أي: إنّ فعل ذلك ما له من الله من ولي ولا نصير، فالفرق بين المقامين واضح، فاحتاج الكلام في آية البقرة إلى توكيد نفي الولي والنصير دون آية الأنعام.

3 ـ وكذلك المقام في آية الرعد: (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ) [الرعد: 37].

السؤال السابع:

ما دلالة ضمير الفصل (هُوَ) في آية البقرة [120] قوله تعالى: (إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى) بينما قال في آية آل عمران [73]: (إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ) وفي آية الأنعام [71] (إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى)؟

الجواب:

1ـ قال في آية البقرة [120]: (إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى) أي: قدّم هدى الله، وجاء بضمير الفصل.

وقال كذلك في آية الأنعام [71 ]: (إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى) أي: قدّم هدى الله، وجاء بضمير الفصل.

بينما قال في آية آل عمران [73]:( إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ) فقدّم الهدى ولم يأت بضمير الفصل.

2ـ لعل السبب - والله أعلم - أنّ الآيتين الأوليين في الأديان، فالأولى في اليهودية والنصرانية والثانية في الشرك، فناسب الرد بتقديم الهدى وهو الإسلام، فكأنه قال لهم: إنّ الإسلام هو الهدى الكامل الصحيح التام لا هدايتكم، فناسب تقديمه وحصر الهداية عليه، وجاء بضمير الفصل توكيداً لهذا المعنى.

أمّا الآية الثالثة فهي ليست في الموازنة بين أهل الأديان، وإنما هي رد على تصرف سيِّءٍ ومكر، حيث قالت طائفة من أهل الكتاب: آمنوا بما أنزل على محمد وجه النهار واكفروا آخره وقولوا نحن آمنا به ظناً بأنه حق ولكن استبان لنا أنه باطل فرجعنا عنه إلى ديننا الذي هو الحق لعلهم يرجعون عن دينهم، فنزلت الآية رداً على مكرهم وكيدهم وادعائهم الهدى، فقال تعالى: (قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ) [آل عمران:73] أي: أنّ الهدى أنْ يهديكم الله إلى الدين الصحيح وإلى الحق وليس الهدى أنْ تعملوا مثل هذا المكر والتبييت، والله أعلم.

السؤال الثامن:

ما سبب اختلاف الفاصلة بين آية البقرة [120] (وَلَا نَصِيرٍ) وفاصلة آية الرعد [37] (وَلَا وَاقٍ)؟

الجواب:

آية الرعد [37] هي قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ).

1ـ في آية الرعد قال: (وَلَا وَاقٍ) [الرعد:37] والواقي هو الحافظ وهو أعم من النصير؛ لأنّ الواقي قد يكون عاقلاً أو من الجمادات أو غيرها، فالسقف واق والملابس واقية وأمّا النصير فلا يكون إلا عاقلاً قادراً.

2ـ حدد الأهواء وعينها في آية البقرة (حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة:120] ولم يحددها في الرعد بل أطلقها، فجعل العام وهو الواقي مع العام وهو عموم الأهواء مع الاسم الموصول المشترك

( ما ) وجعل الخاص مع الأهواء المحددة مع الاسم الموصول المختص وهو) الذي ).

3ـ النصير ينصر صاحبه على الخصم ويمكّنه منه، وأمّا الواقي فإنه يحفظه منه وقد لا يتمكن من نصره، ولذلك فوجود النصير أتم في النعمة من وجود الواقي.

لذلك جعل نفي النصير وهو النعمة الأتم، مع الوزر الأعظم وهو ترك ملة الإسلام، وجعل نفي الواقي الذي هو دون ذلك مع ما هو أقل وهو إنكار بعض الأحزاب بعض ما أنزل إليه.

4ـ تناسب الفاصلة مع السياق، ففي آية البقرة (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ) [البقرة:120] فإذا اتبع ملتهم كان منهم، وأهل الملة ينصرون أتباعهم على غيرهم، فنفى النصير عنه.

وأمّا آية الرعد فلم يذكر فيها ذلك، وإنما قال: (وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ) [الرعد:36] واتباع البعض قد لا يقتضي النصرة ومحاربة الأعداء من أجل ذلك البعض، لكن ربما يحفظونه إذا وقع في شدة.

5ـ انظر الجدول التالي حيث يتبين تناسب اختيار الكلمات مع تناسب عدد التكرار في السورتين:

السورة           تكراركلمة (نصير)                  تكراركلمة (واق)               الآيات

البقرة                 2 -                                107-                     120

الرعد               - 2                                   34-                        37

6ـ تناسب الفاصلة في كل سورة والله أعلم.

السؤال التاسع:

ما الدرس المستفاد من قوله تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى) [البقرة:120]؟

الجواب:

كان اليهود يدخلون على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مدخل كيد ولؤم، فيقولون: هادنا، أي: قل لنا ما في كتابنا حتى ننظر إذا كنا نتبعك أم لا فأراد الله أنْ يقطع على اليهود مكرهم فأخبر رسوله بأنه لا اليهود ولا النصارى سيتبعون ملتك وإنما يريدون أن تتبع ملتهم.

والخطاب وإنْ كان للرسول صلى الله عليه وآله وسلم فهو أيضاً لأمته إلى يوم القيامة، فلينتبه المسلمون إلى ذلك ولذلك يجب أن نستعيذ بالله من أن نصنع تصرفاً نرضي به اليهود أو النصارى لأنّ ذلك معناه أنني تبعت ملتهم لأنّ الله قال(وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ) [البقرة:120].

ويجب أن نفرق بين الرضا وبين التعايش لأنّ التعايش يقتضيك أن تتحمل فعل قالبٍ لا بحب قلب بينما الرضا أن ترضى فعل القالب بحب قلب.

ولذلك كان عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مع اليهود لا رضى منه عن اليهود وإنما كان تعايشاً وما كان للرسول عليه السلام أن يفعل فعلاً ترضى عنه به اليهود لأنّ النصارى واليهود إنْ رضوا عن واحد فليُحكم بأنه قد فارق ملة الله تعالى بنص الآية والعياذ بالله.

وهذه الآية رقم ( 120 ) ذكرت المخالفة الثامنة والعشرين (28 ) لليهود التي ذكرها الله تعالى في سورة البقرة من أصل (32 ) مخالفة وهي تحمل مضمون: محاولة إخراج المسلمين من دينهم.والله أعلم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين