عندما تغدو العبادة عادة

الأستاذ محمد نجيب بنان


 إن لكل عبادة شرعها الله أسرارها وأنوارها , ومزاياها وفوائدها , يؤديها العبد فيكسب بها رضى الباري عز وجل , ومع الأيام قد تصبح هذه العبادات عادات , بمعنى أن العبد يؤديها دون شعور بأهميتها , دون شعور بأنوارها , وإذا ما وصل الإنسان إلى هذا الحد في عباداته أو في بعضها فقد أضحى على منعطف خطر ويجب عليه أن يراجع أعماله ليصححها , وبكل أسف فقد أضحت عبادات الكثير من الناس عادة اعتادوا عليها ودرجوا , ربما تعلموها من آبائهم أو أنهم اعتادوا عليها فيما بعد , والخطر في الموضوع يكمن في أن روح العبادة ولذتها هي ما يدفع الإنسان لفعلها ولمكابدة المشاق والمتاعب من أجلها , فإذا ما تحولت العبادة إلى عادة فإن الإنسان سيتركها عند أول مشكلة تعترضه , ولذلك كان من الواجب على الإنسان أن يحاول فهم ما أراد الله من التشريع , فالله عز وجل لم يشرع الصلاة لكي يقوم الإنسان بحركات رياضية من قيام وقعود وانحناء وإنما شرعها لكي يستشعر الإنسان عظمة الله عز وجل في صلاته ليتعرض لنفحات الله في صلاته , لا ليقوم ويقعد ويتعب نفسه , والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( ورب قائم ليس له من قيامه إلا التعب والسهر ) فالرياء وعدم إعطاء الصلاة حقها من ركوع وسجود وخشوع هي أسباب تجعل العمل يضيع سدى , وتحول العبادة إلى مجرد عادة أيضاً يجعلها تذهب من غير فائدة , والصلاة لا تكون ناهية فاعلها عن المنكر إلا إذا فهم روح التشريع ولبه لا حركاته الظاهرة , الصيام لن يؤتي ثماره المرجوة منه إلا إذا شعر الصائم مع كل لحظة صيام بالجائعين بالمحتاجين , لن يؤتي ثماره إلا إذا شعر في كل لحظة أنه صائم وأنه يقوم بذلك ابتغاء مرضات الله , وإلا إذا تحول الصيام إلى مجرد انقطاع عن المفطرات فقد فَقَدَ روحه وصار جوعاً وعطشاً وحرماناً من المباحات , عندما يذهب الناس إلى الحج فيقفون على صعيد عرفات إن لم يذكرهم هذا الموقف بيوم القيامة يوم يقف الناس لرب العالمين لا فائدة من وقوفهم , إن لم يذكرهم لباس الإحرام الأبيض بوجوب بياض الباطن فلا خير في حجهم ولا في إحرامهم , عندما ينحر الإنسان أضحيته إن لم يشعر بروح التشريع لا معنى لأضحيته ولا فائدة منها , وهكذا فالأمثلة على هذا كثيرة , فيوم الجمعة الذي هو يوم عيد للمسلمين فقد روحه وفقد بهاءه وصارت خطبة الجمعة وصلاتها مجرد عادة أسبوعية , وما دامت عادة فإن الإنسان لا ينتظر منها شيئاً لسمو روحه وبالتالي يقل اهتمامه بها وربما يأتي عليه يوم فلا يبالي بها .
والمطلوب من الإنسان شيئان الأول أن لا تتحول عباداته إلى عادات , والثاني أن تتحول عاداته إلى عبادات وهذه نعمة من نعم المولى جل وعلا منَّ بها على عباده فكل عادة نويت بها نية طيبة صارت بمجرد النية عبادة , وهذا باب من أبواب الكرم الإلهي فإذا ما خرجت من بيتك صباحاً إلى عملك فلتصحبك النية الصالحة ولتكن أنك خرجت للعمل لتكفي نفسك وأهلك فإن صحت نيتك فأنت مجاهد في سبيل الله , حتى اللقمة التي يضعها الرجل في فم زوجته  ينوي بها أن يطيب خاطرها وأن يدخل السرور على قلبها عمله هذا بنيته هذه عبادة وهكذا كل عمل اعتيادي يمكن تحويله إلى عبادة بمجرد استحضار النية وتحسينها , فلنحسن نياتنا ولنراقب سرائرنا ولنحاول فهم سر التشريع وتذوق حلاوته.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين