اعرف حقيقة نفسك واياك والانتفاش كن أنت!!!

قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ).الانفطار (06).

وقال تعالى: (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا.) الإسراء (37)

عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: " أنَّ امرأةً جاءَتِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالت: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ لي زَوجًا، ولي ضَرَّةٌ، وإنِّي أتشَبَّعُ مِن زَوجي، أقولُ: أعطاني كذا، وكساني كذا، وهو كَذِبٌ؟ فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: المُتَشبِّعُ بما لم يُعطَ، كَلابِسِ ثَوبَيْ زُورٍ".

قال سيدي ابن عطاء الله السكندري في حكمه:" “الناس يمدحونك لما يظنونه فيك.

فكن أنت ذاما لنفسك لما تستيقنه منها.

فالعاقل لا يترك يقين ما عنده لظن ما عند الناس "

ممّا يُزّهدني في أرضِ أندلسٍ

تلقيب معتمد فيها ومعتضدِ

ألقابُ مملكةٍ في غير موضعها

كالهرِّ يحكي انتفاخاً صولة الأسدِ

ولهذه الظاهرة ظواهر مرضية نفسية منها:

أولا: الخداع بالمظهر.

يظن البعض أنه عندما يضع العمامة المعظمة على رأسه والعباءة كبيرة الكم، وربما اتخذ سبحة في يده، فيخيل اليه أنه هو الامام مالك رضي الله عنه، أو عندما يطلق لحيته، وقيصر ثوبه، وينزل قلنسوته، قد نزل عليه الفتح المبين، و حاز صكوك الغفران على أنه من المقربين، فهو يريد أن يغطي عورة عقله بخرقة مظهره.

وفي المقابل هناك من يحكم صناعة ربطة اعنقه، و يضبط آناقة لباسه، و لمعان حذائه، المتناسق مع لباسه، وربما ساعة يد ثمنها بمقدر راتب موظف متوسط الحال.

فكل هؤلاء يظنون من انفسهم ان الأبواب قد فتحت لهم قبل نزولهم، والقوم قاموا لهم قبل مجيئهم، و التصفيق بدأ قبل انتهاء كلامهم، أو التكبير بمجرد زفرة انفسهم أو سعلة حلقهم.

إلى كل هؤلاء يقول سيدنا ابن عطاء الله السكندري في حكمه: لا تصحب من لا ينهضك حاله، ولا يدلّك على الله مقاله ".

ثانيا: التبهرج بالشهادات العلمية.

رفع المستوى مطلوب، وطلب المعالي مرغوب، والحصول على الشهادات منسوب، وصاحب المكانة العلمية مرهوب.

ولكن! لا نريد في البلد نسخة، لأن واقعنا أبكانا من تدني المستوى، ورفع العاقرة بالهوى، وهو كرؤوس النخل الخاوية، اذا نطق قلت: يا ليتها كانت القاضية.

يهتم بالاسماء والالقاب، ويرفض أن ينادى مجردا عن الرتب والمقامات، وهو لا يعلم انه لولا الخيانة ما فات.

ولكن! الزمن جزء من العلاج، والأيام حبلى تلد كل عجيب، عندما يشار اليه بالبنان ويقال له يا فالان اصعد الى المنصة، وأقرأ لنا ماجدت به الجنان وخطه بيمينك البنان.

عندها سوف نتذكر قول الشاعر:

ستعلم اذا ما إنجلى الغبار=أفرس تحتك أم حمار.

ثالثا: العزوف واعتزال الناس.

هناك عدة أنواع من الانتحارات..

فمنها الانتحار المادي، وهو المشهور بقتل النفس بشتى انواع إنهاء الحياة.

وهناك الانتحار الاستسلامي، عندما تفقد مبررات وجودك في المجتمع وتعجز عن التغيير او إثبات الذات، فتستسلم وتلقي بنفسك في موجة المجتمع الكاسحة لكل سمعة و فضيلة، أو سبة وشتيمة.

والانتحار الثالث، هو الانتحار الاعتزالي، عندما تعجز عن إثبات ذاتك وتكون رقما في المجتمع، تلجأ الى تغطية عجزك بالهروب من مواجهة الواقع والمجتمع عن طريق اعتزاله، ليس قناعة وارادة، وإنما تريد ان تحافظ على بريق سمعتك حتى لا تنكشف عورة قدرتك على مجابهة الواقع ومخالطة الناس. فلا سمعوا منك رفعا ولا خفضا، فأصبحت مرهوب الجانب بعدم ملاقاة الأجانب.

ولكن! سيد الخلق يقول: الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ".

فاذا كانت عزلتك لتستزيد علما وعبادة لتستأنف التغيير فنعم الاعتزال، كما قال سيدنا ابن عطاء الله السكندري في حكمه (ما نفع القلب مثل عزلة يدخل بها ميدان فكرة).

فنحن ننتظر في الفكرة بعد الذكرى، من غير سمعة ولا شهرة.

أما بقاؤك ساكتا تعمل قاعدة، لا ينسب لساكت قول. وتخشى النطق فتفتضح، فاعلم أن السكوت في معرض البيان بيان، وليس في كل مرة تسلم الجرة.

رابعا: معرفة الشخصيات الكبار.

هناك من يفقد شخصيته، ويهين نفسه، لأنه يرى أنه آقل مما هو فيه، فهو لا يرى نفسه رقما صحيحا يمكن أن يؤثر في معادلة الحساب حتى ولو كان صفرا، ولكن بشرط أن يكون على اليمين لانه كلما كثرت أصفاره زادت قيمته، ولكن لو كان صفرا على الشمال وأضيفت له أصفار إلى ما لا نهاية فلن تحدث تغييرا إلا من جهة معرفة ضعف عقلك وقلة حيلتك.

جاءت امرأة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو اليه محاولة إجبار ابيها على الزواج من ابن عمها، فرفضت، وقالت له يا رسول الله إنه يريد أن يرفع بي خسيسة إبن أخيه...

وهذا ما نلاحظه اليوم في واقع اللقاءات والتجمعات و المناسبات، وهذا:

إما بالتقاط الصور معهم. هكذا هو حال البعض يريد أن يرفع من خسيسته وانحطاطه اما بأخذ صورة تذكارية مع بعض المسؤولين يضعها على شاشة هاتفه أو يعلقها في مكتبه، أو في بيته.

وإما أن يتبجح بارقامهم الهاتفية. ذات الأرقام المختصرة والخفية، ويقول لك عند رقم فلان وعلان، واني أصبح عليهم صباح مساء، من غير داع...واطلب السماح.

والغرض هو اسمعني يا من تراني أني اعرف الكبير والكبراء، وإن لم تعرف قدري فإن رنة هاتف واحدة تجد نفسك في اخبار داحس والغبراء.

فيا رب والله إن من هؤلاء براء.

خامسا: صناعة الولائم بالبهائم.

جاء في صحيح البخاري في كتاب الإيمان، أنه من علامات الإيمان إطعام الطعام.

نعم هو من علامات الإيمان، ومن خصلة العرب الكرام، ومفخرة الرجال العظام، ولكن! بشرط أن يكون خالصا لله، كما جاء في الأثر: إن شر الولائم التي يدعى لها الأغنياء ويترك لها الفقراء.

فتجد أحدهم لا يفرق بين كوع وبوع، ولم يدخل المدرسة في حياته قط، ولكن تجده يسوق بماله الذي ورثه أو نهبه كبار الشخصيات، وكبار الأعيان، بل وخيرة أهل العلم.

لسان حاله من قال لكم انا جاهل؟ من قال لكم اني لا أحكم؟ من قال لكم أني لا او أثر.

فإن بالمشاوي والرشاوي كل شيئ يمشي حتى السيارة في الماء والسفينة في الصحراء، والفيل يطير في السماء.

فيا رب اخفض لنا الجناح، ورفع قدرنا قبل أن نباع في سوق الجياع.

الخلاصة:

1_رحم الله امرء عرف قدر نفسه فوقف دونه. إعرف قدرك، وقف دونه، الزم الحد، فمن تعدى الحد إستوجب الحد.

2_ أقم حيث أقامك الله، واترك نفسك من التدبير فما قام به غيرك لا تقم به لنفسك". كما قال سيدنا ابن عطاء الله السكندري.

3_ لا تتكلف المفقود ولا ترد الموجود.

4_ مد رجليك على قدر غطائك.

5_ على قدر الاستعداد يكون الإمداد.

6_ لا ترفع شخصا فوق قدره، فتندم. احترم غيرك ولا تحتقر نفسك.

7_ إذا جاءتك خدمة من غير إشراف نفس فلا تردها، ودعك من الورع الزائد فانه زائف.

8_ عود نفسك على ما تطيق وإن قل، فإن السر في الدوام. (خير الأمور أدومها وإن قل).

9_ لا تعد شخصا الا بقدر إمكانية الوفاء، فإنه لا يكلف الله نفسا إلا وسعها.

10_ لا تنتظر الشكر من أحد، وإلا سوف تنكسر في أول معروف.

وأخيرا: كن أنت!

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين