فرح بموت فاسق لا شماتة بموته

الحمد لله..

فإن الفرحَ بموت فاسق أو طاغية، ناصب العداءَ لله ورسوله وشرعه وأوليائه، من عمل السلف، وليس هو من الشماتة في شيء، ولهذا نفوض أمره لله ونكله إلى ما أفضى به إلى ربه من عمل، دون لعن أو دعاء عليه، وهذا لا ينافي الفرح بحمد الله لهلاكه، وقد مات الحجاجُ فبكى إبراهيم من شدة الفرح لموته كما رواه ابن سعد.

وقال الإمام المقرئ أبو عمرو بن العلاء: كنت أقرأ (إلا من اغترف غَرْفة) بالفتح، وبلغ الحجاجَ وكان يقرأُ بالضم، فطلبني فهربتُ إلى وادٍ بصنعاء فأقمتُ زمانا، فسمعتُ أعرابيا يقول لآخر: قد مات الحجاج فقال الأعرابي:

ربما تجزع النفوسُ من الأمـــ...ــــر له فَرْجةٌ كحَلِّ العِقَال

فلم أدْرِ بأي شيءٍ كنتُ أشدَّ فرحا، أبـموت الحجاج، أم بسماع البيت أستشهدُ به على القراءة.

وحكى الحافظ ابن كثير في (تاريخه) أن أبا القاسم عبيد الله بن عبد الله الخفاف وكان من أئمة السنة، فرح لما مات ابنُ المعلِّم الرافضي، وسجد شكراً وجلس للتهنئة.

وفرح عليٌّ عليه السلام بقتال الخوارج وبشارة النبي عليه الصلاة والسلام له بقتالهم وإراحة الناس من شرهم، وهم فساق، بل كان سعد رضي الله عنه يسميهم الفاسقين ويتأول فيهم قوله تعالى: (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنـهم يحسنون صنعا) الآية.

وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في جنازة ماتت: (مُستريحٌ ومُستراحٌ منه) قالوا: يا رسول الله ما المستريح والمستراح منه؟ فقال: (العبدُ المؤمنُ يستريح من نصب الدنيا، والعبدُ الفاجرُ يستريح منه العبادُ والبلادُ والشجرُ والدوابُّ) وهذا ظاهر جداً فيما تقدم تقريره، فإن الراحة تدعو للفرح، ومن لوازم الاستراحة بموته الفرحُ له، وإلا لم يكن في الإخبار بذلك فائدة أو بشرى.

وإنما المنهي عنه سبُّ الأموات، وهذا لا ينافي الفرح بموت الفاسق منهم، على أن العلماء كالعيني وغيره، ذكروا استثناء غلاة أهل الفسق والجور والبدعة، من الدعاة المجاهرين بفسقهم وجورهم وبدعتهم، من عموم هذا النهي عن السب، لمصلحة التنفير عن مقالاتـهم وأفعالهم، وهي مصلحة عامة تقدم على خصوص مفسدة السب.

وقد فرح أهل السنة ببغداد، خاصتهم وعامتهم، بموت الحسن بن ضافي الرافضي الذي تحكَّم بـهم بجوره وظلمه، وأخرج عبد الرزاق عن طاووس أنه تلا عند موت الحجاج: (فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين) وكان الحسن البصري يدعو عليه بالموت لتموت سُنَّتُهُ، فلما مات فرح وسجد، وفرح الإمام أحمد بموت المأمون وكان قد دعا عليه في الثلث الأخير من الليل، وفرح أهل السنة بموت بشر المريسي وغيلان القدري وغيرهم من غلاة أهل البدع، وفرح أهل مصر بـهلاك الولاة العبيديين أدعياء الفاطمية، وغير ذلك، ولم ينكره أهل العلم بل شاركوهم الفرح.

فالتحقيق جواز الفرح والحمد والسجود للشكر بموت غلاة الفساق وأهل الجور والبدع المحامين عن فسقهم وبدعتهم الداعين لها المعاندين لله وشرعه، كالتي تدعى نوال السعداوي ونحوها، وتفويض أمرهم لله دون لعن لهم أو ترحم عليهم، وأما من ليس كذلك في العناد والإصرار على باطله والدعوة إليه فلا يسوغ في حقهم إلا الرحمة والمغفرة، ولهذا لم يصدر من أهل الإسلام في آحاد الفنانين غير الرحمة والمغفرة، مع أن فيهم نوع فسق ظاهر، لأنـهم ليسوا من أهل العناد في الفسق والمحادة لله وشرعه، وفرق ظاهر بين الأمرين، وهو من معاني قوله تعالى (أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون).

فالواجب الثبات على الحق الذي هو شرع الله بالبراءة من غلاة المعاندين المحادين لله وشرعه، بلا مجاملة أو تصنُّع لإظهار الوسطية وتكلُّف الورع السمج البارد، مداراة للعلمانيين والمتغربنين والمتفرنجين، فلن يرضى عنك هؤلاء حتى تنخلع من دينك وقيمك، فلا يكون الفرنسيس الكفار المتمسكون بما يسمونه "قيم الجمهورية" وهي كفر وفسق في غالبها، أشد منك في التمسك بما عليه دينك الحق الصريح، من القيم الجامعة بين السماحة والعدل والخير.

والحمد لله رب العالمين وصلواته وسلامه على سيدنا محمد وآله وأصحابه.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين