وأنذرهم يوم الحسرة

الشيخ : أحمد النعسان

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الخطبة:
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد فيا عباد الله:
يقول الله تعالى في كتابه العظيم: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُون}.
أيها الإخوة المؤمنون: لقد ذكرت لكم في الأسبوع الماضي بأنه يجب على دعاة الضلالة والفسق والفجور, وأهل الفساد والإفساد, والضلال والإضلال, أن يعتبروا من فرعون الذي عاث في الأرض فساداً, وعندما أدركه الغرق قال: {آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِين}. فكان الجواب له: {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِين}.
أيها الإخوة الكرام: والله الذي لا إله غيره لو أنَّ دُعاة الضلالة والفساد في رؤوسهم ذرةٌ من عقل لكانوا من دعاة الهدى والصلاح, ولكن لا بدَّ من أن يتحقَّق قول الله عز وجل: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِير * فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِير}.
ما حقُّ الأمة على رسولها صلى الله عليه وعلى آله وصحبه سلم؟
يا عباد الله: إن حقَّ الأمة ـ بشقَّيها أمة الدعوة وأمة الاستجابة ـ على رسولها صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أن ينصحها وأن يبشِّرها وأن ينذرها وأن يعلِّمها, لأن هذا ينفع الأمة ما دامت في دار الدنيا, دار العمل, وما دامت الشمس لم تطلع من مغربها, وما دامت الروح لم تقع في الغرغرة.
ولقد جاء الأمر من الله تعالى صراحةً لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بذلك, وخاصة في الإنذار, فقال تبارك وتعالى: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ}.
والمقصود بيوم الحسرة هو يوم الدين, يوم الجزاء, يوم القيامة, لأن الحسرة الحقيقية في ذاك اليوم لا في الدنيا, في عالم الدنيا لا توجد حسرة ما دامت الشمس لم تطلع من مغربها, وما دام العبد ما وقع في سياق الموت, لأن الله تبارك وتعالى ينادي على عباده بقوله: {وَتُوبُوا إِلَى الله جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون}. وهو تبارك وتعالى يبسط يده في النهار ليتوب مسيء الليل, كما جاء في الحديث الشريف الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه, عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ, وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ, حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا).
فلا حسرة في الدنيا ما دُمتَ على قيد الحياة ـ مهما كانت ذنوبك ـ إذا تبت إلى الله تعالى, قال تعالى: {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ الله إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ الله غَفُورًا رَّحِيمًا}.
إذاً الحسرة الحقيقية هي في الآخرة, حيث الجزاء على الأعمال, الحسرة يوم الدين, لأنه في ذلك اليوم ينقطع العمل وتُطوى الصحف, ويُفصل بين أهل الجنة والنار, ويُقال: {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُون}. في ذلك اليوم تنقطع الآمال, وينسد باب الخلاص من الأهوال, حيث لا شفاعة لأحد إلا بإذن الله تعالى, ولا ينفع في ذلك اليوم إيمان, ولا ينفع اعتراف وإقرار, النتيجة في ذلك اليوم من خلال ما قدَّمت في هذا اليوم.
يا عباد الله: لقد جاء الأمر من الله تعالى لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بقوله: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُون}. فأنذر النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم امتثالاً لأمر الله تعالى القائل: له: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ}. أنذر النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم الأمةَ بشقيها, أمة الدعوة وأمة الاستجابة, فهل يا ترى يكون لنا الشرف في أن نبلِّغ عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم هذه الآية, وخاصة بعد أن قال: (بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً) روه البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه. فهل نبلِّغهذه الآية للناس؟
أيها الإخوة الكرام: بلِّغوا هذه الآية الكريمة للإخوة الذين تجالسوهم, بلِّغوها لمن سلك طريق الفساد والضلال والانحراف, بلَّغوها لمن سوَّلت له نفسه محاربة الإسلام والمسلمين, بلِّغوها لمن أساء لسلف هذه الأمة من أصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم, ومن أهل بيته الكرام رضوان الله عليهم جميعاً.
{إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ}:
يا عباد الله: لقد أمر الله تعالى سيدنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه سلم بقوله: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ}. ومعنى قُضِيَ الأمر: يعني إذا دخل أهل الجنةِ الجنةَ, ودخل أهل النارِ النارَ, وقف الشيطان خطيباً في أتباعه من شياطين الإنس والجن, ولعلَّ كلَّ فاسقٍ فاجرٍ داعٍ للضلالة وناشر للفساد, أن يسمع الآن خطبة الشيطان في أتباعه قبل أن يسمعها لا قدَّر الله تعالى حقيقةً من الشيطان يوم الحسرة وهو في نار جهنم, قال تعالى مخبراً عن قول الشيطان لأتباعه يوم الحسرة وهو في نار جهنم: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم}. ليُصدِّق دعاة الضلالة هذا الأمر أو ليُكذِّبوه, فالحمد لله تعالى نحن على بصيرة من أمرنا, ونسال الله تعالى أن يجعلنا ممن يدعو إلى الهدى.
في يوم الحسرة وبعد أن يُقضى الأمر سيتبرَّأ أهلُ الضلالة والفسق والفجور من أتباعهم, وسيتحسَّر الأتباع في يوم الحسرة, قال تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَاب * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ الله أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّار}.
قولوا لهؤلاء: ستندمون وربِّ الكعبة إذا لم تتوبوا إلى الله تعالى في هذه الحياة الدنيا, وإن الغدَ لناظره قريب.
كيف أنذر النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم الأمة؟
أيها الإخوة الكرام: عندما نزل قوله تعالى: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُون}. وقف النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ليقول للأمة جميعاً كما جاء في صحيح مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يُجَاءُ بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ كَبْشٌ أَمْلَحُ, فَيُوقَفُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ).
لا تستغربوا هذا الأمر, ولا يقولنَّ قائل: الموتُ غير محسوس كيف يصبح على صورة كبش؟ لا يقولنَّ أحدٌ هذا القول ما دام يعتقد قول الله تعالى: {وَمَا كَانَ الله لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا}. فالله على كل شيء قدير.
(يُجَاءُ بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ كَبْشٌ أَمْلَحُ, فَيُوقَفُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ, فَيُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ: نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ, قَالَ: وَيُقَالُ: يَا أَهْلَ النَّارِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قَالَ: فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ: نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ).
تصوَّروا يا عباد الله هذا الموقف الرهيب, أهلُ الجنة ألقى الله تعالى في قلوبهم معرفة هذا الكبش على أنه الموت, وألقى الله ذلك في قلوب أهل النار كذلك, أهلُ الجنة يتنعَّمون في جنة فيها ما لا عين رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر, وأهل النار يُعذَّبون عذاباً لا يعلمه إلا الله تعالى, الكلُّ ينظر إلى الموت ماذا يعني؟
هل سيموت أهل الجنة وينقطع عنهم النعيم؟ هل سيموت أهل النار ويخلصون من عذاب الجحيم؟ أهل النار يقولون لخازن النار: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُون}. إنه لموقف رهيب, الكلُّ ينظر إلى الموت, ماذا يؤمر بهم, أم ماذا يؤمر بالموت؟ أهل الإيمان على بصيرةٍ من أمرهم ولله الحمد, يقول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُذْبَحُ).
بعد أن يُذبح الموت بين الجنة والنار, يعني يموت الموت الذي خلقه الله تعالى,لأن الموت مخلوق كما قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ}. بعد موت الموت, يقول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلا مَوْتَ, وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلا مَوْتَ, قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ}. وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الدُّنْيَا).
عبادَ الله: عندما يُذبح الموت وينادى على أهل الجنة وأهل النار: خلودٌ فلا موت, يقول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (فَيَزْدَادُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَرَحًا إِلَى فَرَحِهِمْ, وَيَزْدَادُ أَهْلُ النَّارِ حُزْنًا إِلَى حُزْنِهِمْ) رواه الإمام مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
هذا هو يوم الحسرة, وقد أنذر النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ونحن على ذلك من الشاهدين, ونحن نُبلِّغ هذا عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم, اللهم اشهد أنَّا قد بلَّغنا عن حبيبنا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أيها الإخوة الكرام: ليُصنِّف كل واحد منا نفسه, هو من أيِّ الفريقين؟ فمن كان من دُعاة الهدى والصلاح والإصلاح فهو إن شاء الله تعالى من أهل الجنة, وأما إذا كان العبد من دعاة الضلال والفساد فهو من أهل النار إن لم يتب إلى الله تعالى, وصدق الله القائل: {بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَة}.
وصدق الله القائل: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين}.
فيا عباد الله كونوا من دعاة الصلاح, من دعاة الحق, من دعاة الإسلام, ولا تكونوا من دعاة الضلالة والفساد, لأن دعاة الضلالة والفساد خاسرون وربِّ الكعبة, متحسِّرون وربِّ الكعبة, نادمون وربِّ الكعبة عاجلاً أم آجلاً.
الكلُّ سيندم وسيتحسَّر:
أيها الإخوة الكرام: يوم القيامة الكلُّ سيندم ويتحسر, ولكن شتَّان ما بين نادم ونادم, وما بين متحسِّر ومتحسِّر, روى الإمام الترمذي في سننه عن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُوتُ إِلا نَدِمَ, قَالُوا: وَمَا نَدَامَتُهُ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: إِنْ كَانَ مُحْسِنًا نَدِمَ أَنْ لا يَكُونَ ازْدَادَ, وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا نَدِمَ أَنْ لا يَكُونَ نَزَعَ).
ويقول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (لَيْسَ يَتَحَسَّرُ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلا عَلَى سَاعَةٍ مَرَّتْ بِهِمْ لَمْ يَذْكُرُوا الله فِيهَا) رواه الطبراني عن معاذ بن جبل رضي الله عنه.
أهل الجنة يندمون ويتحسَّرون لو أنهم زادوا في الطاعات والقربات, ولذلك رغَّبنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بقوله: (اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك) رواه الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنه.
وأهل النار يندمون ويتحسَّرون لو أنهم نزعوا وتابوا إلى الله تعالى, ولكن فات الأوان, فهل يستوي أصحاب الجنة وأصحاب النار؟ قطعاً كما قال تعالى: {لاَ يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُون}. اللهم اجعلنا منهم.
كن ممن يزداد شكراً يوم القيامة:
يا عباد الله: ما زال الأمل موجوداً وباب التوبة مفتوحاً, وفرصة التنافس في فعل الطاعات متاحة, فلتكن ممن يزداد شكراً يوم القيامة, ولا تكن ممن يزاد حسرة والعياذ بالله تعالى.
روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لا يَدْخُلُ أَحَدٌ النَّارَ إِلا أُرِيَ مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ لَوْ أَحْسَنَ لِيَكُونَ عَلَيْهِ حَسْرَةً, وَلا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ إِلا أُرِيَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ لَوْ أَسَاءَ لِيَزْدَادَ شُكْرًا). اللهم اجعلنا من أهل الجنة لنزداد شكراً.
إلهي لستُ للفردوس أهلاً   ***   ولا أقوى على نار الجحيم
فهب لي توبةً واغفر ذنوبي   *** فإنك غافر الذنب العظيم
خاتمة نسأل الله تعالى حسنها:
أيها الإخوة الكرام: إن أعظم الحسرات هي حسراتُ يوم القيامة, فليت العقول تعي هذه الحقيقة, وتعمل لها وهي ما تزال في سَعَة الدنيا.
فيا أهل الطاعات! استغلوا أنفاس أعماركم بالقرب من الله تعالى, كونوا من أهل القرآن تلاوةً وعملاً وتعلُّماً وتعليماً, كونوا آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر, كونوا من عباد الله الصالحين المصلحين وتنافسوا في ذلك.
ويا أهل الضلالة يا أهل الفسق والفجور, يا أهل الفساد! تعالوا وبادروا بالتوبة لله عز وجل فباب التوبة مفتوح, يا من يريد الفساد للأمة, يا من يريد تمزيق الأمة بالفتن وإشعال نار الشهوات والعداوات, يا من يحارب الإسلام والمسلمين! بادر بالتوبة قبل يوم الحسرة, حيث ستندم ولا ينفعك الندم, وتذكَّر قول الله تعالى: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُون}. ولكن هيهات هيهات. اللهم لا تجعلنا من النادمين المتحسَّرين يا أرحم الراحمين.
أقول هذا القول, وكلُّ منا يستغفر الله, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين