القول الموجز المبين فيما اختصره رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمور الدين

الحمد لله العليم الحكيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ينبوع العلم ورافع مناره وعلى آله وصحبه الذين اقتبسوه منه اختصار النصيحة الجامعة، وعلينا معهم ورزقنا حبهم.

وبعد... فإن العلم نور مستبين والجهل عَمْيٌ وضلال مبين، وأن أعمى العمى الضلالة بعد الهدى، وإنه كان يدور في خلدي أن أكتب صحيفة أذكِّر بها أهل القرى واحذِّرهم فيها من عقود نكاح الشغار، وما يترتب عليها من المفاسد. وذلك لما أراجع فيه من مشاكله المحرجة الناشئة من المخالفة لهدي النبي الأعظم r، نور الهداية الحكيمة، ثم ذكرت أن هناك أمورا أعظم خطراً من ذلك. وهو جهل القرى بمهمات الدين، لذا عزمت بعد توكلي على الله سبحانه وتفويضي إليه على ذكر ما أوجزه لنا الحبيب الأعظم من جميل النصح وإجمال أمور الدين، وفساد العقود النكاحية التي يكون في غايتها ويلات على أربابها، ومثلها على الذين يرضون بهذا ويباشرون بذلك من أئمة جهلاء وخطباء متآكلين وأولياء غرّ جاهلين لا يلحظون إلا توهمهم منفعة خاصة يتخيلونها تعود عليهم بخسارات وفتن، وشهود مهمتهم أكل الحلاوي من غير روية ولا نظر في عواقب الأمور.

ولهذا وذاك أبين لإخواننا من أهل القرى على ذاك الوجه المختصر ما بيّنه سيدنا محمد r لأمته بقوله الموجز الفصل: (الدين النصيحة قلنا لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)(1).

النصيحة لله:

فالنصيحة لله سبحانه أن ننصح أنفسنا ومن استرعانا سبحانه من ولد وزوج وغيرهما من رعية أمام حقوقه سبحانه من الإكثار من ذكره أكثر من كل مذكور، وأن نحبه أكثر من كل محبوب، محبة تجعلنا نطيعه حق طاعته، لأن المرء لمن يحب مطيع، ولأن وجودنا ووجود الخلق كلهم بإيجاده، ومظهر وجوده وجوده.

النصيحة لكتاب الله:

والنصيحة لكتابه سبحانه أن نكثر تلاوته وأن نحفظه إن تسنى لنا ذلك. وهو أحرى بنا نصحاً لأنفسنا أمام حق حرمة هذا الكتاب العظيم.

وأن ننصح أولادنا وأزواجنا ومن تحت رعايتنا بذلك وأن نحب اللغة العربية حيث أنها لغته وفوق كل لغة. وأن نحكم أحكامه وشرعته، وأن نعتقد أن ذلك هو الحكم الرباني الذي يجب أن يتبع دون غيره من قوانين الخلق أجمع.

النصيحة لرسوله:

والنصيحة لرسوله صلى الله عليه وسلم أن نحبه عليه الصلاة والسلام وأن نحببه لأولادنا وعيالنا ومن استرعانا ربنا من رعيته فوق محبة الآباء والأمهات والرؤساء والخلق أجمعين حتى أنفسنا التي بين جنبينا، وأن نتبع سنته وهديه وسيرته خطوة فخطوة، وأن نقتدي بأحبابه الصادقين المتبعين لجنابه الأعظم صلى الله عليه وسلم وأن نكثر من الصلوات والتسليمات عليه خصوصاً في الأوقات التي سنَّها لذلك، وأن نمرن أولادنا ورعايانا على ذلك.

النصيحة لأئمة المسلمين:

والنصيحة لأئمة المسلمين، وهم العلماء العاملون والأمراء والعادلون أن نكون أزرهم وعوناً لهم في سائر الشؤون بعد ثبوت ما سلف من تلك النعوت العاملة والحالة الكاملة.

النصيحة لعامة المسلمين:

والنصيحة لعامة المسلمين أن تحب لأخيك المسلم ما تحب لنفسك وأن تكره له ما تكره لنفسك، وان تذر موالاة أعداء الله تعالى ولا تؤثرها على موالاة أخيك المسلم لأن أخاك أخاك وإن جفاك، وإنَّ عدوك عدوك وإن والاك، فكيف بعدو ربك ونبيك وقرآنك وسيبرك كله.

فإن أظهر لك أنه يحب شيئاً من ذلك فهو محض كذب ونفاق يضمه إلى كفره وعدائه الصميم:

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ} [الممتحنة:1] ومن حق أخيك المسلم أن تسعى بما يمكنك من مسعى وراء مايو صل له حاجة أو منفعة، ولو بنيتك الصادقة التي يعلمها الله سبحانه وتعالى من قلبك إن عجزت عن معونته بيدك أو بلسانك أو بخطواتك أو بقلمك والله الموفق لا رب غيره ولا خير إلا خيره، وهو ولي التوفيق وبيده أزمة التحقيق وهو حسبنا ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير.

حديث جبريل:

وأذكِّر نفسي وإخواني أيضا بحديث جبريل عليه السلام الشهير الذي يرويه لنا سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو أنه أتاهم بصورة رجل سائل مستعلم ومصدق، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أمور وجبريل يصدِّق، فعند تعجبهم من حاله لأن السائل المستعلم ينافي حاله حال المصدق، فعندها بيَّن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جبريل وأنه أتاهم يعلِّمهم أمر دينهم، فكان سؤاله عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة.

وكان بتلك الكيفية التي هي بصورة سؤال وجواب التي هي من أعظم رمز للآداب التي هي روح الدين، فكان جوابه عن الإسلام أنه الشهادتان وإقامة الصلوات الخمس وأداء الزكاة وصوم رمضان والحج على من استطاع إليه سبيلاً. فهي دعائم الإسلام وقواعده العملية التي من استقام عليها، وتمرَّن لديها بإخلاص وصدق فتحت له كل عمل برّ وتقوى، وأنَّ الإيمان الذي هو التصديق الجازم بالجنان أي بالقلب(2) يتعلق بستة أركان وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره من الله تعالى، فمن شكَّ أو ارتاب بركن منها كان ذلك كفراً.

الإيمان بالله عز وجل:

فالإيمان بالله عز وجل التصديق بوجوده سبحانه وقدمه وبقائه ومخالفته لأوصاف خلقه، وقيامه تعالى بنفسه، والوحدانية، وباقي صفاته العشرين الشهيرة وهي: القدرة، والإرادة والعلم والحياة والسمع والبصر والكلام، وكونه سبحانه قادراً ومريداً وعالماً وحياً وسميعاً وبصيراً ومتكلماً.

ويلزم من وجود اعتقاد هذه الصفات العشرين اعتقاد استحالة أضدادها عليه سبحانه. والجائز في حقه سبحانه صفة واحدة وهي: فعل كل ممكن تركه.

وإن كل الكمالات له سبحانه هي أوصافه سبحانه، والنقص مستحيل عليه.

الإيمان بالملائكة:

والإيمان بالملائكة... التصديق بوجودهم، وهم عباد الله الذين {لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون} [التحريم:6] وأنهم نورانيون عقل بلا شهوة لذا يروننا ولا نراهم كالجن، إلا أن الجن عنصرهم من مارج من نار، وهو لهبها الصافي.

وأن الملائكة طوائف مسخّرون بأمره سبحانه منهم جعلهم لأنواع العبادات، منهم المسبح ومنهم الحامد ليس إلا. وهذا كل فريق مختص بنوع من أنواع الطاعة والذكر. ومنهم طوائف سخرهم لأعمال العباد ومنافعهم كسوق السحب، ونزول الأمطار، وتربية الزرع وحفظه، كل طائفة لنوع من ذلك.

ومن هنا ورد عنه صلى الله عليه وسلم قوله: (أكرموا الخبز فإنه ما وضع رغيف أمام أحدكم حتى فرغ منه ثلاثمائة وستون صانعاً أولهم ميكائيل وآخرهم الخباز)(3).

وجعل المولى سبحانه لهم قوة من قوته، حتى أن الواحد منهم أن يقتلع الجبال لفعل، أو يقلب مدناً على أهلها لأمكنه ذلك، وأنهم لا يوصفون بذكورة ولا أنوثة، غذاؤهم وقوتهم وإنعاشهم ذكر الله تعالى وتسبيحه وتصديقه {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُون}[الأنبياء:20].

الإيمان بالكتب:

والإيمان بالكتب أن نؤمن بأن الله سبحانه أنزل كتباً على رسله وهي كلامه القديم، أنزله بلغة الأنبياء الذين أنزلت عليهم الكتب بلغة أقوامهم ولسانهم ليبلغونهم شرائع ربهم وأحكامه وحكمه، وما ينفعهم في عاجلهم وآجلهم ودنياهم وآخرتهم. وهي الكتب الأربعة الكبيرة.

التوراة على سيدنا موسى عليه السلام، والزبور على سيدنا داود عليه السلام، والإنجيل على سيدنا عيسى عليه السلام، والقرآن على سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وعليهم وعلى آلهم وأصحابهم أجمعين، ومائة صحيفة قبلها، وهي ستون على سيدنا شيث عليه السلام، وثلاثون على سيدنا إبراهيم عليه السلام وعشرة على سيدنا موسى عليه السلام قبل التوراة.

الإيمان بالرسل:

والإيمان برسله سبحانه وتعالى: بأن تصدق بأن لله تعالى رسلاً من البشر أوحى إليهم بشرع ليعمل أحدهم به ويبلغه أمته وهو إنسان بشر ولكن الله عزَّ وجلَّ وفقه توفيقاً خاصاً لأن يكون في مزيد من قرب من الرحمن سبحانه، معصوم بعصمة الله عن الكبائر من الذنوب وصغائرها

مصطفى مجتبى باجتباء الله سبحانه، فهؤلاء الرسل أرسلهم الحق للخلق رحمة. فمن أراد الله به السعادة أجابهم، ومن أريد به غير ذلك تخلف عن دعوتهم، أولهم آدم عليه السلام، وآخرهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وختمت به الرسالة.

ويوجد أنبياء غير مرسلين، والنبي من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه للخلق بل ليعمل به فقط وعدد الجميع مائة ألف نبي وأربع وعشرون ألف نبي، منهم ثلاثمائة وبضعة عشر رسولاً، عد أهل بدر، والرسول نبي مرسل، فكل رسول نبي ولا عكس.

وبعده أصحابه الكرام وآل بيته العظام خلفاؤه، ومن بعدهم أتباعهم بإحسان. جعلنا الله من أتباعه بمنه وفضله العظيم آمنين.

الإيمان باليوم الآخر:

وأما الإيمان باليوم الآخر فهو التصديق الجازم بأن الله عزَّ وجلَّ بعد انقراض الدنيا يعيدنا ويبعثنا في يوم آخر غير يومنا هذا، وهو يوم المعاد يوم الحشر والنشور، الذي ترجمه القرآن الكريم، وفصّلت السنة المباركة كذلك شؤوننا من شأنه، وقرن رسول الله صلى الله عليه وسلم في كثير من أحاديثه الشريفة الإيمان به إيمان بالله تعالى فقال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليعمل كذا).

الإيمان بالقضاء والقدر:

وأما الإيمان بالقضاء والقدر فهو أن تصدق بأنَّ الله عزَّ وجلّ قضى قضاءه بالأزل بما هو كائن في الأبد، وقدر ذلك كله تقديراً حكيماً، وأنفذ كلاً في وقته وأوانه، فلا تقديم ولا تأخير ولا تغيير ولا تبديل، ولذا قالوا: (الأزل مرآة الأبد، والأبد حكاية الأزل) اللهم لطفاً بما قضيت وقدرت يا كريم ويا لطيف ويا عليم ويا قدير.

فالإيمان بهذه الأركان الستة محتم على كل مكلف بلا ريب ولا تردد إيمانا جازماً، وتصديقاً تاماً، اللهم إنا نسألك التوفيق لكمال الإيمان بمنك يا رحمن.

الإحسان:

وأما الإحسان فهو مراقبة الله سبحانه كأنك تراه. وهذا ثمرة الإيمان بما سلف. وثمرة العمل بمقتضى ما ذكر. وهذه المراقبة وتلك الملاحظة هي من أخص ما عليه القوم من أهل الإيمان الصادق وذوي الإيقان.

والاستقامة على المراقبة والحياء منه سبحانه كما ورد: (استحي من الله استحياؤك من رجلين من صالحي عشيرتك)(4). ينتج ثمرة كريمة وهي الأخلاق الفاضلة في الدين.

وهي روح الدين وخبرة العقل، لذا ورد: (ثلاث من لم يكن فيه واحدة منهن كان الكلب خيراً منه: ورع يحجزه عن محارم الله تعالى، وحسن الخلق يعايش به الناس، وحلم يردّ به جهل الجاهل) (5).

علم الساعة:

وأما الساعة فلم يجب عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدنا جبريل الأمين عليه السلام بل بقيت على التجهيل، وفي الديان القديمة كذلك.

كما قال ربنا لموسى عليه السلام فيما قصَّه علينا من قصته: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} [طه:15] فإخفاءها حكمة عظيمة من لدن حكيم خبير. والساعة صغرى وكبرى: فالصغرى نهاية أجل كل منَّا لذا قالوا: (إذا مات المرء قامت قيامته) والكبرى هي نهاية يوم الدنيا بأسرها وذلك عند النفخة الأولى، فجهل رسول الله تعيينها في الجواب لجبريل الأمين عليهما أفضل الصلاة وأتم التسليم بقوله:(ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، ولكن أنبئك عن إماراتها، وهي علائمها)، فذكر له علامتين من العلائم الصغرى لها وهي كثيرة، وهاتان العلامتان من أخصَّها وأكثرها فتنة.

أولاهما.. ترك البر من الأبناء للآباء، والبنات للأمهات، وكثرة العقوق وتفشيه، حتى ترى البنت أنها سيدة أمها، والولد يرى كذلك أنه سيد أبيه.)

وثانيهما.. الافتخار في البناء والتطاول فيه حتى من الطبقات التي لم تكن تألفه، كأهل الأخبية وبيوت الشعر، وعدا هاتين العلامتين علامات كثيرة ظهر أكثرها.

هذا ما كان من رسالة جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على طريقة السؤال والجواب التي هي من أسمى الآداب، وما طوى من وراء ذلك من تعليم الأمة أمور دينها.

إذا فكر المفكِّرون في هذه الأمور الأربعة من قواعد الإسلام وأركان الإيمان وحسن آداب الإحسان مع حسن الاستقامة والعلم والأدب والأخلاق. وعدم البحث عن الساعة مع الاشتغال بما ينفعنا بعدها فرقاً وخشية من بغتتها رجعوا إلى ما ذكر الفقهاء من آداب وشرائط تلك القواعد الإسلامية وما ذكره علماء العقائد عن تلك الأركان الإيمانية، وما ذكره أهل الإحسان والأخلاق العالية من مراقبة ربّ البرية، وما كان من الحكمة العالية في السكوت عن تعيين الساعة، والمرجع في هذا كله هم العلماء العاملون والفقهاء المخلصون أهل المعرفة الورعون مع تدبر أشراط الساعة.

فإذا كان كذلك كان التحقق بالدين وأموره، ثم أرجع إلى ما كان السبب في هذه الكلمة المذكرة لي ولإخواني الموفقين، زادني الله وإياهم ثباتاً وتوفيقاً، وهو ما أسلفته في المقدمة من مشاكل عقد الشغار، فقد ورد في النهي عنه والتحذير منه ما تكررت الروايات في السنة في هذا الباب مما جعل أكثر المجتهدين ينصّون على حرمة هذا العقد، بل على بطلانه من أصله، فمن الأحاديث قوله صلى الله ليه وسلم: (لا شِغار في الإسلام)(6) وهو بكسر الشين: (العقد الخالي من المهر) ويسمى في القرى بالمقايضة بنتاً ببنت بلا تسمية مهر.

هذه حقيقته، وربما ذكروا لكل عقداً ومهراً مستقلاً، فحيث أنهما في مقاولة واحدة فهو توسل إلى العقد المنهي عنه.

وحيث إني المرجع في مشاكل القرى أتاني كثير من أهل تلك القضايا المحرجة المشبعة من جرّاء ذلك العقد. ومن جهة أن أهل القرى لا يفهمون من هذا العقد إلا ذاك النكاح المنهي عنه، بحيث لو طلقت واحدة منهما يطالب ولي الأخرى بفسخ عقد موليته وطلاقها، ومن جهة ثانية لا يرى كل واحد منهما أن المهر الذي ذكر لزوجته يتعين عليه دفعه، وانه عقداً مستقلاً على زوجته بمهر مستقل، بل يسيرون على عوائد جاهلية قديمة بحيث يشتري لها بعض أمتعة، وربما دفع لها بعض وريقات، كما لأن الآخر يشتري لزوجته كذلك، ويدفع لها مثل رفيقتها.

والمهور إنما ذكرت احتيالاً وتوسلاً غير مؤداة، فلذا عند شقاق إحدى الزوجتين تقع المصيبة على رأس الثانية بلا ذنب.

وكثيراً ما كانت الحياة الزوجية على أتمها بينهما فيكره زوج الثانية على الفراق، وهناك من الضرر والأذى مالا يخفى.

فاتقوا الله عباد الله فيما حدد لكم نبيكم صلى الله عليه وسلم، وتباعدوا عن كل منهي وحذركم منه ولو شبهة ذلك، واجعلوا لكل بنت مهراً مستقلاً حقيقياً تؤدونه لها، وإياكم وتداخل العقود التي تحرجكم أخيراً وتوقعكم في المشاكل والمحاكم، وأحذركم أيضاً من التعدي على مهور النساء ولو بشيء قليل من ذلك إلا أن يكون عن طيب قلب منهم.

لأن كل مهور البنات سحت وحرام، ونار يتجرعه أحدكم. فالحذر الحذر أيها المسلمون وفقني الله وإياكم للوقوف على حدوده في الأقوال والأفعال والأموال والأعراض،

وأذكركم بقوله تعالى: {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}[الطلاق:1]، وبقوله صلى الله عليه وسلم: (لن تزول قدما عبدٍ يوم القيامة عن الصراط حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما

أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن علمه ماذا عمل به وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه)(7).

وأختتم كلمتي هذه بتذكير نفسي وإخواني بتحقيق العبودية له سبحانه وتعالى التي خلقنا من أجلها: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُون}[الذاريات:56].

قال ابن عباس رضي الله عنهما: (إلا ليعرفون). لأن تحقيق العبادة له سبحانه موصل للمعرفة قطعاً، وتحقيقها يكون بأداء حق الله تعالى وحق خليقته من الإخلاص والصدق في طلب رضوانه سبحانه وقربه ومعرفته، ولسان حال الصادق قوله بلسانه وقلبه: (إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي).

اللهم حقق لنا ما خلقنا من أجله. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين(8).

1 - أخرجه مسلم في صحيحه طرف حديث رقم 55 من رواية تميم الداري رضي الله عنه 1/74

2 - هذا هو تعريف السادة الأحناف للإيمان، وذهب الجمهور إلى أن الإيمان: تصديق بالجنان وعمل بالأركان، ولكن الأحناف يعتبرون العمل من لوازم الإيمان وبهذا يكون العمل داخل ضمناً على وجه الإجمال.(المؤلف)

3 - لم أجده بهذا اللفظ وإنما وجدته في المعجم الكبير 22/235 من رواية سكينة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أكرموا الخبز فإن الله أكرمه، فمن أكرم الخبز أكرمه) المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري 4/36 من رواية أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(أكرموا الخبز، وإن كرامة الخبز أن لا ينتظر به) قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ومعنى لا ينتظر به أنه إذا حضر فيؤكل تكريماً له بدون انتظار لطعام آخر يكون معه. (المؤلف)

4 - هو طرف حديث رقم 575 ذكره في كنز العمال من رواية أبي أمامة رضي الله عنه.

5 - لم أجده بهذا اللفظ وإنما وجدته عند الحافظ الطبراني في المعجم الأوسط بتحقيق الدكتور محمود الطحان تحت رقم 4845 جزء 5 صفحة 430 من رواية علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: (ثلاث من لم يكن فيه فليس مني ولامن الله، قيل وماهنَّ؟ قال: حلم يردّ به جهل جاهل، أو حسن خلق يعايش به الناس، أو ورع يحجزه عن معاصي الله) المؤلف.

6 - أخرجه الإمام مسلم في صحيحه 2/1034 من رواية ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله r نهى عن الشغار. والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه ابنته وليس بينهما صداق.

أما لفظ (لا شغار في الإسلام) فأخرجه ابن حبان في صحيحه 9/462، وكذلك ابن ماجة في سننه 1/607 كلاهما عن أنس رضي الله عنه، وأحمد في مسنده 2/35 عن ابن عمر وفي مواضع عدة من مسنده.

7 - رواه الإمام الطبراني في معجمه الكبير 20/61 بلفظ مقارب، ونصه من رواية معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال، عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن علمه ماذا عمل فيه).كما رواه الترمذي في سننه 4/612 عن أبي برزة الاسلمي مرفوعاً بلفظ: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره في أفناة، وعن علمه فيم فعل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن جسمه فيما أبلاه) قال الإمام الترمذي: هذا حديث حسن صحيح (المؤلف)

8 - كتب في ذيل الرسالة: (تم تأليفها بعون الله في: 9 رجب 1373هـ الموافق آذار 1954م كتابة العبد الفقير لله تعالى عبد الله وتأليف سيدي إبراهيم الغلاييني). والمراد أن الشيخ أملاها على ابنه عبد الله فكتبها.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين