أطفئي الشمعة!

مرت فترة طويلة وأكثر الناس يؤمنون بنظرية "الشمعة" في تقييم أداء النساء بشكل عام، والأمهات بشكل خاص، في تعاملهن مع من حولهن..

وتقوم نظرية الشمعة على إبراز مؤشر "التضحية"، على أنه المعيار الأدق والأخطر في عملية التقييم، وبتحققه تُمنح المرأة لقب "مثالية"!

فعلى سبيل التقريب، لا تتقلد جائزة "الأم المثالية" إلا من احترقت كالشمعة، لتضيء الطريق لأولادها! وإن لم تكن متزوجة، فيجب أن تكون "الإنارة المجانية" التي توفرها من حصة أي فرد من أفراد العائلة، المهم أن يوجد دائماً من تحترق لأجله، حتى ترتقي في أنظار الناس، ويُنظر إليها باحترام.. والخزي والازدراء لمن التفتت إلى نفسها، وأعطتها شيئاً من الوقت والاهتمام والتركيز!

لقد أظهرت الدراسات التربوية الحديثة بطلان هذه النظرية، وأكدت أن المرأة التي لا تأخذ من نفسها "حق نفسها"، لا يمكن أن يستمر عطاؤها، وسيضعف حضورها، ويخفت وهجها، وتفقد قيمتها تدريجياً، حتى تنطفئ، فيبحث المستفيدون عن شمعة غيرها، تنير لهم العتمة التي سببتها شمعة انتهت صلاحيتها!

إنّ عقلية المرأة كالشمعة، لم تجرّ على النساء سوى الاكتئاب، وعدم الفاعلية، والعيش على الهامش، وقد أشارت منظمة الصحة العالمية أن بين كل 4 أشخاص مصابون بالاكتئاب، 3 منهم نساء، وسبب ذلك أن الرجال أقدر على أخذ حصتهم الشخصية من بين الأدوار الاجتماعية التي يمارسونها، وأن النساء يرجحن كفة الآخر في الأغلب، خوفاً من الحكم عليهن بالأنانية!

ماذا لو قرر سائق سيارة متوجهة من بيروت إلى مكة المكرمة أن لا يتوقف على الطريق، حتى يتزود من الوقود، بحجة أنه في رحلة روحية عظيمة، ولا يريد أن يضيع وقته في الوقوف على محطات البنزين، وأن الشوق الذي يحمله في صدره يحتم عليه أن يكمل مسيره، حتى يصل إلى بغيته؟!

تراه سيصل، أم سينقطع في منتصف الطريق، بعيداً عن هدفه الذي خرج لأجله؟!

ذلك حال كل إمراة تظن أنها حين تبذل من نفسها، وتنسى حظها، لصالح من تعول، فإنها ستتربع على عرش المثالية!

قفي أيتها الأم والابنة والأخت والزوجة.. قفي وتزودي من كل ما يعطيك الطاقة لتستمري، وحافظي على توازنك، ذلك التوازن الذي جاء في النص النبوي، واعتمدي الترتيب المذكور، ولا تجتهدي في تغيير المواقع، فقد جربنا كثيراً، وحالنا اليوم لا يخفى عليكِ..

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لربّك عليك حقّاً، وإنّ لنفسك عليك حقّاً، وإن لأهلك عليك حقّاً، فأعطِ كل ذي حق حقه)..

إتصلي بالله تعالى أولاً، فهو مصدر طاقتك، إعرفيه، وتعلمي ما جاء في كتابه لك، إقرئي رسائله، وافهمي مغزاها على الوجه الذي أراد، وثقي بمحبته، وكوني على يقين أنه لم يكلفك ما لا تطيقين، وأن كل ما افترضه عليك لم يكن إلا ليرفع قدرك، ويغلي قيمتك، ويحميك، وأنه اختبرك لتخرجي أحسن ما فيك، وأنه سيجزيك، ويرضيك، فلا تفلتي حبله المدود، ولا تتمسكي بحبائل الناس الواهية..

خذي منه لنفسك، ثم أعطينا، وأدهشينا، وأنيري الطريق لنا، وأطفئي الشمعة، وكوني أنت المنارة التي تزيل الظلمات من علٍ، وتهدي السائرين.. ودمتِ بألف خير..

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين