معالم أساسية في فقه الدعوة  الإسلامية

د. موسى إبراهيم الإبراهيم


الثاني: الحال الصادق
الدعوة إلى الله تعالى حالة وليست مجرد فكرة ومقالة، وفاقد الشيء لا يعطيه وحتى تتوفر هذه الحالة في شخصية الداعية لا بد من مراعاة أمور أهمها:
1- التخلق الصادق بما يدعو إليه أولاً.
2- العناية بالقلب ورقته لأن قسوة القلب حجاب دون التأثر والتأثير.
3- الاعتقاد بأن الدعوة الإسلامية رسالة وليست وظيفة وهي مهمة في الحياة يشرف الداعي بأدائها وليست مهنة يرتزق من ورائها والفرق كبير بين النائحة والثكلى.
الثالث: معرفة العصر
إن العصر زماناً ومكاناً وأشخاصاً –هو ميدان دعوتنا.
فما لم نعرف عصرنا على حقيقته فلن نفلح في تربيته وتوجيهه فضلاً عن تغييره وإصلاحه.
ولذلك لابد للداعية من ملاحظة المعاني التالية في هذا الميدان :
1- تلمس هموم الناس ومخاطبتهم بما يألفون وبما يحتاجون إليه.
2- التوازن بين المحلية والعالمية في إدراك العصر الحاضر.
حيث إن وسائل الإعلام المختلفة جعلت العالم كغرفة صغيرة أمامنا فلا بد للداعية أن يوازن في دعوته بين مجتمعه المحلي وظروفه واحتياجاته وبين العالم الكبير الذي يفرض تأثيره على المجتمع شاء الناس أم أبوا.
3- التكامل بين الرخص والعزائم.
فلئن أخذ الداعية نفسه بعزائم الأمور فهذا شأن القدوة وحاله، ولكن عليه أن يقبل من الآخرين أخذهم بالرخص إن اختاروا ذلك، وإن أراد رفعهم إلى مستوى العزائم فليكن عبر التربية الحكيمة والنفس الطويل الهادئ. مع ملاحظة أن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه، وليس الترخص أدنى الحالتين دائماً، والأمر يحتاج إلى فقه عملي وحياة مع الربانيين من الدعاة لتمييز هذا من ذاك من خلال فقه الواقع ومعرفة الملابسات والبواعث والخلفيات وبيئة الحدث ومآلات الأمور وتداعيات الأحوال.
الرابع: فقه الأولويات في ميدان الدعوة
ولعل هذا الأمر من أهم ما يحتاجه الدعاة لتكون الجهود في محلها ولتؤتي ثمارها ومن أجل ذلك لابد من مراعاة أمور في هذا السياق أهمها.
1- تقديم الأهم على المهم.
2- تقديم الأصول على الفروع.
ولا يعني هذا إغفال الفرع أو المهم بل يجب وضع كل شيء في مكانه وتوجيه النبي % معاذاً عندما بعثه إلى اليمن داعياً هو الأصل في هذا الباب حيث قال له عليه الصلاة والسلام: >ادعهم إلى لا إله إلا الله، فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم.. الحديث<([1]).
3- معرفة واجب الوقت وموقعه من الأحوال العامة.
إذا أدركنا أن هناك مهم وأهم فلا بد أن ندرك أن واجب الوقت ـ أي اللحظة الآنية التي يعيشها الداعية ومن حوله ـ هو الأهم دائماً ولا يقدم عليه غيره بحال.
فمثلاً إذا كان الدعاة يقومون بواجب الدعوة ومهماتها المختلفة وحان وقت الصلاة، فلا يقدم على الصلاة غيرها مهما كانت أهميته ذلك الغير والحاجة إليه طالما بالإمكان تأخيره عن أداء الصلاة الواجبة والتي حضر وقتها. وكذلك إذا كان الدعاة يقومون بمهمة التخطيط والتنظير للدعوة أو العمل الدعوي العام من أمر بالمعروف أو نهي عن المنكر أو تعلم فروض العين والكفاية مثلاً، ولاحظوا أثناء حالهم الذي هم عليه أن أخاً من إخوانهم بحاجة إلى المساعدة في أمر خاص ألمّ به فلا يقدم على هذا الواجب الاستمرار في العمل العام أو التنظير للمستقبل. هذا ولابد لإدراك هذه المعاني جميعها من الدربة وطول المعاناة في ميدان الدعوة. وصدق الله العظيم القائل: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً وما يذكر إلا أولو الألباب}([2]).
 

________________________________________
([1]) الحديث رواه البخاري ج1 ص505.
([2]) سورة البقرة الآية 269.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين