تاريخ الميلاد

أيها السادة:

إن الوطن الحقيقي اليوم ليس هو ذلك المكان المقدس بالشعارات والنصوص، والمكدّس بالدكتاتورين واللصوص...

الوطن ليس مجرد مجموعة من الأقاصيص، ولتكتب فيه قصتك تحتاج لمجموعة من التراخيص...

الوطن لا يموت بالحروب مهما طالت أو قصرت، بل بخيانة الأبناء ولو بالكلمة، فالكاتب المأجور أخطر من القاتل المأجور، ودائماً ما نرى أن الشعارات الوطنية تكون ميراثاً للفقراء، والمكاسب والثروات تكون غنائماً للمتاجرين والمتسلقين، ولذلك عندما يحكم الحمقى، فمن واجب العقلاء عدم الطاعة، قال الله سبحانه وتعالى: "أَلَيسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ".

قال معروف الرصافي: «لا يخدعنك هتاف القوم بالوطن؛ فالقوم في السر غير القوم في العلن» انتهى الاقتباس.

نعم “الوطنجيون” جعلونا ندفع ثمناً باهظاً للكثير من العناوين البرّاقة، ولا بد من يوم للحساب، والشعوب اليوم أصبحت واعية، ولم تعد تنطلي عليها هذه الأكاذيب.

وعندما تشعر الأمة بآلام الاستبداد، وتنتفض ضده بوعي ويقظة، وتبدأ ارهاصات المخاض فعندها فقط ستولد الحرية من رحم المعاناة، ولو كان القرار يعود لي لقمت ببناء دولة حديثة، عمادها الشباب المتعلم، ولطلبت من المحاكم عدم تزويج الشباب إلا بإبراز شهادة تخرج جامعية، ليبني وطناً أساسه الفكر والعلم، وليعيد أمجاد الدولة الإسلامية، وهذا هو الجيل الذي يعول عليه في بناء وطن الحرية، وليس الجيل الذي قال عنه أفلاطون: «لو أمطرت السماء حرية.. لرأيت بعض العبيد يحملون المظلات».

قال المفكر الجزائري أنور مالك: «إن مشكلة العرب هي الاستبداد.. وستطول أزمتهم مادام للمستبد صحفي يبيض سواده، وسياسي يخدع بلاده، ومفتي يضلل عباده، وعسكري يخضع لأسياده، وشعب يخنع لجلاده ». انتهى الاقتباس، لقد أصاب كبد الحقيقة فيما ذهب إليه، وقد قال أبو القاسم الشابي:

إذا الشّعْبُ يوْمَاً أرَادَ الْحَيـاةَ....فَلا بُدَّ أنْ يسْتَجِيبَ القَـدَر

أما اليوم وفي واقعنا الحالي وبكل أسف:

إذا الشّعْبُ يوْمَاً أرَادَ الْحَيـاةَ... فَلا بُدَّ أنْ يهاجر الوطن، لأن رحلة نجاح المواطن تبدأ من باب المطار، ولسان حاله يوم الوداع يقول:

الغربة في الغربة تحتمل، أما الغربة في الوطن فقاتلة، سِر دون أن تلتفت للخلف، سِر وغض الطرف.. الغُربة وطن إن كانت جدران بيتك تهتز من شدة الخوف في دولة الحكم البوليسية، ولا بد للوطن أن يولد يوماً ما، ولكن بعد ولادة الإنسان الحر، فالحرية هي تاريخ الميلاد.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين