الغرب والخيار الإسلامي

لم يكن تصريح الرئيس الأمريكي عبثاً (بعد الإطاحة بشاه إيران ووصول الخميني إلى طهران من باريس وتسلمه السلطة عام ١٩٧٩م و قيام الجمهورية "الإسلامية" الإيرانية).

فقد صرح جورج بوش الأب بقوله "وقد سمعت ذلك بنفسي": لن نسمح بقيام دولة إسلامية بعد اليوم.

ولهذا التصريح أبعاد ودلالات يمكن فهمها من خلال تاريخ العلاقة بين التشيع الرافضي الفارسي وبين الغرب والشرق الصليبي عموماً واليهود خصوصاً.

ومعلوم أن أمريكا الحديثة قد أخذت مكانها في قيادة العالم الغربي أخيراً وهي الوريث الطبيعي لمعطيات التاريخ الغربي بكل علاقاته وتداخلاته.

ومن هذه الابعاد والدلالات:

١- أن العلاقة بين الرافضة الفرس والغرب الصليبي عبر التاريخ كانت علاقة تعاون وتكامل في الأدوار في صراع الغرب مع العالم الإسلامي، والشواهد التاريخية على هذا التواطء معلوم من قبل صلاح الدين الأيوبي والحروب الصليبية وما بعدها.

٢- يعلم الغرب الصليبي واليهود علم اليقين أن الروافض ليس لديهم مشروع نهضوي إسلامي حقيقي معاد للمشروع الغربي الذي يسعى للتسلط والهيمنة على المكون السني والذي يمثل غالبية العالم الإسلامي، بل إن المشروع الإيراني الرافضي شريك ومتناغم مع الخطط الغربية لما يسمى بصراع الحضارات، بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية.

٣- واذا كان الغرب برواسبه الصليبية والتاريخية يدرك إمكانات العالم الإسلامي (السني) بما يملك من أصول ثقافية أصيلة، ومرجعية واضحة، وبرنامج تربوي وفق قيم الإسلام ومنهجه القويم، اضافة إلى امكاناته الاقتصادية التي تؤهله لتأسيس مشروع حضاري عالمي يجعل من الإسلام قوة كبرى زاحفة تنافس الحضارات الأخرى لا سيما حضارة الغرب أو الرجل الابيض الذي يعطي لنفسه حق قيادة العالم وتوجيهه والسيطرة عليه.

٤-في مقابل ذلك يدرك الغرب جيداً أن إيران الفارسية الرافضة لا تشكل خطراً على حضارتهم، فهي لا تعدو أن تكون هيكلاً دينياً أجوفاً لا أصول له ولا مشروعاً ولا حضارة، ولا يعدو أن يكون طقوساً، ومناسبات دينية للطم وجلد أنفسهم، وإسالة الدماء حزناً على أئمتهم وهم أبعد الناس عنهم منهجاً وسلوكاً وتمسكاً بأصول الإسلام ومصادره.

٥- ترسخت لدى الغرب وأمريكا واليهودية العالمية أنه لا خطر عليهم من إيران بل هي الشريك الوفي والمتعاون المخلص من خلال تجربة احتلال أفغانستان والعراق، ودعم الاستبداد اللامحدود في دولنا في الشرق الاوسط ومن ثم التهجير والتغيير الديمغرافي وتدمير الأوطان، وسرقة الثروات.

إذا فالغرب لا يصنف إيران الفارسية الرافضية على أنها كيان معاد، أو إشكالية حقيقية في مواجهة الحضارة الغربية، بل يراها رصيداً يمكن أن تشارك الغرب في مخططه لإضعاف العالم الإسلامي وتفتيته وتخلفه.

إن الغرب اليوم يتعامل مع إيران كدولة كبرى، بل سعى بكل الوسائل لجعلها كذلك، ويسعى من وراء ذلك إلى تحقيق عدة أهداف منها:

الأول: أنه حقق قيام كيان إسلامي "اسماً" (إيراني رافضي وفق مخطط وقيم المنظور الغربي) مختزلاً الإسلام بالنموذج الإيراني تحديداً.

الثاني: وضع المنطقة تحت قيادة وسيطرة إيران وتسليمها بكل وضوح أربع عواصم عربية: بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وغض الطرف عن المشاركة الفعلية للمليشيات الشيعية من أفغانستان وباكستان ولبنان والعراق واليمن وإيران وغيرها.

الثالث: التعامل مع إيران في الملف النووي كطفل مدلل ودولة عظمى تفرض شروطها وبرنامجها على أمريكا نفسها الند للند، وخطوة بخطوة، في حين يتعامل الغرب وأمريكا مع الدول الإسلامية الاخرى (حتى مع حلفائهم) بلغة التهديد والوعيد والتلويح بالعقوبات وبالقوة الإيرانية النووية، والقبضة الحديدة.

رابعاً: وصف الإسلام بالإرهاب تلويحاً وتصريحاً، وليس قصدهم من ذلك إيران وأذرعتها وأذنابها كحزب الشيطان والحوثيين وملحقاتهما، بل الإسلام (السني)تحديداً لا سيما إذا اختار المسلمون الدفاع عن بلدانهم وكرامتهم وأعراضهم في وجه الاستبداد والمحتلين.

فهل أدركنا أسباب اختلاف المعايير الغربية في تعامله مع الإسلام ونتائجه؟.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين