ملامح سور القرآن: سورة النمل

بعد الاتصال القولي والتعبئة الإعلامية في سورة الشعراء، تجيء سورة النمل سورة الاتصال السريع والنقل والعلم، ففي قصة موسى في أول السورة: (فلما جاءتهم آياتنا مبصرة)، فالآيات جاءت بنفسها، على حين في القصص: (جاءهم موسى بآياتنا)، والنملة أبلغت قبيلها ونبهتهم على الخطر القادم إليهم، وسمع سليمان كلامها وفهمه، وجاءه الهدهد بنبأ سبأ، وأرسله سليمان بكتابه إليهم، وجمعت الملكة ملأها واستشارتهم، ثم أرسلت بهدية إلى سليمان، وسليمان يطلب الإتيان بعرشها، ويأتيه قبل ارتداد الطرف.

وفي قصة ثمود اجتماع الرهط التسعة وتآمرهم لتبييت صالح وأهله، أي الإيقاع بهم ليلًا، وهذا الجزء من القصة لم يأت إلا هنا، وهؤلاء التسعة هم جماعة أو شبكة تتواصل وتتواطأ على الإفساد، وفي آخر الزمان تخرج دابَّة تكلم الناس، وذلك مناسب كما ترى لتعليم سليمان منطق الطير، وفهمه كلام النملة، على حين أن الكافرين في موقف الحشر إذا قُرروا بتكذيبهم بالآيات لا ينطقون.

وفي آخر السورة إشارة إلى حركة الجبال وتشبيهها بمر السحاب، وذكر الإتقان عقيبه دليل على أنه في الدنيا، لأن ما يقع في الآخرة هو حل لناموس الحياة الدنيا (يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات).

وفي آخر السورة وعد بإراءة الآيات، وها قد رأينا منها دوران الأرض وحركة كل شيء من أجرام السماء، بل وضعنا الأقمار في مدارات حول الأرض فمكنتنا من التواصل.

ولا شك أن هذه الحركة المذكورة ملائمة لتعبير: (بل ادَّارك علمهم في الآخرة)، (عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون)، الدال على التتابع والتتالي، وهو ملائم لمسير النمل على هذا النحو.

وفي وسط الآيات الكونية الدالة على وحدانية الله المعقَّب أنواع منها بسؤال التقرير: (أإله مع الله؟)، جاء ذكر أجلُّ اتصال في الحياة، وهو دعاء المضطر الذي سُدَّت في وجهه الأبواب، وتقطَّعت به الأسباب، وفقد عون الأنصار والأحباب، وهو في ضيق وحرج، فلا يجد إلا باب السماء، فيدعو الله مخلصًا، فيجيبه الله، وقد جعل ذلك آية كونية، ودليلًا على أنه لا شريك له في خلقه وأمره، ولا إله معه في قضائه وقدره.

في السورة أيضًا تردد لذكر العلم وهو مناسب لجو الاتصال الشائع في السورة، فقد آتى الله سليمان وداود علمًا، وعلم سليمان منطق الطير، وأحاط الهدهد بما لم يحط به سليمان، والذي جاء بعرش الملكة قبل أن يرتد طرف سليمان إليه عنده علم من الكتاب، وكان للملكة علم، يدل عليه قول سليمان: (وأوتينا العلم من قبلها)، وجاء التعقيب على قصة قوم صالح: (إن في ذلك لآية لقوم يعلمون)، وفي السورة نفي علم الغيب وعلم الساعة عن الخلق، على حين أنه: (ما من غائبة في السموات والأرض إلا في كتاب مبين)، فقد أحاط الله بكل شيء علمًا، وأكثره غائب عن علم الخلق، وجعل ذلك في كتاب.

والعلم وما يؤدي إليه يقتضي الشكر، وهو معنى حاضر في السورة، فداود وسليمان (قالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين)، ولما فقه كلام النملة قال: (رب أوزعني أن أشكر نعمتك) الآية، ولما رأى عرش بلقيس مستقرًّا عنده قال: (هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر)، وفي السورة: (وإن ربك لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون).

وسلفت الإشارة في سورة الحجر أنه جاء فيها: (تلك آيات الكتاب وقرآن مبين) فقدَّم الكتاب، وفي سورة النمل قدم القرآن لمناسبة ذلك المعنى من الاتصال السريع الملائم لوصف القراءة، وفي آخرها جاء الأمر بتلاوة القرآن مقرونًا بالإيمان والإسلام. ثم انظر إلى استخدام السين في (سآتيكم)، وفي طه والقصص: (لعلي آتيكم)، وكلاهما فيه: (امكثوا) الدالة على الرَّيث، وخلت منها سورة النمل، وفيها: (فلما جاءها) الدال على سرعة الحضور، وفي القصص: (أتاها)، وفيها: (أقبِلْ) وليست في النمل، وفيها: (إلى فرعون وقومه) الأعم من قوله في القصص: (إلى فرعون وملئه)، واختُصرت قصة موسى في سورة النمل.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين