عيد الحب

كل عام وعيدنا بلا حبٍّ وإن كرّروا الاحتفال والتهنئة بعيد الحب في كلّ عام..

فمتى يصبح الحب لنا عيدا في كلّ السّاعات والفصول والأيّام والأعوام؟!!!!!.

ومتى نصحو من غفلة التّقليد الأعمى لكلّ ما يشاع ويذاع من الأقوال والأفعال والممارسات؟!!!!!..

ومتى نزيح عن ذاكرتنا صدأ الجهل وحفظ كل ما لا يستحقّ أن بُحفظ أو يُصان؟!!!!!..

ومتى نكسر أقفال التّفاهة والجهالة والغباوة، وتتّسع عيوننا وعقولنا ومداركنا، وتستنير بصيرتنا، ويتَّقد فهمنا ووعينا وفقهنا بالواقع فنبصر الحقيقة، ولا تعمى أبصارنا والبصيرة؟!!!!!..

ومتى نتحرَّر من استعباد شعورنا الإنساني الممسوخ إلى شعور لا إنساني؟!!!!!

إنّنا لسنا بحاجة إلى يوم من كلّ عام لنذكِّر به بعضنا، ولنوزِّع في يومه القلوب والورود الحمراء، وأجمل الهدايا والعطور والدمى، ونرسل أسمى بطاقات التهنئة والتبريك بعيد حبّنا لمن نحبّ ونكره..

ولسنا بحاجة إلى صناعة أجنّة الحبّ في مختبرات صناعة الأجنّة، وإعادة استنساخه في يوم من كلّ عام، ولا إلى توليد وبعث شعورنا بالحبّ من مخاض قلوبنا الحَبْلى والثَّكْلى بفقد الحبّ ونعيه، وتشييع نحيبنا وحدادنا على يُتْم مشاعرنا، ووَأْدِها في مقابر التّجاهُل والنّسيان..

إنّنا أمة مسلمة تفتخر وتعتز بدينها، وكتابها وسنّتها، ولغتها وهويّتها، وتراثها وحضارتها وتاريخها، وأصولها وثوابتها، وعاداتها وتقاليدها، وأعرافها وما جرى به عملها...

وإنّنا أمّة تؤمن بنشر وإشاعة وممارسة الحب الذي أحلّه الله لنا في كلّ نفس صاعد ونازل، وكلّ نسمة هواء نتنفّسها، وكلّ شهيق وزفير..

وفي كلّ زمان ومكان، وكلّ دقيقة وثانية، وساعة، وكلّ يوم وأسبوع وشهر، ومع تعاقب الليل والنهار، وفي كلّ عام وكلّ فصل من فصول حياتنا وأعمارنا، ومن الابتداء إلى الانتهاء، ومن المولد إلى انقضاء الأجل وطي ّ الكتاب..

فالحبّ في حياتنا هو الحياة وجوهر الحياة وروح الحياة..

إنّه كائن متحرّكٌ بدواخلنا وبواطننا وأعماق أعماقنا..

روحه من أرواحنا ينمو ويربو ويكبر في وجودنا، وروحه تشاكل أرواحنا، وتتناغم مع نغمات موسيقى أرواحنا، وتطرب لخفقات نبضات قلوبنا، وشدو نشيدها وترثيلها..

وهو شامخ..

يعلو ويتسامى لشموخنا، ويرقى لرقيِّنا في مراتب الالْتِذاذ بلذّات شعورنا وإحساسنا الفريد في عجائب أسراره، وانتظام جواهر معانيه، وسطوع شموسه وأنواره..

وانْتِشاء فائح روائحه ذات الحُسن والبهاء، وذات الرّوعة في الذّوق والجمال..

فيكفينا من الحبّ أنّنا به سعداء وهو في وجوده الدائم في وجودنا قوة وضعفا، يلازمنا ملازمة الروح للجسد صحّة ومرضا..

ويكفينا من الحبّ أنّنا لا ننساه ولا نتناساه كي نحتاج إلى عيد يذكِّرنا بوجوده في الحياة..

ويكفينا من الحبّ أنّنا نجتهد في إحياء وبعث روحه اللّصيقة بأرواحنا كلما خبا بريقه، أو غابت شمسه وغربت، أو أفل نجمه واسْتَتر..

ويكفينا من الحبّ أنّه يحيا في وجودنا، ونحن نحيا في وجوده ضعف الحياة التي يحياها من حُرِموا من الشّعور بالحبّ في فصول العام، فاختاروا لهم واختاروا له يوما من أيام العام يكون لهم عيدا، يمارسوا فيه طقوس الحبّ في الاحتفال، وصناعة الفرح الغائب عن وجودهم وسط متاهة النّكبات والأحزان المحيطة بهم، وصناعة الضحكات والبسمات الشّاحبة الألوان، وصناعة ما يسمّونه عيدا للحبّ، وأعيادهم بلا حبٍّ، وحبُّهم بلا أعياد..

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين