أحكام

حتى أكثر التيارات عناداً في المطالبة بالمساواة بين الجنسين، ترفض أن تستقبل الرجل "المكافح لأجل حقوق المرأة، والمناصر لقضيتها"، في لقاءاتهم الاحتفالية بملابس "فاضحة"، كالتي تتبختر بها النساء "غير المتساويات مع الرجال"، ودون أن يسجل أحد أي نوع من الاعتراضات!!

تخيلوا لو أن الرجال يرتدون في الحفلات، أزياء تشبه من حيث "عدم التستر"، ما تلبسه النساء؟!

صورة ممجوجة، وغير مقبولة لا ذوقاً ولا خُلقاً!

إذن، لماذا لهنّ الحق بتجاوز حدود المساواة، فيبدين مفاتنهن، لعلمهنّ بما يمتلكن من خصوصية وتأثير، ثم يعترضن على الرجل لأنه بعدم ارتدائه للحجاب قد جانب المساواة، وقفز فوقها؟!

هي المرأة التي لا تتقبل أن يسايرها الرجل في عريها وانكشافها، المعبران عن اعتدادها بمميزاتها المذهلة، ومقوّماتها الفاتنة، ولا تريد- في نفس الوقت- أن تساويه في احتشامه وتستره، اللذين يشيران- برأيها- إلى مدى أناقته واحترامه!!

إنه من غير المستساغ ولا اللافت عند المرأة، أن تلاحق بنظراتها رجلاً متكشفاً، بينما فطريٌّ جداً، ومغرٍ جداً جداً لدى الرجال أن يدققوا في مفاتن المرأة، وصحيح أن تشريح العين للجنسين واحد، لكن النظرة مختلفة جداً، حد المعاكسة!

وإنه بحكم الطبيعة والتكوين، يجوز لنا أن نقول: "من يملِك يَحجُب"، وهذا منطق بشري سارٍ في التعامل مع كل نفيس تقريباً، فلا مالك الجواهر يبديها، ولا خازن الأموال يظهرها، ولا صائد اللآلئ يعرضها، وكل ما يُكنز يُحفظ في حرز أمين، كما هو حال كلّ غالٍ وثمين، وهل أغلى من أنوثة المرأة، وقد ملكت ما تليّن به جلاميد البشر، ووهبها الله تعالى ما يُذهب لبّ الحازم من الرجال؟!

هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى، فلا جدال أن الرجل هو المعنيّ بالسعي في مناكب الأرض، والتعامل مع صخرها، وحديدها، وخشبها، وحجرها، وحرّها، وبردها، فهو الحفّار، والبنّاء، والحمّال، والحدّاد، والنجّار، وغيرها من المهن والحرف والأعمال الثقيلة والخفيفة، فهل يناسب الحجاب طبيعته الحركية الدائمة؟!

وأيهما يتماشى مع المنطق أكثر: أن نغطي كل قطع الحديد المنتشرة حول قطعة مغناطيس جاذبة، أم أن نغطي المغناطيس وحده، ونخفف تأثيره الشديد؟

أن نُلبس أكفّ الزبائن جميعاً قفازات تحول دون لمس قطعة الألماس الغالية، أم أن نضع تلك الجوهرة النفيسة داخل علبة مخملية تحميها من المتفرجين؟!

إنها الشريعة التي أقامت جسر التعاون بين الجنسين، دون أن يتّهم أحدهما الآخر، أو أن يطعن في طبيعته، فليس حجاب المرأة قصاصاً لها، ولا اتهاماً للرجل في عفته واستقامته، إلا إذا اعتبر القطع عيباً في السيف، والاشتعال عيباً في البنزين، والإحراق عيباً في النار، لا ميزة فيهم، ووظيفة لهم!

على أن هناك حجاباً يُطالب به الجنسان على حدّ سواء، إنه "لباس التقوى":

فمن لم يلبس ثياباً من التقى تقلّب عرياناً وإن كان كاسيا

وخيرُ لباسِ المرء طاعةُ ربه ولا خير فيمن كان لله عاصيا

سأجيب في المقالة الخامسة الأخيرة بإذن الله عن "الأزياء الخاصة"، وهل هي مدعاة احترام وتقدير، أم هي تمييز عنصري؟ وهل ينطبق ذلك على حجاب المرأة المسلمة؟

الحلقة الثالثة هـــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين