فضائل عشر ذي الحجة

للحافظ ابن رجب الحنبلي


1 ـ من فضائله: أنَّ الله تعالى أقسم به جُملةً، وببعضه خصوصاً، فقال: [وَالفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ] {الفجر:2}. فأما الفجر، فقيل: جنس الفجر، أو صلاة الفجر، أو النهار كله. وقيل: أريد به: أول يوم من عشر ذي الحجة.
وأما الليالي العشر فهي عشر ذي الحجة، كما عليه جمهور المفسرين.
روى أحمد من حديث جابر رضي الله عنه مرفوعاً: (العشر عشر الأضحى، والوتر يوم عرفة، والشفع يوم النحر) وهو إسناد حسن.
2 ـ ومن فضائله أيضاً: أنه من جملة الأربعين التي واعدها الله عزَّ وجل لموسى:[وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً] {الأعراف:142}..
3 ـ ومن فضائله أنه خاتمة الأشهر المعلومات، أشهر الحج التي قال الله تعالى فيها:[الحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ] {البقرة:197}.  وهي شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة.
4 ـ ومن فضائله: أنه الأيام المعلومات التي شرع الله ذكره فيها على ما رزق من بهيمة الأنعام، قال تعالى:[وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ] {الحج:27}.
والأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة.
وأفضل الأعمال ما كثر فيه ذكر الله تعالى خصوصاً الحج، وقد أمر الله تعالى بذكره كثيراً في أيام الحج.
قال تعالى:[لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ المَشْعَرِ الحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] {البقرة:199}. فهذا الذكر يكون في عشر ذي الحجة ثم قال:[فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا] {البقرة:200}. وهذا يقع في يوم النحر، وهو خاتمة العشر.
ثم أمر بذكره بعد العشر في الأيام المعدودات، وهي أيام التشريق.
وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله).
وفي مسند أحمد: (أن رجلاً قال: يا رسول الله: أي الجهاد أعظم أجراً ؟ قال: أكثرهم لله ذكراً، قال: فأيُّ الصائمين أعظم أجراً؟ قال: أكثرهم لله ذكراً، ثم ذكر الصلاة والزكاة، والحج، والصدقة، كل ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أكثرهم لله ذكراً.فقال أبو بكر: يا أبا حفص، ذهب الذاكرون بكل خير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجل).
وأهل الأمصار يشاركون الحجاج في عشر ذي الحجة بالذكر وإعداد الهدي ويشاركونهم في بعض إحرامهم، فإن من دخل عليه العشر وأراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئاً، كما روت ذلك أم سلمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم خرج حديثها مسلم. وأخذ بذلك الشافعي وأحمد وفقهاء الحديث وخالف مالك وأبو حنيفة، وكثير من الفقهاء، وقالوا: لا يكره ذلك.
واستدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها: (كنت أفتل قلائد الهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يحرم عليه شيء أحلَّه الله).
هل يشرع إظهار التكبير والجهر به في الأسواق في العشر؟
استحبه أحمد والشافعي، لكن الشافعي خصَّه بحال رؤية بهيمة الأنعام، وأحمد يستحبه مطلقاً.
وقد ذكر البخاري أن ابن عمرو وأبا هريرة رضي الله عنهما كانا يخرجان إلى السوق في العشر فيكبِّران ويكبِّر الناس بتكبيرهما.
فضل العمل في ذي الحجة:
روى البخاري من حديث ابن عباس مرفوعاً: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيام، ـ يعني أيام العشر ـ قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيء).
استثنى جهاداً واحداً، وهو أفضل الجهاد (من عُقِر جواده وأهريق دمُه) سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو: (اللهم أعطني أفضل ما تعطي عبادك الصالحين فقال له: إذن يعقر جوادك وتستشهد)، فهذا الجهاد يفضل على العمل في العشر.
وأما بقية أنواع الجهاد فإن العمل في عشر ذي الحجة، أفضل وأحب إلى الله.
والعمل في العشر وإن كان مفضولاً أفضل من العمل في غيره وإن كان فاضلاً.
قدر المضاعفة للثواب والأجر:
روي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (والعمل فيهن يضاعف بسبعمائة).
خرج الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة، وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر).
ومن قول ابن عمر رضي الله عنهما: (العمل فيها يعدل عمل سنة).
وروي في المضاعفة أقل من سنة: (صيام كل يوم من أيام العشر كصيام شهر). وكلها من أحاديث الفضائل وليست قوية.
فضل صيام العشر:
في المسند عن حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدع صيام عاشوراء والعشر وثلاثة أيام من كل شهر.
وروي عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: (كان لا يدع صيام تسع ذي الحجة) والصيام إذا أضيف إلى العشر فالمراد صيام ما يجوز صومه منه، فلا يدخل فيه يوم النحر.
والصيام له خصوصية في المضاعفة، فإنه لله، والله يجزي به.
قيام ليالي العشر:
مستحب، وكان سعيد بن جبير إذا دخل العشر اجتهد اجتهاداً حتى ما يكاد يقدر عليه، وكان يقول: (لا تطفئوا سرجكم ليالي العشر).
استحباب الذكر:
والإكثار منه كما دلَّ عليه قول الله عزَّ وجل:[ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ] {الحج:27}. والأيام المعلومات: هي أيام العشر عند جمهور العلماء.
وفي مسند أحمد عن ابن عمر مرفوعاً: (ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد).
فضل عشر ذي الحجة على غيره من أعشار الشهور:
عن كعب قال: (اختار الله الزمان، فأحب الزمان إلى الله الشهر الحرام، وأحب الأشهر الحرم إلى الله ذو الحجة، وأحب ذي الحجة إلى الله العشر الأول، وليالي عشر أفضل أيام السنة) خرجه عبد الرزاق عن مسروق.
وأيام هذا العشر يشتمل على يوم عرفة، وهو أفضل أيام الدنيا وفيه يوم النحر، وفي الحديث: (أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر). ويوم القر: هو حادي عشر ذي الحجة، لأن الناس يقرون فيه بمنى.
وهذا كله يدل على أن عشر ذي الحجة أفضل من غيره من الأيام من غير استثناء.
هذا في أيامه، فأما لياليه: فقد أقسم الله بلياليه فقال: [وَلَيَالٍ عَشْرٍ] {الفجر:2}. وهذا يدل على: فضيلة لياليه أيضاً.
والتحقيق أن يقال: مجموع هذا العشر أفضل من مجموع عشر رمضان، وإن كان في عشر رمضان ليلة لا يفضل عليها غيرها) والله أعلم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين