ماذا لو؟؟هذه أول جولة

في الماراتون الطويل يبدأ العدّاؤون بالركض دون إرهاق النفس، وكلما قطعوا مسافة اشتد ركضهم، فإذا ما قاربوا النهاية بذلوا كل حيلة وغاية، وحافوا على أبدانهم، بغية الفوز...

في حلبات الملاكمة ربما سمح البطل القوي الواثق من نفسه لخصمه في الجولة الأولى، ان ينال منه بضع ضربات، وبعض لكمات، فإذا ما بدأت الجولات التالية قضى عليه بلكمة مجنونة تطرحه أرضا...

في المصارعة الحرة يقوم البطل الصنديد بالسماح لمنافسه الضعيف بالنيل منه، ويتلقى منه الضربات... ويشتد عجبنا من فعله، ثم عندما يراه يضعف وتذهب حيلته، ينهال البطل عليه رفساً ولكماً وضرباً حتى يستسلم..

في كل ما سبق لا تغرنك الصورة الأولى.... فالعبرة بالخواتيم...

أقول هذا الكلام لأبلسم جراح المظلومين، وأنّات المعذبين، وآهات المكلومين، الذين يرون الظالمين المستبدين الطغاة الجزارين السجانين المجرمين القتلة وهم يتمتعون بالصحة والمال والنعيم والملك... فيتساءلون عن عدل الله....

الدنيا كلها هي الجولة الأولى الضئيلة القصيرة البسيطة والتي لا تساوي أنملة ظفر من الجولة الثانية الأبدية الدائمة....

كان سعيد بن جبير يبصر الجولة الثانية الباقية فلم يأبه بالحجّاج ولا بسيفه ولا بظلمه بل ولم يأبه بالدنيا كلها فكان سيد الشهداء...

كذلك كان عثمان بن عفان والحسين بن علي وخبيب بن عدي وشقيق البلخي وأحمد بن نصر الخزاعي وأبو بكر النابلسي والتبسي الجزائري وعمر المختار وسيد قطب وغيرهم كثيرون...

الدنيا كلها لو كانت تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافراً جرعة ماء...

هؤلاء الظلمة يربحون جولة أولى قصيرة...والله يراهم عند ظلمهم وبعده وهم يصْلَون جهنم وسعيرها وسمومها، فيمهلهم لنيل عذاب الآخرة الذي هو أدهى وأمرّ...

كثيرا ما يتم الانتقام في الدنيا ليداوي الله جراح المظلومين، وليكون الانتقام رادعاً للظالمين....ولكن الأكثر هو ان تتكفل الآخرة بذلك....

حياة الإنسان لا تزيد عن مائة عام وحياة الكون لا تزيد عن ١٨ مليار سنة..هذه ال ١٨ مليار سنة تساوي صفرا بجانب عمر الآخرة التي يلقى فيها الظلمة جزاءهم...

الدنيا لم تكن دار جزاء..ولو نال كل ظالم ما يستحق لامتنع الناس عن الظلم خوفا من العاقبة العاجلة ولبطل الابتلاء والاختبار....

لنتصور جميعا ان ما يفعله الظلمة يشبه ما يقوم به المصارع الضعيف من ضرب المصارع الصنديد ثم ينقلب الأمر عليه....

وأصحاب الحق هم صناديد الآخرة وسينتقمون ممن ظلمهم واحدا واحدا..

اذا كان الكبش الذي نطح غنمة منذ مائة ألف عام يحييهما الله يوم القيامة لتنتقم الغنمة من الكبش ثم يصبحا ترابا فما بالك بالإنسان الذي عُذّب وأوذي وظُلِم؟؟!!

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين