أصول الإيمان (4) الإيمان باليوم الآخر

الركن الخامس من أركان الإيمان: الإيمان باليوم الآخر

وهو يوم القيامة، الذي يبعث الله فيه الناس للجزاء، فيستقر أهل الجنة في منازلهم، وأهل النار في منازلهم.

والإيمان باليوم الآخر يتضمن ثلاثة أمور:

الأول: الإيمان بالبعث: وهو إحياء الموتى حين يُنفخ في الصور، فيقوم الناس لرب العالمين، قال الله: ﴿كَمَا بَدَأۡنَآ أَوَّلَ خَلۡقٖ﴾ [الأنبياء: 104]، وقال: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ﴾ [المؤمنون: 16].

الثاني: الإيمان بالحساب، والجزاء: وأن الله تعالى يحاسب العبد على عمله، ويجازيه عليه، وقد دل على ذلك الكتاب، والسنة، وإجماع المسلمين، قال الله تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ [الأنبياء: 47].

الثالث: الإيمان بالجنة والنار: وأنهما مخلوقتان الآن، ولا تفنيان، وأنهما مآل الخلق الأبدي، كلٌّ بحسب عمله.

ويلحق بالإيمان باليوم الآخر: الإيمان بكل ما يكون بعد الموت، كفتنة القبر، وسؤال منكر ونكير للعبد في قبره عن ربه، ودِينه، ونبيه، وعذاب القبر لمن كان له أهلًا، فالقبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النيران، والإيمان بالصراط، والميزان، والشفاعة.

ثمرات الإيمان باليوم الآخر:

الرغبة في فعل الطاعة، والحرص عليها؛ رجاء ثواب ذلك اليوم.

الرهبة من فعل المعصية، أو الرضى بها؛ خوفًا من أهواله.

تسلية المؤمن عما يفوته من الدنيا، بما يرجوه من نعيم الآخرة وثوابها.

وقد أنكر الكافرون البعث بعد الموت، زاعمين أن ذلك غير ممكن، وهذا الزعم باطل، دل على بطلانه الشرع، والحس، والعقل.

أمَّا الشرع: فقد قال الله تعالى: ﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [التغابن: 7] ـ وقولُه الحقُّ ـ وقد اتفقت جميع الكتب السماوية عليه.

وأمَّا الحس: فقد أرى الله عباده إحياء الموتى في هذه الدنيا، وفي سورة البقرة خمسة أمثلة على ذلك وهي: (قصة أصحاب موسى)، و(قصة قتيل بني إسرائيل)، و(قصة صاحب الحمار)، و(قصة الألوف الهاربين من الموت)، و(قصة طير إبراهيم)، ومثل ذلك إحياء عيسى الموتى، فهذه أمثلة حسية واقعة تدل على إمكان إحياء الموتى.

وأما دلالة العقل: فمن وجهين:

أحدهما: أن الله تعالى خالق السماوات والأرض وما فيهما، والقادر على ابتداء الخلق لا يعجز عن إعادته، قال الله تعالى: ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ [يس: 79].

الثاني: أن الأرض تكون ميتة هامدة، ليس فيها شجرة خضراء، فينزل عليها المطر فتحيا، والقادر على إحيائها بعد موتها، قادر على إحياء الأموات، قال الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [فصلت: 39].

تنبيهان:

1 ـ أحوال البرزخ من أمور الغيب التي لا يدركها الحس، ولو كانت تدرَك بالحس لفاتت فائدة الإيمان بالغيب، ولَتَسَاوى المؤمنون بالغيب، والجاحدون في التصديق بها، وكذلك فإن عذاب القبر، ونعيمه، وسعته، وضيقه إنما يدركها الميت دون غيره، كالنائم، فإنه قد يرى في نومه أمورًا عظامًا، ولا يشعر به من بجواره.

2 ـ إدراك الخلق محدود، بما مكّنهم الله تعالى من إدراكه، ولا يمكن أن يدركوا كل موجود، وإذا كان الخلق لا يدركون كل موجود، فإنه لا يجوز أن ينكروا ما ثبت من أمور الغيب، ولم يدركوه.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين