أصول الإيمان (1)

أركان الإسلام

روى البخاري، ومسلم عن عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: « بُنِي الإِسلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ ».

ومعنى « أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ »: أقِرُّ بلساني، وأصدِّق بقلبي أن لا أحد يستحق العبادة إلا الله (سبحانه وتعالى) ، وأنَّه لا معبود بحقٍّ إلا الله، فلا أصرِف أيَّ عبادةٍ إلى سواه.

ومعنى « أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ »: أقِرُّ بلساني، وأصدِّق بقلبي أن مُحَمَّدًا مرسل من الله، أرسله إلى الخلق أجمعين، وأوجب عليهم تصديقه وطاعته، فمن أطاعه كان مؤمنًا، ومن عصاه كان كافرًا بالله، وأتيقن أنّ دِينه نَسَخَ جميع الأديان قبله، فلا يُقبَل دِينٌ غير دِين الإسلام الذي جاء به، وأُحبّه أكثر من النفس، والأهل، والمال، وأطيعه فيما أمر، وأجتنب ما عنه نهى وزجر، وأصدِّقه في كلِّ مَا أخبر به، ولا أعبد الله إلا بما شرعه.

ففي شهادة « أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ »: إفراد الله بالعبادة، وفي شهادة « مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ »: إفراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالاتّباع.

من ثمراتِ الشَّهادتَيْن: تحرير النفس من العبودية للمخلوقين، وتحريرها من الاتباع لغير المرسلين.

ومعنى إقام الصلاة: التعبد لله تعالى بفعلها في وقتها، تامةَ الأركان والشروط، على الصِّفة التي أداها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

من ثمرات إقامة الصلاة: انشراح الصدر، وقُرة العين، والكف عن الفحشاء، والمنكر.

ومعنى « إيتاء الزكاة »: التَّعبدُ لله تعالى ببذل القَدْر الواجب في الأموال الزكوية المستحقة، لمستحقيها.

من ثمرات الزكاة: تطهير النفس من البُخل، وتطهير المال، وسدُّ حاجة المسلمين.

ومعنى « صوم رمضان »: التعبد لله تعالى بالإمساك عن المفطرات في نهار رمضان.

من ثمرات الصيام: تقوى الله، وتعويد النفس على ترك المحبوبات؛ طلبًا لمرضاة الله.

ومعنى « حج البيت »: التعبد لله تعالى بقصد البيت الحرام للقيام بشعائر الحج.

من ثمرات الحج: تعويد النفس على بذل المجهود المالي والبدني في طاعة الله تعالى، وامتثال الأمر والنهي.

وهذه الثمرات التي ذكرناها لهذه الأركان الخمسة ـ وما لم نذكره ـ تجعل الأمة الإسلامية أمةً طاهرةً نقيةً، تدين لله دِينَ الحق، وتعامل الخلق بالعدل، والصدق، وتقوم على قاعدتين: تعظيم الخالق، والشفقة على المخلوق.

وما سوى الأركان الخمسة من شرائع الإسلام، فإنه يصلح بصلاح هذه الأركان، وهكذا تصلح أحوال الأمة بصلاح أمر دِينها، ويفوتها من صلاح أحوالها بقدر ما فاتها من صلاح أمور دِينها، فبداية إصلاح أحوال الأمة صلاح دِينها.

أصول الإيمان (1) الإيمان بالله تعالى

أسس العقيدة الإسلامية

الدين الإسلامي عقيدةٌ، وشريعةٌ، وتقدم ذكر أركانه التي هي أساس شرائعه.

وأمَّا « العقيدة الإسلامية » فأركانها ستة: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقَدَر خيره وشره.

والدليل على هذه الأسس كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، يقول الله تعالى: ﴿لَّيۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ قِبَلَ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ وَٱلۡكِتَٰبِ وَٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ﴾ [البقرة: 177]، ويقول الله تبارك وتعالى في القَدَر: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر: 49] ، ويقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : « الإِيمَانُ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ». رواه مسلم.

 الركن الأول من أركان الإيمان:الإيمان بالله تعالى

الإيمان بالله يتضمن أربعة أمور:

الأول: الإيمان بوجود الله تعالى

وقد دلَّ على وجوده تعالى: الفطرة، والعقل، والشرع، والحس.

أما دلالة الفطرة على وجود الله تعالى: فإنَّ كلَّ مخلوق قد فُطِر على الإيمان بخالقه من غير سبق تفكير، أو تعليم، ولا ينصرف عن مقتضى هذه الفطرة إلا من طرأ على قلبه ما يصرفه عنها، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ؛ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ ». رواه البخاري.

وأما دلالة العقل على وجود الله تعالى: فلا بدَّ لهذه المخلوقات ـ سابقها ولاحقها ـ مِـن خالق أوجدها؛ إذ لا يمكن أن توجِد نفسها، ولا يمكن أن توجَد صدفةً؛ لأن كل حادِث لا بد له من محدِث، ولأن وجودها على هذا النظام البديع، والتناسق المتآلف، والارتباط الملتحم بين الأسباب ومسبباتها، وبين الكائنات بعضها مع بعض يمنع منعًا باتًّا أن يكون وجودها صدفةً؛ إذ الموجود صدفةً لا يمكن أن يكون وفق نظام.

وإذا لم يمكن أن توجِد هذه المخلوقات نفسها، ولم توجد صدفةً، تَعيَّن أن يكون لها موجِد، وهو الله رب العالمين، وقد ذكر الله تعالى هذا الدليل العقلي، والبرهان القطعي في سورة الطور، فقال: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾ [الطور: 35] ؛ ولهذا لما سمع جبير بن مطعم رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ هذه الآيات، وكان ـ جبير ـ يومئذ مشركًا، قال: « كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ، وَذَلِكَ أَوَّلُ مَا وَقَرَ الإِيمَانُ فِي قَلْبِي ». رواه البخاري.

وأمَّا دلالة الشرع على وجود الله تعالى: فالكتب السماوية كلها تنطق بذلك.

وأمَّا أدلة الحس على وجود الله تعالى: فمن وجهين:

الوجه الأول: أننا نسمع ونشاهد من إجابة الداعين، وغوث المكروبين، ما يدل دلالة قاطعة على وجوده تعالى، وما زالت إجابة الداعين أمرًا مشهودًا في كل زمان، لمن صدق في اللجوء إلى الله، وأتى بشروط الإجابة، ولم يوجد مانع.

الوجه الثاني: أن آيات الأنبياء المسماة بالمعجزات، التي يشاهدها الناس، أو يسمعون بها، برهان قاطع على وجود مرسِلِهم، وهو الله تعالى؛ لأنَّها أمور خارجة عن نطاق البشر، يؤيد بها رسله، مثل: « فلْق البحر لموسى »، و« إحياء الموتى لعيسى »، و« شق القمر لنبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم  »، فهذه الآيات المحسوسة التي يؤيِّد الله بها رسله، ورآها أقوامهم، ولم ينكروها، تدل دلالة قطعية على وجوده، وقدرته، وقوته.

الثاني: الإيمان بربوبيته

أي: أنه وحده الرب الذي له الخلق، والملك، والأمر، فلا خالقَ إلا الله، ولا مالكَ إلا هو، ولا أمرَ إلا له، قال الله تعالى: ﴿أَلَا لَهُ ٱلۡخَلۡقُ وَٱلۡأَمۡرُۗ﴾ [الأعراف: 54]، وقال: ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ﴾ [فاطر: 13] ؛ ولهذا كان المشركون يقرّون بربوبية الله تعالى، مع إشراكهم به في الألوهية، قال الله تعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾ [الزخرف: 9] ، وقال تعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ [الزخرف: 87].

وأمر الرب سبحانه شامل للأمر الكوني، والشرعي، فكما أنه مدبِّر الكون، القاضي فيه بما يريد، حسب ما تقتضيه حكمته، « كن فيكون »، فهو كذلك الحاكم فيه بشرع العبادات، وأحكام المعاملات، حسبما تقتضيه حكمته، فمن اتخذ مع الله تعالى مشرِّعًا في العبادات، أو حاكمًا في المعاملات، فقد أشرك به، ولم يحقق الإيمان.

الثالث: الإيمان بألوهيته

أي: بأنه وحده الإله الحق لا شريك له، قال تعالى:﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة: 163] ؛ ولهذا كان الرسل يقولون لأقوامهم: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [الأعراف: 59]، ولكن أبى ذلك المشركون، واتخذوا من دون الله آلهة، يعبدونهم مع الله (سبحانه وتعالى) ، ويستنصرون بهم، ويستغيثون.

الرابع: الإيمان بأسمائه وصفاته

أي: إثبات ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له نبيه صلى الله عليه وآله وسلم من الأسماء والصفات على الوجه اللائق به من غير تحريف (صرف اللفظ عن المعنى الذي يدلُّ عليه دون دليل)، ولا تعطيل (نفي صفات الله تعالى، أو أسمائه)، ولا تكييف (اعتقاد أن صفات الله تعالى على كيفية أيّ شيء مما تتخيله العقول)، ولا تمثيل (اعتقاد مماثلة أيّ شيء من صفات الله تعالى لصفات المخلوقين)، قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: 180] ، وقال: ﴿وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [الروم: 27] ، فالمؤمن يثبت لله (سبحانه وتعالى) ما أثبته لنفسه، أو أثبته له نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ، مع الاعتقاد الجازم أنه (سبحانه وتعالى) : ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: 11] ، والجزم بأن مشابهة الله تعالى لخلقه أمر محال باطل، يبطله العقل، والشرع.

وَجَمِيعُ آيَاتِ الصِّفَاتِ أُمِرُّهَا=حَقًّا كَمَا نَقَلَ الطِّرَازُ الأَوَّلُ

ثمرات الإيمان بالله تعالى:

1 ـ تحقيق توحيد الله تعالى؛ بحيث لا يتعلق قلب المؤمن بغيره خوفًا، ولا رجاءً، ولا عبادةً.

2 ـ كمال محبة الله تعالى، وتعظيمه بمقتضى أسمائه الحسنى، وصفاته العليا.

3 ـ تحقيق عبادته بفعل الطاعات، واجتناب السيئات.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين