مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (86)

قال تعالى:(مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [البقرة: 105]

السؤال الأول:

ما دلالة وصف الفضل بالعظيم؟

الجواب:

وُصِف الفوز في القرآن الكريم وكذلك الفضل بأنه عظيم وكبير ومبين.

الفضلُ وُصِفَ بالعظيم في ثماني آيات في القرآن كله, ووصف بالكبير في ثلاث آيات, ووصف بالمبين في آية واحدة.

والخلاصة التي نقدمها في هذا الموضوع ابتداء قبل استعراض الآيات:

1ـ أنّ الوصف إذا كان بلفظ العظيم يكون متصل الإسناد مباشرة باسم الجلالة (الله)، ويكون الوصف متعدداً.

2ـ وعندما تكون الإشارة إلى فضل من الله تعالى بغير إسناد مباشر للفظ الجلالة (الله) يوصف الفضل بالكبير.

3ـ وعندما يكون الأمر دنيوياً ويكون شيئاً مباشراً ظاهراً ملموساً يستعمل كلمة (مبين) في وصف الفضل. 

4ـ جاءت كلمة (الفضل) في القرآن معرّفة، أي: (الفضل)، وجاءت نكرة أيضاً ؛ أي: فضل، فإذا كان ما قبلها معرّفاً جاءت معرّفة، وإذا كان ما قبلها نكرة جاءت نكرة.

شواهد قرآنية (الفضل العظيم) 8 آيات:

قوله تعالى: (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [البقرة:105] فلمّا كان الفضل متصلاً بخبر اسم الجلالة كان استعمال كلمة (العظيم) للفضل.

وكذلك الآيات: آل عمران [74 ,174] النساء [113] الأنفال [29] الحديد [21 ,29] الجمعة [4]. 

أمّا من حيث المعنى، فلو نظرنا إلى الآيات في قوله تعالى: (وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ) [البقرة:105] سنجده سبحانه يختص الرحمة التي هي شيء واسع بمن يشاء، والدليل على سعة الرحمة قوله تعالى (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) [الأعراف:156] وعندما يكون الشيء واسعاً يتناسب معه استعمال كلمة (العظيم)، وعندما يكون الشيء منحصراً تستعمل كلمة (الكبير).

شواهد قرآنية (الفضل الكبير) 3 آيات:

ـ (وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) [فاطر:32].

ـ (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) [الشورى:22]. 

ـ (إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا) [الإسراء:87].

شواهد قرآنية (الفضل المبين) 1 آية:

(وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) [النمل:16].

السؤال الثاني:

لِمَ عطف الله تعالى قوله (وَلَا الْمُشْرِكِينَ) [البقرة:105] على (الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) [البقرة:105] مع أنّ المشركين كافرون؟

الجواب:

لقد عطف الله تعالى قوله: (وَلَا الْمُشْرِكِينَ) [البقرة:105] على (الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) [البقرة:105] لئلا يقع في الظن أنّ الحسد يقع من أهل الكتاب وحدهم دون غيرهم، فالكفر سبب البُغض والحسد لأيٍّ ما كان وفي أيِّ زمن كان.

السؤال الثالث:

الحرف (مِنْ) تكرر في الآية ثلاث مرات، فما دلالة كل مرة؟

الجواب:

(مِنْ) الأولى للبيان؛ لأنّ الذين كفروا جنس تحته نوعان: أهل الكتاب والمشركون, والثانية: لاستغراق الخير, والثالثة: لابتداء الغاية.

السؤال الرابع:

ما الدروس المستفادة من هذه الآية بشكل مختصر؟

الجواب:

1ـ لمّا بيّن سبحانه في الآيات السابقة حال اليهود والكفار في العداوة والمعاندة حذّر المؤمنين منهم بهذه الآية، فنفى عن قلوبهم الود والمحبة لكل ما يظهر به فضل المؤمنين.

والخيرهو الوحي والرسالة والاصطفاء، وكذلك الرحمة كقوله تعالى: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) [الزُّخرُف:32] والمعنى أنهم يرون أنفسهم أحق بأنْ يوحى إليهم فيحسدوكم ولا يحبوا أنْ ينزل عليكم شيء من الوحي.والكفار يحسدون النبي عليه السلام أنّ الله قد اختصه بالرسالة الخاتمة , وانتقالها إلى العرب من بني إسرائيل , ويتمنون زوال النعمة عنه , كما قال تعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) [النساء:54].

2ـ ثم بيّن سبحانه أنّ ذلك الحسد لا يؤثر في زوال ذلك، فإنه سبحانه يختص برحمته وإحسانه من يشاء.

3ـ قوله تعالى: (مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ) (الواو) عاطفة على أهل الكتاب , و دخلت (لا) للتأكيد. 

4ـ الفعل (اخنص) فعل متعدّ , يقال: خصّه بكذا, واختصّه وخصّصه وأخصّه فاختصّ به.

5ـ قوله تعالى: (وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ) الاختصاص عناية تعين المختصَّ لمرتبة ينفرد بها دون غيره , والرحمة عطاءٌ من الله للمرحوم في ظاهره وباطنه , أدناه كشف الضر وكف الأذى , وأعلاه الاختصاص. ورحمة الله وسعت كل شيء.

والله أعلم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين