أحكام

هل الأنوثة والرقة واللطف والنعومة عيوب، عليكِ أن تتخلصي منها بالحجاب؟!

هل فرضه الله تعالى عليكِ لتتنكّري بِزيٍّ يخفي حقيقتك، لتظهري على غير طبيعتك؟!

قالت لي إحدى الصبايا يوماً: (كثيراً ما كنتُ أقفُ امام مرآتي، أخاطب نفسي، وأنا ألبس حجابي، وأستعد للخروج: لو لم يكن الحجاب أمراً من الله تعالى، لما لففت رأسي وجسدي بهذه الطبقات من الملابس، ثم أعاتبني، وأستغفر ربي، فهل في كلامي ما لا يجوز قوله؟)، أجبتها: (لو لم يكن الحجاب فريضة من عند الله، لما ارتديناه، أوَتظُنّين أنه هيّن على أي امراة أن تُخفي ما وهبها الله من الجمال؟! إنه الإيمان يا ابنتي، إذا استقرّ، يحلو به كلّ مُرّ)..

نعم، إنها الحقيقة، تارة حلوة، وتارة مُرّة، الحقيقة أننا نستصعبُ، لكننا نحتسب الأجر والثواب، ونستثقل،ُ لكننا نلتمس رضى الخالق الوهاب، كما يستصعب الطالب المجدُّ السهر والدراسة والبحث والامتحان، وكما يستصعب العسكري التدريب والتمرين والانضباط والالتزام، وكما يستصعب الرجل غضّ بصره عن محاسن النساء!

واسمحوا لي هنا أن أستطرد، وأعرّج على شأن يتعلق بالرجال، من باب الوقائع العلمية، التي أثبتها مختصون غربيون، بعدما أجروا أبحاثاً دقيقة على الآلاف.. نتيجة الأبحاث تؤكد أن إنكار قوة التأثير البصري لدى الرجال يشبه إنكار كروية الأرض، أي أن مجاهدة الرجل في صرف بصره عن المرأة، يماثل مجاهدة المرأة في حجب جمالها، بل جهاد الرجل أشد!..هذا يعني أن كلينا يستصعب، ودرجة الإيمان لدى الجنسين تخفف ذلك أو تثقله!..

إذن، الأمر مبدؤه إيمان، وختامه إيمان، وبين البدء والختام، نريد أن نعرف كيف نتعامل نحن "الجنس اللطيف" مع هذا التكليف!..

مما لا شك فيه أن الله تعالى قد أبدع في خلق كائنين متكاملين، شكّلا النوع البشري، وأن في تكوينهما آيات لكل ذي لُبّ ونظر.. وبما أن الحديث نسائي، فسأقف مع المرأة، تلك الآية المنظورة الباهرة (ليس تحيّزاً)، وأقتبس لها أحكام "غلاوة" (لأنها غالية)، كما لآيات الله المسطورة أحكام "تلاوة"، حتى نعرف كيف نحجب "الحلاوة"، ونُظهر "النقاوة"..

ليس المطلوب منا أولاً أن نتخلى عن طبيعتنا، أو أن نتبرأ من "عناصر قوتنا المصنوعة من ضعفنا"، ولا أن نصبح نوعاً ثالثاً، وسطاً بين الرجال والنساء، إذا خرجنا من بيوتنا، بل المطلوب أن نعرف خصائصنا التي تميزنا، واختصاصاتنا التي تعزّزنا، وتحقق حضورنا الفاعل في مجتمعنا، والمطلوب أيضاً أن نفرق بينهما، ونحسن التعامل معهما..

من هنا يأتي الحديث عن هذه الآية البديعة: "الأنثى"، شقّ الإنسان الألطف، والأنعم، والأرق، والأدق.. فخصائصها أنها جذابة مرغوبة مطلوبة، وأنها حيية غضية، لذلك فإنّ كل ما يتعلق بتلك الخصائص حكمه الإخفاء، فهي بالحجاب تخفي مفاتنها، وتستر ملامح أنوثتها، إخفاءً يحفظ كنوزها، ويحمي مواهبها، ويرعى مميزاتها، أما اختصاصاتها فلها حكم الإظهار والإبداء، فهي تُظهر ثقافتها، وعلمها، ومهنتها، ومهمتها، ورسالتها، وبهذا يصبح تعريف الحجاب: 

" تكنيز الأنوثة، وتكريس الشخصية". 

وبين الإخفاء والإظهار، تتحرك نون النسوة في المجتمع وفق مفهوم الستر، الذي لا يغلِّب الشكل ويتجاهل الوظيفة، بل يضمن لها عدم طغيان ملامح جسدها المغرية الفتية، على معالم روحها الندية، وأخلاقها الزكية، وإنجازاتها العلية..

يبقى أن نجيب عن سؤالين مطروحين بكثرة: هل الحجاب قصاص عوقبت به المرأة ضماناً لاستقامة الرجل؟! وهل اللباس يحدد المهمة التي تخرج الأنثى لأجل تحقيقها في المجتمع؟!

نناقشهما في المقالة القادمة من سلسلة أحكام نون النسوة المتحركة بإذن الله تعالى..

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين