بين عامين

نستقبل في هذا اليوم عاماً ميلادياً جديداً ... نستقبل لكننا لا نحتفل ... ونطوي صفحات عام حمل في طياته الكثير من الأحداث ... وحفل بالعديد من المجريات ... ابتداء بكورونا وانتهاء بفقد كثير من الأحباب الذين رحلوا فجأة وغابوا دون وداع ... حتى قال قائلنا متذمراً من هذا العام : ماذا بعد يا عام 2020م ؟ ماذا يا عاماً يُؤَرَّخُ به فيقال: عام كورونا ؟ ماذا يا عام الشؤم والمصائب والدواهي ... فهل الأمر ذلك ... وهل الحقيقة على ما تصور ؟

أيها القراء الكرام :

إن قراءة المسلم للأحداث العصيبة، ونظرته إلى السنوات الكئيبة تختلف كل الاختلاف عن قراءة غيره من الناس ... إن نظرته أعمق، ورؤيته أشمل، وفكرته أحكم ...

إنه ينطلق في حكمه على الأشياء من منطق إسلامي، ويقف في تحليله للأحداث على أرض دينيَّة صلبة ... بعيداً عن النظرة الضيقة والتحليل المادي الصِّرْف .

إن الزمانَ عند المسلم لا يشؤم ... مهما حمل من أذية، أو اشتمل على رزية ... لأن هذا من طبع الأيام .

وما الدهر إلا هكذا فاصطبر له * رزيَّة مال أو فراق حبيب

إنَّ المؤمن لا يفرح لانقضاء عام أو استقبال جديد؛ لأن لذلك معنى مغايراً عنده ، وله في طياته رسائل مبطنة عميقة ومؤثرة ...

إن انقضاء الأعوام وتوالي الليالي والأيام يؤذن بالاقتراب من النهاية والخلوص إلى الغاية ... إلى الموت الذي وراءه ما وراءه ... وراءه الحساب والعذاب ... واللوم والعتاب .

ولو أنا إذا مِتنا تُركنا * لكان الموتُ راحةَ كلِّ حيِّ

ولكنا إذا مِتنا بُعثْنا * ونسألُ بعدها عن كلِّ شيِّ

إن المؤمن لا يتأذى من فعل الأيام، ولا يضجر من ريب الزمان، ولا يتذمَّر مما يعتريه منها من مصائب وأمراض وآلام، عافانا الله وإياكم ... لأن كلَّ ذلك بثوابه ... لأن كل ذلك يكفر ذنوبه ويرفع درجاته عند ربه .

دخل النبي صلى الله عليه وسلم على الصحابية الجليلة أم السائب ليعودها من مرض الحمى فوجدها تتململ تململ السليم، وترتعد وتتحرك حركة شديدة، فقال لها : ما لكِ يا أم السائب تُزَفْزِفِيْنَ ؟ قالت : الحمى ... لا بارك الله فيها، فقال : لا تَسُبِّي الحمى ، فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد . رواه مسلم .

وقال : «مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ». رواه البخاري .

إنه - أي المؤمن - يرى الأحداث - مهما صعبت – لصالحه، والوقائع مهما اسودت إلى جانبه ... تخدم روحه وإن أضرت بجسمه ... أو لم يقل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "ماذا يفعل بي أعدائي، إن سجني خلوة، ونفيي سياحة، وقتلي شهادة".

أو يقل سيدنا يوسف فيما روي في كتب التفسير والرقائق أن من أجمل أيامه السجن في البئر ... لأنه كان مركز اتصال بالله ونقطة انطلاقة في عوالم لا نهاية لها .

فلا تُغْلَبْ عن إحسان الظن بالله ...وثقتك باختياره لك ... وامزج ذلك بشي من فأل جميل ...

واجعل مع الأيام صبراً صالحاً * فالصبر سرٌّ يظهر الأسرارا

إياك يا قلبُ القنوط َفإنَّها * أقدار ربي تكشف الأقدارا

أحسن ببارئك الظنون فكم وكم * في رِمش طرفٍ يسَّر الإعسارا

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين