معارك فاصلة في تاريخ الأمة: معركة حطين ومعركة عين جالوت وشقحب

معركة حِطِّين (في فلسطين) (583 هـ)

بعد أن حاصر صلاح الدين الأيوبي المدن الصليبية على الساحل، ومنع وصول الإمدادات من أوروبا للصليبيين، واستولى على عيون الماء؛ بهدف تعطيش الصليبيين، وإجبارهم على النزول للاشتباك مع المسلمين، شنَّ في ربيع الآخر سنة (583هـ) هجومًا بجيشه البالغ (12) ألفًا من الفرسان، عدا المتطوعين من المشاة، على جيش النصارى البالغ عددهم (70) ألفًا بقيادة ريموند الثالث، ففرّ النصارى إلى تلالِ حطّين، فحاصر المسلمون التّلال، وفي اليوم التالي التحم الجيشان قرب حِطّين، فضعف جيش النصارى، وأهلكتهم سهام المسلمين، فشنوا هجومًا بالسيوف والرّماح، فقُتل، وجُرح، وأُسر الكثير، واستسلم الألوف منهم.

وقام الصليبيون بمناورة، استطاعوا من خلالها التقدم، فحاصر جيش صلاح الدين جزءًا من الجيش الصليبي، فقسمه إلى قسمين، ودامت المعركة سبع ساعات متتالية، سقط فيها آلاف الجرحى والقتلى، ووقع ملك القدس، والعديد من القادة في الأسر، ولما سيق الأسرى إلى خيمة صلاح الدين التي أقامها في مكان المعركة؛ استقبل الملكَ والأمراءَ بلطف وبشاشة، وأجلس الملك بجانبه، وقد أهلكه العطش؛ فسقاه شرابًا مثلجًا، فشرب منه، ثم أصدر أوامره بألا يتعرض الأمراء للأذى.

وهُزِم النصارى في معركة حِطّين هزيمة منكرة، قُتل فيها كثيرٌ من جنودهم، وأُسِر فيها كثير، وفتح الله بيت المقدس، بعد أن كانت في يد النصارى عشرات السنين.

وعامل صلاح الدين سكان القدس معاملة تليق بأخلاق المسلمين، فقد سمح بمغادرة القدس، بعد دفع فدية عن كل شخص، ومن عجز عن دفع الفدية، فقد أسقطها عنهم، أما الصليبيون، فحين احتلوا القدس قبل ذلك بمائة عام تقريبًا، قتلوا من أهلها خلقًا كثيرًا؛ حتى سالت الطرقات بالدماء.

معركة عين جالوت (في فلسطين)(658 هـ)

في رمضان من عام (658هـ) كان هولاكو في نَشْوة انتصاراته، فبعث من الشام برسالة تهديد إلى سلطان مصر المملوكي: سيف الدين قُطْز، يطلب منه الاستسلام، وعدم المقاومة، فاستدعى قطز أمراءه، واستثار عواطفهم، وأفتى العز بن عبد السلام ببيع الحلي والجواهر في سبيل الجهاد، ومحاربة المغول، فتحرك السلطان قُطْز بمن معه من المسلمين، والتقى بجيش المغول بقيادة كتبغا في عين جالوت في فلسطين.

وقسَّم قطز الجيش إلى قسمين: الطلائع بقيادة بيبرس، والبقية بقيادته يختبئون بين الوديان والتلال المجاورة لصد الهجوم، وليكونوا قوات دعم، فقام الظاهر بيبرس بهجوم سَحَب على إثره الخيَّالة من جند المغول إلى الكمين، فانقض عليهم جيش قطز، وهذه الخطة شبيهة بخطة المسلمين في نهاوند، واعتقد كتبغا أن قواته انتصرت، فتقدم فطوِّقت قواته أيضًا.

وكان الأمير قطز يحثّ الجيش على القتال، وصرخ قائلًا: « وا إسلاماه، وا إسلاماه، اللهم انصر عبدك قطز على التتار »، فاقتتلوا قتالًا عظيمًا كان النصر فيه للإسلام وأهله، فهُزِم المغول، وقُتل أميرهم كتبغا، وطاردهم المسلمون يقتلونهم في كل موضع، وتعقب بيبرس فلولَهم، والتقى بالمدد الذي أرسله هولاكو، البالغ ألفي مقاتل، فهزمهم، وكان نصرًا عظيمًا للمسلمين، ففيها قُضِي على أسطورة جيش التتار الذي لا يقهر، واتَّحدت الشام ومصر.

معركة شَقْحَب (702 هـ)

وتُسمَّى أيضًا: (مَرْج الصُّفَّر)

وهي: قرية صغيرة قرب دمشق

في رمضان سنة 702هـ هاجم المغولُ بلاد الشام في جيشٍ كثيفٍ بقيادة قطلوشاه، ولما وصل التتار إلى حمص، وبعلبك، عاثوا في تلك البلاد فسادًا، وأرادوا استكمال غزو بلاد الشام كلها، فشرع المثبّطون يوهنون عزائم المقاتلين، ويقولون: لا طاقة للمسلمين بلقاء التتار؛ فبرز دور العالم الرباني ابن تيمية، فهتف بالجهاد، ودعا السلطان الناصر قلاوون، ومعه الخليفة العباسي المستكفي بالله للخروج، وحماية بيضة الإسلام في الشام، فاجتمع الأمراء في الميدان، وتحالفوا على لقاء العدو.

وانضم ابن تيمية لصفوف المجاهدين، واصطفَّ الجيشان، واستمرَّ القتالُ إلى اليوم الثاني، فانهزم المغول، ولما طلع النهار أراد التتار الفرار بعد أن ترك المسلمون ثغرة في الميسرة ليمروا منها، فتتبعهم الجنود المسلمون، وقتلوا منهم عددًا كبيرًا، كما أنهم مروا بأرض موحلة، وهلك الكثير منهم فيها، وقُبض على بعضهم، ووصل التتار إلى الفرات وهو في قوة زيادته، فلم يستطيعوا العبور، ومَن عبر فيه هلك، فساروا على جانبه إلى بغداد، فانقطع أكثرهم على شاطئ الفرات، وأخذ أهل العراق منهم جماعة كثيرة.

وكانت هذه المعركة آخر الحملات الكبرى التي قام بها التتار يريدون بها استئصال بيضة الإسلام؛ ثم منّ الله عليهم بالإسلام، وأصبحوا مددًا للجيوش الإسلامية يجاهدون، وينشرون الإسلام.

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين