الإسلام السياسي.. النشأة والهدف

 

* شمول الإسلام : الإسلام دين الله تعالى الخالد، وشريعته التالدة، وقانونه الثابت، الذي سيبقى ما بقيت الحياة، والصالح لكل زمان ومكان، ولا يبلى مع مرور الأزمان، ولا تعاقب الأكوان، بل روح متجددة، بفضل من العزيز المنان، من حكم به حاز سعادة الدارين، وأفلح في أموره كلها، ومن أعرض عنه فإن له معيشة ضنكاً، ويكون أمره خسراً، وما ضاعت بعض البشرية، وصار أمرها إلى الجاهلية، إلاَ لما تركت هذا الدين، ولم تأخذ بهديه ونوره، فآل وضعها إلى خسران مبين، وظلمات بعضها فوق بعض.( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً) ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام ديناً) ( إنَا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).

 

* ومن فضل الله تعالى على عباده، أن جعل من خصائص هذا الدين، ( الشمول )، أي أنه ينتظم شؤون الحياة جميعاً، ويفتي في المسائل كلها، ( تبياناً لكل شيء )، يقول الإمام البنا في الأصل الأول من الأصول العشرين: (الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعا فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة، وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء، وهو مادة وثروة أو كسب وغنى، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء.) فما من قضية، إلاَ وتدخل في محددات هذا الدين المنهجية، بروح منفتحة، وتكوين حضاري، ورقي تجديدي، ونظر – في كثير من شعبه – اجتهادي، ويشكل ألواناً من الحضور الواقعي، بما زخر من شهادة الوحي، وإثبات التجربة، وشهادة المنصفين، جاء في الحديث الصحيح: ( يبعث الله على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة، أمر دينها). حتى برزت تلك القامات الكبيرة، والرايات المرتفعة، في فنون كثيرة، في مجالات العلم، وإبداعات الحضارة، بعز عزيز، وبذل ذليل.

 

* مصطلح الإسلام السياسي:

 

من المنطلق السابق، إذن يتأكد، أن: أ-  الإسلام لا يقبل الإيمان به بشكل مجزأ، ولا بطريقة العضين، والله تعالى نعى على هذا الصنف من الناس، الذين يؤمنون، ببعض الكتاب، ويكفرون ببعض. ( أفتؤمنون ببعض الكتاب، وتكفرون ببعض)، فالإسلام حزمة خير متكاملة، والعمل الصالح له مراتبه، وترتيب الأولويات من قوانين عمله، وفقه الواقع بالجمع بين المعاصرة والتراث، من لوازم نشاط العمل له. من هنا يكون الرفض، لنظرية تقسيم الإسلام، وحصره بجانب من جوانب الحياة، إنها نابتة سوء، تريد الكيد للإسلام وأهله، فصار هذا التيار الغريب، ينادي بالإسلام التقليدي، أو إسلام الأصالة، أو إسلام الروح، أو إسلام الشرق، أو إسلام الغرب، أو الإسلام الاجتماعي إلخ ، فهؤلاء يحصرونه بالعبادات المحضة، فلا يخرجون عنها، وآخرون نظروا إليه على أن منهاج ثقافي فحسب، وصنف ثالث،  رأوا في القرآن، أنه كتاب ، يقرأ في الموالد، وعلى الجنائز، وعلى المرضى، وليس له سوى هذه الوظيفة، حقاً إنها ثقافة التلبيس، واللعب على حبال الألفاظ، للتضليل والتشويه.

 

* الإسلام حزمة كاملة، تشمل نظم الحياة جميعاً، ( عقيدة وشريعة ) ففي الإسلام النظام السياسي والأخلاقي والاجتماعي وبناء الأسرة، ونظام اقتصادي، ونظام تربوي وتعليمي، ونظام قضاء وإفتاء، إلى غير ذلك من نظم، وقد كتب في بيان حقائقها جماعات من العلماء. ففرق كبير، بين قولنا ( الإسلام السياسي ) هذا المصطلح المرفوض، المشحون بالغمز واللمز، والتجريح والهمز، وبين تأكيدنا على ( النظام السياسي في الإسلام ) وهو جزء من أنظمة الإسلام الشاملة.

 

* لماذا نرفض، مصطلح الإسلام السياسي ؟ نرفضه لما يأتي:

 

-  أصل ظهور هذا المصطلح، كان في التسعينيات، عندما أعلن بعض الساسة  الغربيين، أنه آن الأوان، للحد من انتشار ما يسمى بحركات الإسلام السياسي، وكانوا من قبل، يسموها، الحركات الأصولية، ثم بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، برز المصطلح – الإسلام السياسي – بصورة واضحة، على أنه عنوان لجماعات،  تتستر بالدين لأغراض سياسية، وهذا كلام مرفوض مرذول، فيه قلب للحقائق، وتغرير بالناس، ويعنون بهذا، حركات العمل الإسلامي الوسطية المعتدلة، التي تمارس العمل السياسي، من خلال نظرية الشمول، لتحقيق برنامج الحكم الإسلامي الراشد.

 

- ويريدون بهذا، تشويه سمعة هؤلاء الإسلاميين، وفصلهم عن جمهورهم، طاعنين في مصداقيتهم، ولسان الحال والمقال لهم ( لا تصدقوا هؤلاء الناس، لأنهم يتخذون الدين ستاراً ) .

 

- ويستخدمون كل وسائل التواصل مع الناس، لبث هذه السموم، خصوصاً في أيامنا هذه، ويعملون على ترويج هذا المفهوم، من خلال آلة إعلامية لا يستهان بها.

 

-  أنا أعذر إخواني الذين يروق لهم، استخدام هذا المصطلح، ويعبرون عنه، بحسن نية، وكأنهم هم من أنشأ هذا المصطلح، فيعرفون جماعات الإسلام السياسي، على أنهم أولائك الذين آمنوا بشمول الإسلام، ومن هذا المنطلق، يشاركون في العمل السياسي، ويخوضون غماره، على أنه جزء من الحقيقة الإسلامية، إذ لا يجوز فصل الدين، عن الحياة، بصورة من صور الفصل.

 

- هذا لعمري! تعريف لا يريده صناع مصطلح الإسلام السياسي، ولو كان ذلك ذلك، لما كانت هناك مشكلة، ولكن الأمر على غير هذه الصورة، أيها الإخوة الكرام، فلا تقعوا في الفخ من حيث لا تعلمون، لأن صناعة الصورة الذهنية، عن أبناء العمل الإسلامي، بطريقة التنفير، بلغة استخدام المصطلح، تزيد الناس نفوراً من هؤلاء، لأنهم وضعوا على سكة أخرى، غير التي ركبتها أنت، فتصبح أنت في واد، والناس في واد آخر، بل أنت تساهم بشكل مباشر، أو غير مباشر، بصناعة هذه المفارقة والعداوة، وبوجيز العبارة، مصطلح ( الإسلام السياسي ) لغم خطير، لا يجوز أن نساهم في تفجيره، فنقتل أنفسنا.

 

-  والأمر ليس بأيدينا حتى نعطيه هذا الوصف أو ذاك، فالنجاة، إنما تكون بتوضيح الأمر، على نفس الصورة، التي حملت اعتقاداً، لإبلاغها للناس، نقية صافية ربانية، خالية من الغلو ( والتطرف )، السماحة شعارها، وإرادة الخير للناس دثارها. ونقول للدنيا : نحن مسلمون !! آمنا بشمول الإسلام، ونتعاطى مع قضايا السياسة، من خلال مفاصل عملها السلمي، الذي يتيح لنا الفرصة لتحقيق مشروعنا الحضاري الإسلامي الوسطي، بكل شعبه وركائزه وقوانينه. أما الآخرون الذين لا يريدون لنا أن نمارس العمل السياسي، بالبحث عن تحقيق قيم الحرية والعدل والكرامة والحقوق، لنترك الساحة لهم، يصولون بها ويجولون، فهذا غير صحيح، لأنهم بهذا يحاولون عزل المسلم عن أي حراك يتصل بالدولة والسلطان، يبغون حصره في الدوائر غير المؤثرة، وهذا خطر.

 

-   وهنا نتحدث عن أصل الفكرة، لا عن طرائق تطبيقها وتفعيلها، لأن هذه قد اختلفت وجهات نظر، المفكرين الإسلاميين فيها، فمنهم من يرى، إنشاء أحزاب سياسية تكون ذراعاً للحركة، ومنهم من يرى أن الحركة هي من تقوم بهذا الدور، وهناك رؤى أخرى، ليس مجال بحثها هذه المقالة، ولكن هذا للتنويه للأمر، حتى لا ندخل في دوائر، عدم الفهم لبعضنا.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين