المحاورة بين عبد الله وعبد المسيح

قال عبد المسيح النصراني لصديقه المسلم عبد الله:

لماذا لا تحتفل بعيد الميلاد؟ فقال عبد الله له: وما مناسبة الاحتفال به؟

قال: مولد السيد المسيح..

قال عبد الله: على راسي.. لكن إن كان نبيا احتفلت بمولده كما نحتفل بمولد نبينا صلوات الله عليه وعلى السيد المسيح.. وإن كان ربا إلها فالاحتفال بمولده ضحكة..

لأن الإله واجب الوجود لا يسبق وجوده عدم حتى يولد ولا يلحقه فناء حتى يقتل، وما سمعنا بمن يحتفل بمولد إله إلا عباد الأوثان.

فقال عبد المسيح: هو ابن الله.

فقال عبد الله: على التنزل أنه كذلك وأن ناسوته امتزج بلاهوت أبيه فأيهما أشرف وأغلب؟

إن قلت اللاهوت بطل أن يولد لأن الإله لا يولد وإن قلت الناسوت لزم تفضيل الإنسان على الإله وهو فاسد، وإن كانت مادة أخرى فما هي؟

قال:هو روح من أبيه

فقال عبد الله: يلزم تبعض الإله ونقصه وهو باطل لأن جزءا منه أعدمه اليهود فأبوه على هذا بعض إله وليس بإله كامل وهذا نقص تستحيل معه الألوهية.

قال: لم ينقص منه شيء

قال عبد الله: هذا خلاف المعقول وهو محتاج إلى نقل متواتر وعلى تسليم وجوده فلم كان ابنا واحدا إذا كان كذلك يمكنه أن يرسل أبناء كثيرين من روحه هذا لا يقوله عاقل وهو من جنس اللعب.

وأيضا فإن كان ابنه وبعضه وروح منه فلم تركه والده يقتل بأيدي أرذل البشر وهم اليهود؟

قال تضحية لخلاص البشر

فقال عبد الله: فلم لا افتداه كما افتدى إسماعيل بكبش، أفيكون إسماعيل عند الله أعز من ولده؟

فقال عبد المسيح: إنما يكون الخلاص بالأعز الأنفس.

فقال عبد الله: وكذلك الفداء يمكن أن يقع بعزيز نفيس ولا فرق، ثم لا نسلم ذلك لأن إسماعيل افتدي بكبش وهو أنفس من الكبش، ولا يتعقل الفداء بالنفيس بل الأصل في الفداء عند عامة العقلاء تخليص النفيس بما هو أدنى؛ لأنه لو كان المفتدى به أنفس بطلت التضحية به، لأن بقاء الأنفس أولى وأصلح من بقاء ما هو دونه.

ثم يقال: هل اليهود في قتله أرضوا أباه أم أغضبوه؟

فإن كانوا قد أرضوه بقتله بطل ذمكم لهم وإكفاركم إياهم؛ لأن بقتله وقع الخلاص المزعوم فوجب عليكم امتداح اليهود بذلك.

وإن كانوا أغضبوه بقتله؛ فقد ظهروا عليه وغلبوه، فبطل أن يكون إلها، وإذا بطلت ألوهية الأصل لزم منها بطلان ألوهية الفرع.

وقد قال الإمام فخر الدين الرازي:

عجبا لليهود بين النصارى=وإلى أي والد نسبوه

أسلموه إلى اليهود وقالوا=إنهم بعد صلبه قتلوه

فلئن كان ما يقولون حقا=وصحيحا فأين كان أبوه

حين خلى ابنه رهين الأعادي=أتراهم أرضوه أم أغضبوه

فلئن كان راضيا بأذاهم=فاحمدوهم لأنهم عذبوه

ولئن كان ساخطا فاتركوه=واعبدوهم لأنهم غلبوه

وفي جواب الإمام الحافظ أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي لنقفور الدمستق في المفاضلة بين نبينا وابن إلههم المزعوم:

وحاباه بالنصر المكين إلهه=وصير من عاداه تحت المناسم

فلم تمتهنه قط قوة آسر=ولا مكنت من جسمه يد لاطم

كما يفتري إفكا وزورا وضلة=على وجه عيسى منكم كل آثم

على أنكم قد قلتم هو ربكم=فيا لضلال في الحماقة عائم

أيلطم وجه الرب تبا لنوككم=لقد فقتم في ظلمكم كل ظالم

وعود صليب ما تزالون سجدا=له يا عقول الهاملات السوائم

تدينون تضلالا بصلب إلهكم=بأيدي يهود أرذلين ألائم

وفي مناظرة القاضي الأذرعي لبعض الأساقفة سأله لم تسجدون للخشبة؟ فقال لأن روح الله قدسها بجسده المصلوب عليها.

فقال القاضي: فلم لا تسجدون للحمار لأن عيسى ركبه فتقدس الحمار بجسده والحمار روح فهو أشرف من الخشب.. فانقطع.

ثم قال عبد الله: بالله عليك؛ هل دخوله في هذا الأمر كان بعلمه أنه سيقتل أم لا يعلم؟

إن كان لا يعلم فليس بإله وإن كان يعلم أنه يقتل ويلطم وجهه ويصلب ويتعذب فليس بحكيم فلا يصلح للألوهية، وإن أعدت مقالة الفداء فلم أرسل ولده وهو إله قادر على أن يرسل شبيهه أو يبيد اليهود بصعقة أو يعفو عن الخطايا فإن أصل قصة الفداء والتضحية لمحو خطايا البشر يبطل العفو الإلهي ولا يكون له معه أي فائدة وهو فعل من ليس بحكيم إذ فيه فتح لباب الشر وذريعة للفساد والله لا يحب الفساد فكيف يسوغ للناس ذرائعه وكأنه قال لهم أفسدوا واعملوا ما شئتم من الشرور والخطايا والآثام فذلك كله قد محاه ولدي بتضحيته لخلاصكم وهذا عبث وسفه يتنزه عنه مقام الألوهية. وبالله التوفيق

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين