حدث في السادس من جمادى الأولى: السلطان همايون يتولى عرش السلطنة المغولية

في السادس من جمادى الأولى سنة 937=26/12/1530، تولى عرش الإمبراطورية المغولية في الهند السلطان نصير الدين محمد، والملقب همايون أي المبارك أو الميمون، وذلك بعد وفاة والده الإمبراطور ظهير الدين محمد بابر مؤسس الدولة المغولية في الهند.

ولد همايون في الرابع من ذي القعدة سنة 913= 6/3/1508، وكانت ولادته في كابل أثناء مرحلة التوسع التي قام بها والده، والتي انتهت بسيطرته على مساحات شاسعة وبلدان كثيرة امتدت من قندهار شرقاً إلى خليج البنغال غرباً وامتدت جنوباً حتى صحراء راجبوت، أي أنها شملت أفغانستان وباكستان وشمال الهند وبنغلادش.

ووالدة همايون هي السيدة ماهم، أي قمري بالفارسية، وكانت سيدة مولودة في خوست لأسرة فارسية الأصل من خراسان، تتمتع بقدر كبير من العلم والذكاء، وكان لها أثر كبير في تعليم ولدها وفي استقرار الحكم عند مرض زوجها بابر.

نشأ همايون في قصر أبيه في كابل حيث درس على يد المشايخ والعلماء، وكان يتقن التركية والفارسية والعربية، وينظم الشعر، جمَّاعة للكتب يحب مطالعتها، محبًا لصحبة العلماء، وكان شغوفاً بعلوم الفلك والنجوم، بارعاً في الرياضيات، له اعتقاد بالنجوم ومطالعها وتأثيراتها، وبخاصة في أول عهده، وكان يتحرى الطالع السعيد فيما ينتويه من أعمال، كما أنه فيما بعد قسَّم حكومته إلى أربعة أقسام وفقاً للعناصر الأربعة التي كان الأقدمون يعتقدون أن العالم مصنوع منها، وهي النار والماء والهواء والتراب.

تولى همايون عرش الإمبراطورية الواسعة وهي في حالة من عدم الاستقرار الداخلي والخارجي، فقد اتبع والده التقاليد المغولية السائدة منذ أيام جنكيز خان، وقسم قبل موته المملكة بين همايون وأخيه غير الشقيق قمران ميرزا، الذي أعطاه كابل وقندهار، ونشأت بسبب ذلك منافسة مريرة بين الأخوين.

أما على الصعيد الخارجي، فكان والده قد هزم الأفغان والراجبوتيين وأخضعهم للسيطرة المغولية، ولكنهم لم يقبلوا بهذه الهزيمة وكانوا يتوقون ليوم يستعيدون فيه سلطتهم، ولذا لم يتمتع همايون بالاستقرار، فقد خرج عليه في البنغال واليها الأفغاني الأصل واسمه فريد خان الصوري والملقب شير خان، وشير تعني الأسد، وقام بحملات في شمال الهند استطاع بعدها السيطرة على بِهار والبنغال، وتصدى له همايون ولكنه لم يستطع تحقيق أية نتائج حاسمة.

وفي الجنوب الغربي من السلطنة المغولية كانت مملكة كُجُرات وملكها قطب الدين بهادُر شاه، وكانت من أغنى ولايات الهند ومقر التجارة الدولية الأول، وكان البرتغاليون يترددون عليها بهدف إنشاء موانئ دائمة لهم فيها، وهو ما حدا بأميرها للاستنجاد بالسلطان العثماني سليمان القانوني، فأرسل قوة بحرية معها ضابط مدفعية اسمه مصطفى بهرام، ولقّبه الهنود: رومي خان، ومعه مدفعان أسماهما الأتراك: ليلى والمجنون، وذلك ليواجه بهما المدافع الموجودة مع البرتغاليين.

ونشب نزاع بين همايون وبين بهادر شاه بسبب رفض بهادر تسليم ابن أخت همايون الأمير محمد زمان ميرزا الذي لجأ إليه هارباً من خاله، وتعامل بهادر شاه بعجرفة مع همايون ظاناً أن انشغاله بمواجهة شير خان والراجبوتيين سيعيقه عن محاربته، غير ملتفت لوضعه الحرج إذ كان هو يصارع البرتغاليين في سواحل الهند الشمالية الشرقية، وتصاعد النزاع بينهما واضطر بهادر شاه للاستعانة بالبرتغاليين الذين أمدوه بالسلاح وبعض الجنود، لقاء توقيع بعض الاتفاقيات التي تمنحهم حق الرسو في الموانيء التابعة له، وهي بداية الوجود البرتغالي في شمال غرب الهند، وفي هذه الأثناء ترك رومي خان خدمة بهادر شاه وانضم إلى السلطان همايون، وذلك لأن السلطان بهادر كان قد وعده بمنحه قلعة جيتور الحصينة إن هو فتحها، فلما استولى عليها نكث السلطان بوعده، وبذلك دخلت المدفعية في الجيش المغولي.

وفي سنة 1535 علم همايون أن بهادُر شاه يخطط للهجوم على الأراضي المغولية بمساعدة برتغالية، فسار إليه همايون واحتل كُجُرات وهرب بهادر لاجئاً إلى البرتغاليين، وبدلاً من متابعة الهجوم والقضاء على بهادور، أوقف همايون الحملة بغرض تعزيز وجوده في الأراضي التي افتتحها، وهو خطأ سيدفع ثمنه فقد بقيت القلاقل قائمة في المنطقة حتى مقتل بهادر سنة 1537 غيلة على يد البرتغاليين.

وقد تحدثنا عن ثراء كُجُرات، وهو مثال من ثراء ممالك وإمارات الهند حينذاك، ولأهمية ذلك لموضوعنا نورد هنا بتصرف ما ذكره المؤرخ الحضرمي الهندي عبد القادر بن شيخ العيدروس في كتابه النور السافر عن أخبار القرن العاشر، مما يبين جانباً من هذه الثروة الهائلة، قال في أحداث سنة 955:

وصل من مكة المشرفة الخان الأعظم آصف خان الكجراتي إلى كجرات... وكان الوزير آصف خان رجلاً صالحاً جواداً ممدوحاً شريف النفس عالي الهمة ذا تهجد وأوراد، واشتغل بالعلم حتى مهر في كثير من الفنون، وزر للسلطان بهادُر شاه، ولما هاجم السلطان همايون كجرات خشى السلطان بهادر على حريمه ونفائس خزائنه فأمَّر المذكور على الحريم والخزائن وأرسله بها إلى مكة المشرفة، فمكث بها أكثر من عشر سنين مشتغلا بالعبادات وأنواع الطاعات، حتى حُكي أنه أقام بمكة تلك المدة لا يعرف أنه ترك الجماعة فيها مع الإمام بالمسجد الحرام في فرض واحد من غير مرض ونحوه، وكان محباً لأهل العلم محسناً إليهم، مؤلفاً لأهل الفضل مشفقاً عليهم، حتى نفق العلم في زمنه بمكة نفاقاً عظيماً، واجتهد أهله فيه اجتهاداً بالغا، وثاب الطلبة وعكفوا عكوفا باهرا عليه، وبحثوا عن الدقائق لينفقوها في حضرته، وحفظوا الإشكالات ليتقربوا بها إلى خواطره، كل ذلك لإسباغه على المنتسبين إلى العلم من صنوف الإحسان والإكرام ما لم يُسمع بمثله عن أهل زمنه ومن قبله بمدة مديدة، حتى قال بعض العلماء: قد أذكرنا ذلك ما يُحكى عن الخلفاء والبرامكة، وأبان لنا حقيقة ما في التواريخ عنهم، حتى قيل إنه أنفق بمكة في نحو سنة: مئة وخمسين صندوقاً ذهباً. حتى ألبس أهلُ مكة نساءَهم وخدمهم حُلي الذهب الذي لم يعهدوا مثله، وتوسعوا في الملابس والمعاش بما لم يعرفوه قبل ذلك، فجزاه الله خير الجزاء، وأكمله وأتمه وأشمله وأفضله بمنه وكرمه، ولما بلغ أهل مكة خبر مقتله حزنوا جداً لما كان ينالهم من الإحسان بسببه، ورثاه الشيخ العلامة عبد العزيز الزمزمي المكي بقصيدة عظيمة.

ونعود إلى أحداث موضوعنا، فنقول إن شير خان استغل فرصة انشغال همايون بحربه مع كجرات فبدأ في حشد جيش للسير إلى آگرا عاصمة المغول والاستيلاء عليها، ولما ترامت أخبار الحملة المزمعة إلى مسامع همايون ترك كجرات وقفل عائداً إلى آگرا، فعاد بهادُر واستعاد ما خسره من أراضي، واستطاع همايون حماية آگرا من شير شاه إلا أن غور عاصمة البنغال وثاني مدن مملكته سقطت في يد شير شاه بما تحتويه من ثروات وأموال ومخازن الحبوب التي كانت الأكبر في المملكة.

وإزاء ضعف موقف همايون بدأ إخوته يطمعون في الاستيلاء على مملكته، فجاء أخوه قمران على رأس جيش من أفغانستان، ظاهره نصرة أخيه وباطنه الاستيلاء على أراضيه، وعرض قمران على شير شاه التعاون معه مقابل تقاسم المملكة وهو عرض رفضه شير شاه، أما الأخ الآخر لهمايون؛ أبو النصر محمد، والملقب هِندال أي متصرف الهند، وكان نائب همايون في عاصمته آگرا، فبدأ يتصرف وكأنه الملك المطلق وأمر أن تكون الخطبة باسمه في آگرا.

واستطاع شير خان جرَّ همايون إلى معركة في تشاوسا قرب نهر الكنج في سنة 946= 1539 انجلت عن هزيمة لهمايون قرر على إثرها الدخول في مفاوضات مع شير شاه منحه بموجبها ولاية بهار والبنغال تحت حكم السلطنة المغولية، واتفقا حفظاً لماء وجه همايون أن تقوم قواته بهجوم شكلي على قوات شير خان وتنهزم هذه من أمامها ليستطيع السلطان أن يعلن انتصاره، وتم هذا فعلاً وعاد جيش همايون إلى مواقعه وقد ترك الحذر وأهبة القتال، فما كان من شير خان إلا أن أمر جيشه بالكر على الجيش المغولي الذي انهزم من أمامه لا تقوم له قائمة، وهرب همايون على وجهه فعبر نهر الكنج على قربة منفوخة.

وبعد هذه الهزيمة المنكرة لخصمه تلقب شير خان بالملك فصار يدعى فريد الدين شير شاه، وكان قائداً عسكرياً محنكاً وإدارياً عادلاً حكيما، أنشأ في مملكته الواسعة نظاماً يقوم على العدل في الحكم، والعفة عن أموال الرعية، والإنصاف في الضرائب، وإدارة المناطق من خلال مجالس شورى محلية، وشجَّع الحرفيين والتجارة، ومهد الطرق ورمم الأبار، وتوفي في 10 ربيع الأول سنة 952=22/5/1545 وهو يحاصر كالينجار.

ووصل همايون إلى آگرا حيث اجتمع بإخوته للتشاور في رد هذا الخطر المصيري، ورفض همايون اقتراح حاشيته بمعاقبة إخوته على مواقفهم، مستشهداً بوصية والده له وهو على فراش الموت: لا تفعل شيئاً ضد إخوتك حتى ولو استحقوا ذلك.

ولكن همايون اختلف مع أخيه قمران حول كيفية مواجهة العدو القادم، فانسحب قمران عائداً إلى لاهور، وسار همايون مع أخويه عسكري وهندال حيث التقى مع شير شاه في قنُّوج سنة 1540، وانتهت المعركة بهزيمته هزيمة لا تقوم له بعدها قائمة.

وتقطعت الأسباب بهمايون، فانسحب إلى آگرا ثم إلى دهلي ثم إلى لاهور ثم هرب منها إلى السند، وتزوج فيها سنة 948=1541 شابة تدعى حميدة ابنة الشيخ علي أكبر جامي مدرس اللغة الفارسية وسليل عائلة صوفية مرموقة في السند ذات أصول شيعية، ثم هرب منها إلى راجبوتان حيث أجاره أميرها الهندوسي رانا براساد راو، وفيها ولد ابنه أكبر في 5 رجب سنة 949 =15/10/1542.

ثم غادر همايون راجبوتان ونزل في ضيافة أمير السند حسين عمراني الذي كان من صنائعه، وواجه همايون في هروبه هو وزوجته، التي كانت حاملاً، مخاطر الجوع والعطش وهلاك المركوب، ووصف همايون هذه الرحلة فيما بعد بأنها كانت أسوأ أيام عاشها في حياته.

وبقي همايون في ضيافة أمير السند حسين عمراني، واستطاع بمعونته تجنيد مئات من رجال قبائل السند والبلوش إلى جانب ما التف حوله من شتات قواته المغولية، وسار على رأس جيش يبلغ بضعة آلاف جندي معلناً أن هدفه هو الاستيلاء على إرث والده في قندهار ثم كابل، وانضمت إليه في طريق عديد من القبائل الأفغانية.

وأرسل قمران جيشاً من كابل لصد أخيه همايون يترأسه أخوه عسكري ميرزا، ولكن همايون هرب إلى جبال الهندكوش من وجه الجيش القادم، تاركاً وراءه زوجته وطفلها اللذين تلقيا معاملة حسنة من عسكري ميرزا، ولما لم يلق همايون ما كان يتوقعه من مساعدة في قندهار، يمم وجهه في سنة 950=1543 إلى إيران ليطلب المعونة من ملكها الصفوي الشاه طهماسب، في رحلة اكتنفتها المشاق والمخاطر.

ورحب الشاه طهماسب بهمايون وعامله معاملة الملوك وأغدق عليه العطايا، وأقام له الولائم، وأرسل قمران إلى الشاه يعرض عليه أن يعطيه مدينة قندهار إن هو سلمه أخاه همايون حياً أو ميتاً، ولكن الشاه رفض ذلك، وأمد همايون بجيش يسترد به مملكته، واشترط على همايون أن يتحول إلى المذهب الشيعي، وأن يعيد إلى الدولة الفارسية مدينة قندهار إذا هو استولى عليها، فقد كانت مدينة حدودية ومركزاً تجارياً هاماً، وأقام همايون قرابة سنة في فارس، اطلع فيها على جوانب متقدمة في إدارة الدولة والعسكر وفي العمران والثقافة والفنون.

ويختلف المؤرخون إن كان همايون اعتنق حقاً المذهب الشيعي أم لا، ولكن لا يوجد في سيرته ما يؤيد ذلك من من المظاهر والممارسات الشيعية، ولكن لا جدال في أن بلاطه وحاشيته ضمت عدداً كبيراً من الشيعة الذي التحقوا به واتسع نفوذهم في دولته، ويبدو أنه بقي نفوذاً في حدود المصلحة الشخصية ولم يتعداها لنشر المذهب أو تغيير الدولة، ولكن بقيت العلاقات بين الدولة الصفوية في إيران وبين الدولة المغولية في الهند على اختلاف مشاربهما علاقات سلام وتعاون لا تكاد تشوبها شائبة.

وذهب همايون إلى قندهار على رأس جيش من 12.000 فارس واستطاع انتزاعها من أخيه عسكري ميرزا بعد حصار دام أسبوعين وانحاز إليه فيه كثير من أمراء عسكري، وأعطى همايون المدينة للشاه وفقا لاتفاقهما السابق، وتحرك بعدها باتجاه كابل وفيها أخوه قمران ميرزا، ولم يكن هناك معركة فعلية أو حصار، فقد كان قمران مكروهاً من عسكره ورعيته، ولذا انحاز كثير منهم إلى صفوف همايون، وهرب قمران من كابل.

ولكن استعاد قمران كابل وقندهار بسبب تراخي همايون، مما كلفه حملات عسكرية أخرى لاسترجاعها من جديد، ويعزو المؤرخون ذلك لتسامح همايون مع جنود أخيه ومع من وقفوا ضده مما جعله ضعيفاً في نظر الجيش والأمراء، ولولا ضغط الحاشية عليه لما سجن همايون أخاه عسكري ميرزا، ثم سمح له بأداء الحج فوافته المنية قرب دمشق.

ولم يستطع همايون الانتصار على خصمه شير شاه الذي كان متفوقاً عليه في الحرب والسياسة، وبقي موقفه ضعيفاً إزاءه حتى وفاة شير شاه سنة 952=1545، وتولي ابنه إسلام شاه الذي دام حكمه ثمانية سنوات حتى وفاته سنة 960=1553، وجاء بعد إسلام شاه ابنُه الشاب فيروز الذي اغتاله خاله، وأدى ذلك لنشوب حرب أهلية بين أحفاد شير شاه وتفكك الدولة الصورية.

وحاول قمران ميرزا إقامة تحالف مع إسلام شاه ضد أخيه همايون، ولكنه وقع في يد أخيه في سنة 959=1552 حين أخذته إحدى القبائل الموالية لهمايون وأسلمته له، وكاد همايون أن يصفح عن أخيه لولا أن ثارت عليه الحاشية مطالبة أن يقطع دابره، فلجأ إلى سمل عينيه ثم أرسله للحج فمات قريباً من مكة في سنة964 =1557.

واستفاد همايون من الحرب الأهلية بين أحفاد شير شاه، فاستولى على لاهور في سنة 962=1555، وجمع جيشاً كبيراً وضعه تحت قيادة بيرام خان، وكانت تلك خطوة حكيمة أسندت الأمر إلى أهله، وتبين صوابها بعد بضعة شهور حين التقى بيرام مع حاكم البنجاب اسكندر الصوري في معركة سِرهَند، وهزمه هزيمة حاسمة، واستطاع بعدها بخمسة أشهر استعادة دهلي و آگرا، وجلس على عرش والده في دهلي في 4 رمضان سنة 962=23/7/1555.

ولم يمتع همايون كثيراً بعد انتصاره، فقد توفي في 14 ربيع الأول سنة 963=27/1/1556، وكان من عادته إذا سمع الأذان أن يقف ويردد الأذان، ولما سمع الأذان في يومها كان يهبط درج مكتبة قصره ويحمل بعض الكتب في يديه فجلس على الدرج يردد الأذان، ولما أراد القيام متكئاً على عصاه، زلقت رجله فسقط بضع درجات وارتطم صدغه بدرجة حجرية، ووقع مغشياً عليه ثم لم يلبث أن فارق الحياة، وهو في الخامسة والأربعين من عمره، وخلفه ابنه أكبر على عرش السلطنة المغولية.

دُفن همايون بعد وفاته في قصره بِالقلعة القديمة في دهلي، ثم نُقل رُفاته إلى سرهند في البنجاب خوفاً من قيام الملك الهندوسي هيمو من نبش قبره بعد نجاحه في هزيمة الجيش المغولي في آگرا ودهلي وسيطرته على القلعة القديمة، وبعد مضي 14 سنة على وفاة همايون، أعطت السيدة حمیدة أوامرها لبناء ضريح في دلهي لزوجها الراحل، وأنفقت عليه من مالها الخاص حتى جاء تحفة معمارية فريدة، وعاشت السيدة حميدة بانو قرابة 50 سنة بعد وفاة زوجها، وتوفيت سنة 1013=1604.

وكتبت أخت همايون غير الشقيقة السيدة گُلبَدَن سيرة حياته في كتاب باللغة الفارسية، وذلك بطلب من ابن أخيها السلطان أكبر، وأسمت الكتاب أحوال السلطان همايون، ثم أصبح يعرف باسم همايون نامة، وهو مطبوع وقد ترجم كذلك إلى اللغة الإنجليزية.

زار ضريح همايون قرب دهلي المرحوم الدكتور عبد الوهاب عزام، وكتب عنه في مجلة الرسالة مقالة أقتبس منها ما يلي:

لما ذهبت زوجته السيدة حميدة إلى الحج رجعت مستصحبة مهرة البنائين والصناع لتبني لهمايون ضريحا يكافئ عظمته، ويمثل مكانته في قلبها، ويخلد ذكراه على الأرض، ويعد مؤرخو الآثار هذا الضريح أول نموذج لمقابر الملوك المغول التي بلغت ذروتها في تاج محل، ويقع في حديقة واسعة جداً ذات تنسيق جميل، في بناء مربع الجوانب، وسطه قبة شامخة من الرخام الأبيض، تحيط بها حجرات متواصلة في هندسة محكمة جميلة، وفي هذه الحجرات قبور، قيل لي أنها ست وخمسون لأمراء الدولة وأعيانها.

ودخلت فإذا قطعة من المرمر جاثمة في الوسط تحتها رفات همايون، وفوقها قبة تقوم على ثمانية عقود، ولا تبدو القبة عالية من الداخل، لأنها قبة مزدوجة أي قبتان إحداهما فوق الأخرى، وهي أول قبة من هذا النوع في الهند.

نزلت وخرجت مع الرفاق والتاريخ يمر أمامي سريعا فأرى همايون فاتحا، وهمايون دفينا، وأرى الأحداث تتوالى فتشمل الدولةُ المغولية أرجاء الهند كلها ويجمع البلاد سلطانٌ واحد لأول مرة في تاريخها.

ثم يجزر البحر فتضعف الدولة ويتسلط الإنكليز، وتتوالى الخطوب حتى أرى بهادر شاه آخر السلاطين من ذرية همايون يحتمي بحرم جده بهذه المقبرة، وهو يحارب الإنكليز قبل تسعين عاما فيؤسر وينفى، ويؤخذ من هذا الحرم بنوه الثلاثة مغل وخضر وأبو بكر فيقتلون صبرا على مشهد من الناس.

قلت: ما دفن هنا همايون وحده ولكن دُفِنَ كل تاريخ الدولة التيمورية، فيا لك أول ضريح للدولة العظيمة في الهند وآخر ضريح.

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين