في ظلال آية : { فتبسم ضاحكا من قولها...}

قوله تعالى: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)} سورة النمل.

هل تتخيل موقف ملك من الملوك العظماء تخاطبه نملة مؤدبة وذكية بخطاب يفيض لطفا وعذوبة، وتعتذر له ولجيشه حتى ولو آذوها وآذوا قومها دون قصد منهم، فإن الصالحين لا يتعمدون إيذاء شيء مهما صغر حجمه، نباتا كان أو حيوانا أو إنسانا.

تبسم: يا له من ابتسامة وقورة، لم يضحك ولم يقهقه، بل ابتسم متعجبا من لطفها وأدبها، وهكذا الأدب وحسن الخلق يدخل السرور على قلوب الآخرين، فكن مؤدبا لتسعد وتسعد غيرك وتنال محبة الجميع.

لا تترك الدعاء والافتقار والتضرع إلى الله مهما أحاطت بك النعم، ولا تغفل عن الشكر، فإن هذه النعم الكثيرة تستحق منك أن تشكر صاحبها ومنعمها عليك وهو الله سبحانه.

لا تغتر بعقلك وفهمك فإن التوفيق للخير لا يناله إلا إنسان متواضع، يسأل ربه بكل إلحاح وتذلل أن يوفقه للشكر والطاعة.

لاحظ أن سليمان عليه السلام هنا سأل ربه أن يلهمه شكره ويدفعه إلى الشكر دفعا؛ لأن النعم الكثير قد تبطر صاحبها وتصيبه بداء الغفلة، وبدأ بالشكر لأن جزاء النعم الماضية وهو متجدد بتجدد النعم.

وفي مقام الدعاء لم ينس والديه، اللذان هما سبب وجوده بأمر الله، وكل نعمة حصلت لهما فقد ناله نصيب منها، فوجب على الإنسان أن يستحضر النعم الكثيرة التي جاءته من طرق مختلفة ولن يستطيع حصرها أبدا.

وإذا أحس الله وأيقن بفضل والديه عليه لم ينساهما من الدعاء في غيبتهما، فضلا عن الإحسان إليهما في حضورهما، فمن تذكر في غيبتك وأحسن إليك هو أولى أن يحسن إليك في حضورك، وهكذا هو الولد الصالح.

ثم سأل ربه أن يوفقه لعمل الصالحات وهو جزاء النعم الحاضرة، فكل نعمة حاضرة يلزمها طاعة مرافقة لها، وسأل ربه أن يكون العمل الصالح هو مما يرضاه الله ويقبله لا ما يظنه الإنسان صالحا وهو في حقيقته فاسد باطل مضر.

وبدأ بالشكر لأن الشكر يكون ابتداء بالقلب وصلاح القلب قبل صلاح البدن، والعمل يكون بالجوارح، فلا يمكن لسيء النية أن يوفق لعمل الصالحات.

وبعد أن سأل ربه صلاح النية والعمل، والتوفيق للشكر والاعتراف القلبي والشعور بالامتنان على ما يحيطه الله به من الخيرات والألطاف الكثيرة، التي تدفعه للاعتراف لهذا الرب الرحيم بوجوب العبودية المطلقة والطاعة المخلصة لجلاله وجماله.

سأل ربه أن يكتب اسمه في عباده الصالحين الذين هم ورثة جنة النعيم، وهنا تواضع منه عليه السلام وهكذا يجب على كل مؤمن أن يرى أن دخوله للجنة ونيله لمرضاة الله تعالى لا يكون بسبب عمله الصالحة أن نيته الطيبة أو كذا وكذا من الأعمال بل هو محض فضل من الله الكريم الرحيم، فإن الإنسان مهما قدّم وتعبد فهو مقصر تجاه النعم الكثيرة التي أحاطه الله بها.

وهنا أمر مهم أن المؤمن لا يسعد إلا مع الصالحين، ولا يسعد إلا بصحبتهم، وهذه الحقيقة مجربة ويؤيدها الواقع والتجارب الكثيرة، جعلنا الله جميعا من عباده الصالحين.

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين