طاعة الزوج

 

 

مفهوم ( الطاعة ) من المفاهيم التي ينبغي أن يفهمها الأزواج ( زوجا أو زوجة ) على نحو من الإيجابيّة الواعية..  ولأجل تجلية هذاالمفهوم بما فتح الله ويسر أقول: 

 أولاً:  الأصل أن شعيرة الزواج من الشعائر التي حقها التعظيم ، لأن عقد النكاح من العقود التي عظّمها الله إذ  أمر بالوفاء بالعقود عامّة وخصّ هذاالعقد بمزيد اهتمام وتأكيد بقوله: " واخذن منكم ميثاقاً غليظاً " 

 وتعظيم شعائره دلالة تقوى القلب: " ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب " 

 ومن لا يعظّم شعائر الله  فإن ذلك من فساد القلب  وغفلته  وهوانه على الله. 

فمعرفة هذا الأصل عند كلا الزوجين يوقفهما على عظم المسؤوليّة والأمانة.

 ثانياً:   النكاح نوع رق - للمرأة -. فقد روي عن عائشة واسماء رضي الله عنهما أنهما قالتا: النكاح رقّ فلينظر أحدكم عند من يرق كريمته.

 ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال في خطبة حجة الوداع: " اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم اتخذتموهن بأمانة الله و استحللتم فروجهن بكلمة الله " 

 ومعنى ( عوان ) أي: اسيرات، وكل من ذل واستكان وخضع فقد عنا يعنو أو هو عان والمرأة عانية وجمعها عوان.

 ومعنى هذا أنه ينبغي على أولياء أمور الفتيات، وعلى الفتيات أيضاً أن يخترن لأنفسهنّ من  اجتمع فيه وصف وصية النبوة: " إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوّجوه إلاّ تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ".

 ومن الفتن التي قد تصيب الفتاة عندما تتساهل بمثل هذه الوصية أن يبتليها الله بزوج يستغل ضعفها فيزيد ذلّها ، ويمعن في الإذلال  حتى لكأنها ( حقيبة بيده ) !!

 والمقصود أن تحرص الفتاة ويحرص أولياؤها على اختيار من جمع بين: 

 ( الدين و الخًلق ) ولا يغني بعض عن بعض !

 ثالثاً:  (  الرجال قوّامون على النساء ).. 

  فلمّا كانت  العلاقة بين الرجل والمرأة بالزواج علاقة  هي اساس في بناء المجتمع، ولمّا كان الرجل ليس كالمرأة في الخَلق  وما يتبع ذلك  من اختلاف في الأفهام والتقدير  ونحو ذلك  كان لابد وان يُصان هذا الأساس ، وأن يحمى جنابه حتى لا يتصدّع فكان ولابد أن يكون له نظام ينتظم به ، فمن حكمة الله تعالى أن جعل الرجل هو القوّام المعلّم  للمرأة والأسرة من بعده.

 فكانت هذه القوامة ضرورة لحمابة هذا الصرح وهذاالكيان ، وهي قوامة  للبناء لا للعناء..

 وغايتها: رعاية هذه المملكة ووقايتها مما قد يكون مهدّداً لها بالفشل أو الانهيار!

 رابعاً:  للرجل القوامة وعلى المرأة الطاعة .

 فإن من لوازم القوامة  أن الطاعة تكون من البعض للكل ؛  فإن الله خلق الأنثى من الرجل فهي بعض منه .

 قال ابن عباس رضي الله عنهما: الرجال قوّامون على النساء يعني: أمراء، عليها أن تطيعه فيما أمرها به من طاعته.

 وللقوامة أدابها  - ليس هنا مجال ذكرها -  إذ المهم أن اشير ها هنا على أن  دور المرأة  في علاقتها مع زوجها  ينطلق من ها هنا ( من الطاعة ).. ولمّا كان أمر الطاعة أمر معلوم  دلالته نقلاً وعقلاً .. فإني سأتجاوز ذلك إلى الإشارة إلى ثمار هذه الطاعة وفوائدها، فمن ذلك: 

  1 - طاعة المرأة لزوجها أمارة صلاحها.

 فإن الله قد وصف الصالحات بقوله: " فالصالحات فانتات حافظات للغيب بما حفظ الله " 

 قال ابن عباس رضي الله عنهما: " قناتات " يعني مطيعات لأزواجهنّ.

 وتأملي - أخيّة - أن الله قال " قانتات " ولم يقل " طائعات "  وذلك لأن القنوت هو شدّة الطاعة  التي ليس معها معصية، وهي طاعة فيها معنى السكون والاستقرار للأمر.. وليست هي طاعة القهر.. 

 فإن المقهور لا يُقال له أنه ( قانت ) لمن قهره !

 مما يدلّ على أنه ينبغي على الزوجة أن تطيع  زوجها وهي راضية بأمره، وعلى الزوج أن يأمرها بما يكون له فيها عون على أن تقبل أمره  بسكون وحب واستقرار..

 2-  طاعة المرأة لزوجها من أعظم أسباب دخولها إلى الجنة .

فقد جاء في الأثر عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا صلت المرأة خمسها و صامت شهرها و حصنت فرجها و أطاعت زوجها قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت "  صححه الألباني في صحيح الجامع برقم 660

 3 - طاعة المرأة لزوجها تغذية لأنوثتها .

 إذ ان التزام المرأة بالطاعة - وعدم انقلاب الأمر - يتحقّق به شعور المرأة بأنوثتها، بعكس شعور المرأة التي يكون لها الأمر والنهي عند زوج لا يحرّك ساكناً  مغلوب على أمره !

 فكم من زوجة  كان قدرها مع رجل  ضعيف الشخصية، ليس له شأن ولا أمر.. فتمنّت أن الأمر لم يكن كذلك !!

 4 - أن في طاعة المرأة لزوجها امتثال لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم. 

وتلك صورة من صور تعظيم هذه المرأة لهذه العلاقة التي عظّمها الله تعالى.

 5 - طاعة المرأة لزوجها تعدل الحج والجهاد في سبيل الله.

 فعن أسماء بنت يزيد الأنصارية - من بني عبد الأشهل -  أنها أتت النبي صلى الله عليه و سلم و هو بين أصحابه فقالت : بأبي أنت و أمي إني وافدة النساء إليك و أعلم نفسي لك الفداء، أما إنه ما من امرأة كائنة في شرق و لا غرب سمعت بمخرجي هذا أو لم تسمع إلا و هي على مثل رأى.

 إن الله بعثك بالحق إلى الرجال و النساء فآمنا بك وبإلاهك الذي أرسلك، و إنّا معشر النساء محصورات مقصورات قواعد بيوتكم و مقضى شهواتكم و حاملات أولادكم، وإنكم معاشر الرجال فضلتم علينا بالجمعة و الجماعات و عيادة المرضى و شهود الجنائز و الحج بعد الحج و أفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله .

 وإن الرجل منكم إذا أخرج حاجا أو معتمرا و مرابطا حفظنا لكم أموالكم و غزلنا لكم أثوابا و ربينا لكم أولادكم فما نشارككم في الأجر يا رسول الله ؟ 

 فالتفت النبي صلى الله عليه و سلم إلى أصحابه بوجهه كله ثم قال:  " هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مسألتها في أمر دينها من هذه ؟ " 

  فقالوا: يا رسول الله ما ظننا أن المرأة تهتدي ألى مثل هذا!

  فالتفت النبي صلى الله عليه و سلم إليها ثم قال لها: " انصرفي أيتها المرأة و أعلمي من خلفك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها و طلبها مرضاته و اتباعها موافقته تعدل ذلك كله ".

  فأدبرت المرأة و هي تهلل و تكبر استبشارا.. 

 فتأملي كيف أن طاعة الزوج وحسن التبعّل له عدلت هذه الأعمال العظيمة في الفضل، وليس ذلك إلاّ للمطيعات أزواجهنّ !

 6 - وفي الطاعة خروج من تبعة المعصية !

 فقد جاء في بعض الاثار  عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة: إمام قوم وهم له كارهون وامرأة باتت وزوجها عليها غضبان وأخوان متصارمان "..

  فكم في الطاعة من نعيم حتى مع المشقة !

 إذ الجنة محفوفة بالمكاره ، والزوج بالنسبة للزوجة هو طريق لها إلى الجنة !

 خامساً:  الطاعة في المعروف !

 فلمّا كان الرجل هو قيّم المرأة ومعلمها وراعيها، وكانت له الطاعة ، كانت هذه الطاعة مقيّدة بالمعروف.

 وذلك حتى لا تكون الطاعة سلاحاً للإستعباد والتسلّط  ونشر الفساد بقوة السلطة !!

 فعن ابن عمررضي الله عنهما  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "  السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع عليه ولا طاعة ".

 وفائدة هذاالتحديد  أن " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " أمور: 

 

 - حتى لا يخضع الأمر لمقاييس  شخصية فتتحكم بها أمور نفسية  كاعتبار الكرامة ونحو ذلك !

 فلا مجال لئن تقول المرأة ان في طاعة المرأة لزوجها إهدار لكرامتها ، لأن كرامة الإنسان تدور حيث كان النصّ الشرعي ، ومتى ما خرج الأمر عن النصّ سقطت الكرامة وأهينت  " ومن يهنِ الله فماله من مكرم " !

 

 - حتى لا تُصبح هذه ( القوامة ) سلطويّة عمياء، بل هي سلطة في حدود الشرع ، وهذايعطي صاحب السلطة استشعاراً لعظمة ذلك، فلا يأمر إلاّ بما هو مشروع، ولا يأمر إلاّ بما يُستطاع، إذ من مهمّة القيّم ان يعين  التابع على القيام بالأمر لا أن  ينفّره أو  يضيّق عليه.

 

  وعلى هذا: فلا يجوز للزوج ان يأمر زوجته بمحرم ولا أن ينهاها عن فعل واجب، ولا يجوز للزوجة أن تطيع زوجها في ذلك ولو آذاها في نفسها فلها أن تصبر وتحتسب وتجتهد في نصحه ودعوته أو ترفع أمره إلى اصحاب الشأن من اهلها أو أهله فإن لم يكن فالقاضي  !

 

 وهنا مسألة: فإن اختلف الزوجان في مسألة خلافيّة بين أهل العلم فهل تطيع الزوجة زوجها أو تبقى على رايها الذي اختارته ؟!

 

 فإن هذا يختلف باختلاف المسألة نفسها:

1. فإن كانت تتعلق بعبادتها – الواجبة أو المستحبة - من حيث الحكم أو الكيفية، وكان ذلك لا يؤثِّر على الزوج في تضييع حقوقه، ولم يكن في فعلها إساءة له: فلا يجب عليها أن تفعل ما ليست مقتنعة به إن أمرها زوجها أن تفعله، ومثال ذلك: زكاة الذهب، فإن كانت تعتقد وجوب زكاة الذهب ولو اتخذ للزينة ، فإنه ليس من حق الزوج أن تطيعه في عدم إخراج زكاة ذهبها ـ من مالها ـ إن كان يرى هو أنه لا زكاة واجبة على ذهب الزينة.

 فإن كانت معصية الزوج تغضبه أو يجرّ عليها تبعات قد تضرّهاأو تؤذيها، فالذي عليها أن تُداريه في ذلك قدر المستطاع !

 

2. وإن كانت المسألة تتعلق بعبادة أو طاعة من النوافل تؤثر على حقوقه: فلا يجوز لها فعلها، بل قد نهيت عن ذلك، كما هو الحال في صيام التطوع دون إذنه، وكما لو خرجت من بيتها لصلة رحم أو زيارة مباحة دون إذنه ؛ لأن في أفعالها تلك تضييعاً لحقوقه، وهي غير آثمة بتركها، بل تؤجر على طاعة ربها في إعطاء زوجها حقه بتركها من أجله.

 

3. وكل شيء مباح لها: فإن له أن يمنعها منه، أو يُلزمها بقوله إن كان يراه حراماً، ويتحتم ذلك عليها إن كان في فعلها إساءة لزوجها، وتعريضه للإهانة أو التنقص.

  ومثاله: تغطية وجهها، فهي مسألة خلافية، وليس يوجد من يقول بحرمة تغطيتها لوجهها، فإن كانت ترى أنه يسعها كشف وجهها: فإن له أن يمنعها من إظهاره للأجانب، وله أن يلزمها بقوله وترجيحه، وهو وجوب ستر وجهها ، وليس لها مخالفته، وهي مأجورة على فعلها ذلك إن احتسبت طاعة ربها بطاعة زوجها، وفعل ما هو أستر. 

 

4. وكل ما تراه المرأة  حراماً أو بدعة: فلا طاعة للزوج بترك الواجب، أو فعل الحرام والبدعة.

 وعليها إن امرها بالحرام أن تذكّره مقامه بين يدي الله عزوجل ،وان تجتهد في نصحه فإن اجبرها فعليه الملامة وقد خرجت هي من دائرة اللوم !

 

 سادساً:  فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنّ سبيلاً.

 وهذا توجيه من الله تعالى لكل زوج ملّكه الله أمر امرأة ، واكتسب  بنصّ الشريعة سلطته عليها أن لا يستغل هذه السلطة للبغي !!

 فإن الله قد ختم آية القوامة بقوله: " فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنّ سبيلاً إن الله كان عليّاً كبيراً " 

 فهمها بلغت سلطتكم - ولو ألبست لباس الحق  في بعض الأحوال - فإنه متى ما حصل فيها نوع من البغي أو الظلم فإن الله يتهدّد الظالم بقوله: " إن الله كان عليّاً كبيراً ".

 وحتى لا تقع - أخي الزوج - في البغي: 

 

 - كن ليناً  رفيقاً في طلبك وامرك.

 فلا تطلب بصخب ولا بإزعاج، كما لا تطلب في حالة تشعر معها زوجتك بإذلال لها أو غهانة كما لو كنتما في خصومة أو مشادّة !!

 

 - إذ أردت أن تُطاع فأمر بما يُستطاع.

 صحيح أن لك حق الطاعة، لكن هذه الطاعة مطلوب فيها أن تكون:  . في المعروف.. وتكون  في دائرة الممكن المُستطاع !

  - لا تكثر من الأمر، بقدر ما  تكون مشاركاً في الأمر !

 فبدل من أن تقول ( افعلي - لا تفعلي ) قل ( ما رأيك لو فعلنا - ولم نفعل ) !

 - مودة ورحمة !!

 فأمرك لها بودّ  يحفّزها إلى الطاعة بتودد وقنوت، كما يحفّز فيك  الرحمة لها فترحمها إن لم تستطع هي  فعل ما أردت !!

 بعكس ما لو كان أمرك لها ( تسلّطا ) أو ( قهراً )..  فإنك تحفّز فيها العصيان ،  وتعين نفسك على الطغيان !!

 

 أخيراً: 

 الزوج طريق للجنة..  والجنة محفوفة بالمكاره !!

 فطاعة الزوجة لزوجها - وإن تبع الطاعة مشقة - فإن ذلك هو طبيعة الطريق، وطبيعة الواقع.

 فليست المشقة ذلّة وهواناً، بقدر ما هي قدر الواقع !

 ومن أطاعت زوجها على تعنذته وظلمه ، فهنيئاً لها الجنة إن آمنت وصبرت .. 

 فإن كرامة المرأة أن تعيش هذا الإيمان ، وان تتقلّب فيه مؤمنة مصدّقة، لا كارهة ساخطة جازعة !

  " ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة ؟ " 

 قالوا: بلى يا رسول الله.

 قال: "  الودود الولود التي أن ظلمت أو ظلمت قالت هذه ناصيتي بيدك لا أذوق غمضا حتى ترضى ".

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين