أداة التصوير كلمة (يوم)

(يوم) المضافة إلى جملة الفعل المضارع، أو إلى إذ المنقطعة عن مضافها.وهي أداة تصوير الفعل الذي "يكون في المستقبل" من الزمان الآتي ، ولمّا يحصُل. 

أما الأولى فمثالها: (يوم تبيضُّ وجوهٌ وتسوَدّ وجوه)106 آل عمران كلمة يوم مضافة إلى الفعل المضارع : تبيَضُّ ويُعطفُ عليه الفعل تسوَدُّ ،فترى الناسَ قسمين ذلك اليوم يتحركون ، بعضهم بيضُ الوجوه بسبب الإيمان والطاعة، بينما تسودُّ وجوه الكافرين بالكفر والمعاصي، أولئك أهل الرحمة والجنة ، وهؤلاء أهل العذاب والنار، والصورة تتلوّنُ بالأبيض والاسود وترى الحركة واضحة حين ترى الفعل المضارع يُبيِّض وجوهَ المنعّمين ، ويسَوِّدُ وجوهَ الخاسرين. 

ومن أمثلتها قوله تعالى في سورة التوبة الآية 35: (يوم يُحمى عليها في نار جهنّم ، فتُكوى بها جباهُهم وجنوبُهم وظهورُهم ،هذا ماكنزتم لأنفسكم، فذوقوا ما كنتم تكنزون) فأداة التصويرهذه ( الكامره) وهي كلمة (يوم) تُضافُ إلى الفعل يُحمى فترى النار تتأجج في السفافيد على النار الحامية، فإذا احمَرّتْ رأيت الكيَّ يتوزّع بين الجباه التي تعالت على الحق ،وأبَتْ دفع الزكاة وامتنعت عن الصدقة ،وسمعتَ -من وراء الحُجُب أزيزه- ورأيتَ- عن بعدٍ- نزيزه. ويتتالى الكي على جنبَيْ من كان يتحوّل بهما عن الفقراء تكبّراً وخيلاء ثم يعطيهم ظهره غير عابئ بهم ، فلا بدَّ إذاً من الكي في الظهور التي أدبرت عن عون المساكين والإحسان إليهم ، قال القرطبي رحمه الله: الكيّ في الوجه أشهر وأشنع ، وفي الظهر والجنب آلمُ وأوجع.

ومن أمثلتها قوله تعالى في الآية الخامسة والأربعين من سورة يونس( ويومَ يحشُرُهم كأنْ لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم ..) أضيفت كلمة يوم إلى الفعل المضارع يحشرهم للحساب ،كأنهم ما أقاموا في الدنيا إلا ساعة من النهار لعِظَم ما يرون من الأهوال ،فيوبخ بعضُه بعضاً ،يقول أحدهم للثاني : لقد أضللتني وأغويتني، فهو إذاً تعارفُ مغاضبةٍ ومشاحنة ،لا تعارف حب ومودة،يتخاصمون يوم الحشر، و يستمر تخاصمهم في النار والعياذ بالله.

وأما الثانيةُ فهي (يومئذٍ) المنقطعة عن الإضافة، فمثالها قوله تعالى في الآيتين 49-50 من سورة إبراهيم عليه السلام( وترى المجرمين يومئذ مقرّنين في الأصفاد ..) فتًبصرُ المجرمين يومَ إذ حُشروا في ذلك اليوم الرهيب مشدودين مع شياطينهم بالأغلال والسلاسل، ثيابُهم التي يلبسونها في ذلك اليوم العصيب ممزوجة بالقَطِران، يسرعُ فيها اشتعال النار ويزيد حرارتها (سرابيلُهم من قطِران) وتحرق النار وجوههم والعياذ بالله ( تغشى وجوهَهُمُ النارُ)نسأل الله العفو والعافية. إنها صورة تصف الحالة المزرية للكافر تتفطر من هولها القلوب وتنخلع .

ومثالها كذلك قوله تعالى الآيتان 99-100 من سورة الكهف " وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض، ونُفِخ في الصور ، فجمعناهم جمعاً، وعرضنا جهنّم يومئذٍ للكافرؤين عرضاً" ترى الصورة واضحة تراها رأي العين وهي لمّا تحدُث بعدُ ، وقتُها في ذلك اليوم الطويل. فالناس إذ ذاك – يوم الساعة- يضطرب بعضهم ببعض لكثرتهم كاضطراب أمواج البحار المتلاطمة ، فإذا نُفختِ النفخة الثانية جُمع الناس للحساب والجزاء في صعيد واحد، لم يتخلف أحد، ويُبرِزُ اللهُ الجبارُ جهنّم للكافرين ليشاهدوها ،فيعلموا أن وعد الله حقٌّ،إنه عرض مفزع مخيف أن يرى الكفّارُ النار ترتفع أمواجها وتقترب منهم فتنكسر نفوسهم ويعيشون في عذاب قبل أن يُلقَوا فيه ، فيذوقوه ، نسأل مولانا أن يُمدنا بالإيمان ويحفظنا من ناره. 

يوم – إذاً- مصوّرة دقيقةٌ تعرض علينا ما يستجدُّ في المستقبل من أحوال بدقة متناهية تاخذنا إلى هناكَ قبل أن نصل إليه ، ولا بدَّ من لقاء المولى سبحانه في ذلك الزمن الذي يراه بعضنا بعيداً وهو قريب ، قريب.( إنّ ما توعدون لصادق وإن الدين لواقع ) أولُ سورة الذاريات .. 

ومن أصدق من الله قيلاً.

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين