وما كان فيها لو صبرتُ لها ضررْ

كثير من التصرفات التي نتصرفها بسرعة ، وَرَدَّاتِ الأفعال التي نصدرها على عجل ، وتعاملاتنا مع الأشياء من حولنا بقسوة وشدة وعنف توقعنا في حالات أسف وندم؛ فنَعَضُّ من جَرَّائِها الأناملَ، ونقرعُ الأسنانَ، ونتمنى ألا نكونَ قد فعلنا ذلك ، ونقولُ : لو استقبلنا من أمرِنا ما استدبرنا ما فعلنا هذا ، ولَكُنَّا ... ولَكُنَّا ...

من الأشياءِ التي أندمُ عليها مما وقعت فيه سابقاً ... وليس بالضرورة أني أقلعتُ عنها أو هجرتُها بالكلية ... الغضب والوقوف حيث لا ينبغي التوقف كما يقول زميلنا الشيخ الفاضل حسن دعَّاس ... والتحسس من كل كلمة ... والضيق من كل تصرف لا يروق لي ... من زوجة، أو ولد، أو صديق ... مما جر عليَّ مع الأيام مرض ارتفاع ضغط الدم الذي دفعني إلى تناول دواء خاص به قال الأطباء: إنه يلزمني أخذه ما بقيت على قيد الحياة.

وأتساءل الآن في قرارة نفسي : ماذا أفدتُ من كل ذلك غيرَ هذا الداء ؟... وهل غيرتُ بغضبي السريع طباع من حولي ... وهل قوَّمتُ أخلاقهم المعوجة في زعمي ... وهل انقادَ من غضبت منهم إلى ما أردتُ ... وهل فرضتُ النظامَ على الأنام ... وهل ارتفع من الشوارع الازدحام ... لأني تأففتُ وغضبتُ وعتبتُ على إشارات المرور ورجال حفظ النظام .

ماذا جنيتُ غير الندم ...

ماذا حصلتُ غيرَ الحسرة .

ماذا لو كنتُ صبرت ...

ماذا لو كنت تغافلت....

ماذا لو تأوَّلتُ لهم عثراتِهم ...ألم يكن ذلك أجدى وأنفع لي ولهم ...

لي من أجل صحتي ...

ولهم من أجل ألا أكسر قلوبهم وأخسر مودتهم وأفقد صحبتهم ...

ثم أجدني أردد في نفسي قول جبلة بن الأيهم الغساني في نهاية قصته الأليمة:

تَنصَّرتِ الأشرافُ من عَارِ لَطْمةٍ ** وَمَا كانَ فِيها، لو صَبرتُ لها ضَرر

فَيَا ليتَ أمّي لمْ تَلدنِي، وَليتَنِي ** رَجعتُ إلى القَولِ الذي قالهُ عُمر

ويا ليتَنِي أرْعَى المَخاضَ بقَفرةٍ ** وكنتُ أسيراً في ربيعة أو مُضَر

ويا ليتَ لي بالشَّامِ أدنى مَعيشةٍ ** أُجَالِسُ قَومي ذَاهبَ السَّمعِ والبَصر

أدِينُ بما دَانوا به من شَريعةٍ ** وَقدْ يَصبِرُ العُودُ الكبير على الدَّبر

وها أنا أيضاً أقول :

وما كان فيها لو صبرتُ لها ضرر ...

إن الضرر الذي يكتنف تغافلي عن أخطاء غيري - لو تغافلتُ - لهو أخف مما حاق بي اليوم من مرض ارتفاع ضغط الدم ....

فهل وعيتَ الدرس أخي القارئ كما وعيتُ؟ ...

فاحفظ لنفسك ألا تقع فيما وقعت فيه ... فالسعيد من اتعظ بغيره .

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين