تقدير وتنبيه

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته.

تقدير وتنبيه

أكبرت المقال المنشور على صفحات بردى في العدد 1951 لنائب دمشق الأستاذ فيصل العسلي الذي دفع به عن الإسلام وصدَّ عنه هجوماً إلحادياً مركزاً يستهدف تحطيمه ولن يتحطم ولن يزال حسرة على الكافرين: [قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ] {آل عمران:119} .

وما كانت هذه الحملات الآثمة إلا لتزيد المؤمنين رسوخاً في الإيمان وقوة في الدين وحمية رأينا أثرها الطيب انتصاراً من الشباب الجامعي لإسلامه، وروحاً حلوة نفثها الأستاذ العسلي في قلمه فكانت برداً وسلاماً على القلوب الملتهبة بنار الغيظ من الإفك والأفاكين، وبرهاناً على صلاح النية في بعض من مكن الله لهم في الأرض ممن نرجو أن يكون نصرهم للإسلام نصراً مؤزراً في أيام بيض على الدين وسود على أعدائه وعسى أن يكون قريباً.

فشكراً للنائب الكريم ثم شكراً وحبذا لو ائتم به زملاؤه في النيابة فيكون التقاء في الحق وعود بالأمة إلى صراطه المستقيم الذي يفضي بها إلى عز الدنيا وسؤددها، وكرامة الآخرة وهناءتها.

ألا فليعلم الناس خاصهم وعامهم وحاكمهم ومحكومهم أن الغلب الذي نطلبه على عدونا لا نظفر به إلا إذا أوينا إلى ظلِّ الإسلام الوارف وجنينا جناه الهضيم: حكماً تشريعياً وتنظيمياً عائلياً وعملاً حربياً وسيراً سليماً واتصالاً وثيقا بالله عقيدة وعبادة وابتعاداً عن مسخطاته.

إننا ما لم نعد هذا العود الحميد ونظهر أنفسنا والمجتمع فستكون كوارث وزعازع وبلايا ونوازل عظيمة الوقع بليغة الأثر، نتيجة لسوء السلوك واعوجاج المنهج: [وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ] {هود:102}.

نحن الآن في حرب مع عدو ماكر كزامره على أساس ديني، وشأن العاطفة الدينية ـ مهما كانت ـ استشهاد الجبان واستنسار البغاث فالمتعين علينا بعث الحمية الدينية الحقة وإثارتها إسلامية محضة تصلح الوضع وتقيم العِوَج وترخص الأنفس والأموال في سبيل الله: [وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ] {هود:117}.

لعل هذه الصيحة تصل إلى قلوب أولي الأمر ـ بما فيها النواب ـ فيحملون الأمة على الصواب، ولعل قلوبهم تتفتح لها لاسيما والخطر الداهم قائم والأمر جد ليس بالهزل.

ولا يفوتني وقد استحسنت مقال الأستاذ العسلي أن أوضح بعض ما فيه مما يحتاج إلى توضيح:

1 ـ قال: ولم يكتف الإسلام بعيش الكفاف بل أمر بتوفير العيش الذي يمكن من الاستمتاع بمباهج الحياة ولذاتها المشروعة من مأكل وملبس ومسكن.

الذي يجب فهمه من هذا هو أن الإسلام لم يأت بتحريم الطيبات: [قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ] {الأعراف:32} . ولكنه إلى جانب هذا ذم السرف والمسرفين والتبذير والمبذرين وجعلهم إخوان الشياطين. والرزق الكفاف الذي يوفر للمرء راحة القلب كي يأخذ زاده إلى الآخرة عملاً صالحاً ـ وأن الآخرة هي دار القرار ـ خير من تشعب القلب في أودية الطمع وتناول الدنيا المحض الدنيا لا لتكون مطية إلى دار البقاء.

وقد يكون الرزق الكفاف سيلاً من مال يغدو ويروح في مرضاة الله لا يكنزه صاحبه ولا يحله قلبه. وقد صحَّ عن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام أنه قال: «اللهم اجعل رزق آل محمد كفافا».

وبعد فما الرأي لو جمحت النفس إلى الدنيا وأخلدت إليها وكانت لخنزير الشهوة سامعة مطيعة هل يكون منها بذل الروح والمال إذا حق البذل.

2 ـ قال: «إن الأرض التي أخذها المسلمون بالفتح هي في الإسلام ملك الدولة وأن منفعتها للأفراد وأن الإسلام أجبر مالك الأرض على استغلالها فإذا أهملها أخذت منه وأعطيت لعامل غيره».

أقول: أرجو أن يعلم الأستاذ أن هذا القول لا يصح إطلاقاً فهناك نظرات فقهية تقيده وتمنع سيره في كل الأراضي وإليك التفصيل:

الأرض التي غلب المسلمون عليها أهلها المشركين عنوة تقسم في مذهب الشافعي كالغنائم المنقولة.

ويرى مالك وقفها على المسلمين بخراج يوضع عليها إلا أن تكون المصلحة في قسمتها فتقسم.

وأبو حنيفة يخير بين قسمتها في الفاتحين فيملكونها، وبين المن بها على أهلها بخراج وبين إجلائهم عنها وإسكان غيرهم فيها، فإن سكنها مسلمون كانت عشرية ـ أي: فيها عشر الناتج زكاة تصرف مصرفها ـ كما لو اقتسمها الغانمون، وإن نزلها كافرون كان خراجية.

وكل هذا مفوض إلى رأي إمام المسلمين.

وأرض الصلح قسمان:

أرض خلا لها أهلها للمسلمين بلا قتال فهي وقف على مصالح المسلمين وفيها الخراج.

وأرض صولح أهلها على إقرارهم فيها فإن نزلوا عن ملكها عند الصلح صارت وقفاً على مصالح المسلمين كالسابق وفيها الخراج وهم أحق بها ما داموا وافين بعقد الصلح ولا تنزع من أيديهم ولو بقوا مشركين، وإن لم ينزلوا عن ملكها واستبقوها لأنفسهم وضع عليها الخراج ويتصرفون بها تصرف الملاك كما يشاؤون.

وقد جاء في رسالة الخراج لأبي يوسف أنه ليس للإمام أن يخرج شيئاً من الأرض من يد أحد إلا بحق ثابت معروف، وقال السرخسي في شرح «السير الكبير»: «فإن صالحوهم على أرضهم مثل أرض الشام مدائن وقرى فلا ينبغي للمسلمين أن يأخذوا شيئاً من دورهم وأراضيهم» الخ... وقال ابن حجر الشافعي: إن الأراضي التي في أيدي الناس بمصر والشام المجهول انتقالها إليهم تقر في أيديهم. الخ وشنع النووي على من أراد انتزاع العقارات وأعلن بأن هذا غاية الجهل والعناد فكف عن ذلك.

والحديث الشريف يقول: «من ظلم قيد شبر من أرض طوقه من سبع أرضين» نعم هناك نوع من الأراضي يسمى أراضي المملكة وأراضي الحوز وهي التي مات أصحابها بلا وارث وآلت إلى بيت المال أو ما فتحت عنوة وأبقيت للمسلمين إلى يوم القيامة إذا سلمت لإنسان بخراج موظف عليها فإن عطلها ثلاث سنين أو أكثر ـ بحسب حال الأرض ـ نزعها إمام المسلمين وسلمها إلى غيره يعمل فيها.

3 ـ جاء في كلمته أيضاً: «أن التعاونية الاشتراكية هي جعل الأشياء الضرورية ملكاً للدولة». والذي أفهمه قطعاً من الإسلام أن الناس شركاء في الماء والكلأ والنار ومثلها المصايد والممالح.

أما هذا التملك الذي يدعيه فإن كان انتزاعاً من مالكيه بغير رضا فهو غير جائز، وإن كان وضع يد على مباح غير مملوك جاز، والله ولي التوفيق.

4 ـ ادعاء الجمالي أن قبر إبليس يرجم غير صحيح فنحن في الحج نرجم الجمرات الثلاث طاعة للرحمن وخزياً للشيطان، أما إبليس فلم يمت بعد وهو من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم وأنه وجنوده يعملون عملهم في قلوب الكافرين وسوسة مزعجة إلى العصيان والخروج عن سبيل الرحمن قال الله تعالى: [أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا] {مريم:83}. صدق الله العظيم.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

المصدر: الشهاب، العدد (37) من السنة الأولى 1375هـ=1955م.

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين