مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن(80)

(وَلَتَجِدَنَّهُمۡ أَحۡرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَوٰةٖ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْۚ يَوَدُّ أَحَدُهُمۡ لَوۡ يُعَمَّرُ أَلۡفَ سَنَةٖ وَمَا هُوَ بِمُزَحۡزِحِهِۦ مِنَ ٱلۡعَذَابِ أَن يُعَمَّرَۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ) [البقرة: 96]

السؤال الأول:

ما دلالة استخدام كلمة (حَيَوٰةٖ) نكرة في هذه الآية؟

الجواب:

1ـ الآية في سياق الحديث عن اليهود, وجاءت كلمة (حَيَوٰةٖ) نكرة, وهي تعني أيَّ حياةٍ مهما كانت تافهة أو ذليلة، وهذه إشارة إلى أنهم يريدون أي حياة كانت وإنْ كانت تافهة أو مُهينة وليست الحياة الكريمة، لذا هم حرصوا على حياة تافهة ولا يتمنون الموت كما تحدّاهم به القرآن.

2ـ المشرك حريص على الحياة؛ لأنه يعتقد أنّ الدنيا هي الغاية, بينما اليهود أشد حرصاً على الحياة من المشركين؛ لأنهم يخافون الموت لسوء أعمالهم السابقة, وقد حُببت إليهم الخطيئة طول العمر , لذلك كلما طالت حياتهم ظنوا أنهم بعيدون عن عذاب الله, ولذلك هم لا يبالون أنْ يعيشوا في ذلة أو في مسكنة, المهم أنْ يعيشوا في أي حياة مهما كان نوعها, ولذلك جاءت بالتنكير؛ لأنّ النكرة تفيد الكثرة وهم يريدون الحياة المتطاولة، فناسب التنكير.وقوله تعالى: (أَحۡرَصَ) صيغة مبالغة من الحرص وهو طلب الاستغراق فيما يختص فيه الحظ.

السؤال الثاني:

ما دلالة الود في الآية في أنْ يعيشوا ألف سنة؟

الجواب:

1ـ قوله تعالى: (يَوَدُّ أَحَدُهُمۡ لَوۡ يُعَمَّرُ أَلۡفَ سَنَةٖ) الود هو الحب، أي: أنهم يحبون أنْ يعيشوا ألف سنة أو أكثر، لكنّ هذا أيزحزحه عن العذاب؟ بالطبع لا؛ لأنّ طول العمر لا يغير النهاية.

2ـ قوله تعالى: (أَن يُعَمَّرَۗ ) بصيغة المبني للمجهول؛ ليدل على أنّ الأمر بيد الله وأنّ العمر ليس ملكاً لإنسان.

السؤال الثالث:

لماذا ذُكرت الألف سنة؟

الجواب: 

لأنها هي نهاية ما كان العرب يعرفونه من الحساب, ولذلك فإنّ الرجلَ الذي أَسر في الحرب أختَ كسرى فقالت له: كم تأخذ وتتركني؟ قال: ألف درهم، قالوا له: بكم فديتها؟ قال: بألف، قالوا: لو طلبت أكثر من ألف لكانوا أعطوك، قال: والله لو عرفت شيئاً فوق الألف لقلته، ولذلك كانوا يقولون عن المليون: ألف ألف.

وفي قوله تعالى: (أَلۡفَ سَنَةٖ) كناية عن الكثرة , وليس المراد خصوص الألف. وقيل: الألف كمال العدد بكمال ثالث رتبة , والسنة تمام دورة الشمس , وتمام ثنتي عشرة دورة للقمر.

السؤال الرابع:

أين مفعولا الفعل المتعدي (وَلَتَجِدَنَّهُمۡ) [البقرة:96] في الآية؟

الجواب:

الفعل (وَلَتَجِدَنَّهُمۡ)[البقرة:96] هو فعل متعدٍّ إلى مفعولين، وهما: الضمير(هم) في (وَلَتَجِدَنَّهُمۡ) [البقرة:96] و (أَحۡرَصَ) [البقرة:96].

السؤال الخامس:

الواو في قوله تعالى: ( وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْۚ ) [البقرة:96] ما دلالتها؟

الجواب:

الواو في الآية على ثلاثة أقوال:

آـ حرف عطف بتقدير أنّ اليهود أحرص الناس على حياة وأحرص من الذين أشركوا, وهذا القول أولى، والله أعلم.

ب ـ استئنافية؛ أي أن الكلام تم عند قوله تعالى (عَلَىٰ حَيَوٰةٖ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْۚ) [البقرة:96] ثم استأنف قوله.

ج ـ أنّ فيه تقديماً وتأخيراً، وتقديره: ولتجدنهم وطائفة من الذين أشركوا أحرص الناس على حياة، ثم فسر هذه المحبة بقوله تعالى: (يَوَدُّ أَحَدُهُمۡ لَوۡ يُعَمَّرُ أَلۡفَ سَنَةٖ) [البقرة:96].

السؤال السادس:

من المقصودون في الآية (ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْۚ) [البقرة:96]؟

الجواب:

قوله تعالى: (وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ) [البقرة:96] قيل: هم المجوس، وقيل: الأعاجم، وقيل: هم مشركو العرب، وقيل: كل مشرك لا يؤمن بالمعاد.

السؤال السابع:

ما دلالة الزحزحة في الآية؟

الجواب:

قوله تعالى: (وَمَا هُوَ بِمُزَحۡزِحِهِۦ مِنَ ٱلۡعَذَابِ أَن يُعَمَّرَۗ) [البقرة:96] الزحزحة: هي التبعيد والإنحاء، والمراد: أنه لا يؤثر في إزالة العذاب على الكافر أقل تأثير, إنما تزحزحه الطاعة المقرونة بالإيمان الصحيح , وها هو إبليس لم ينفعه عمره الطويل أن ينجو من الناربسبب كِبره وكفره.

والفعل ( زُحزح ) يُستعمل لازماً ومتعدياُ , وتكرار الحروف بمثابة تكرار العمل. والزحزحة إبعاد الشيء المستثقل المترامي لما يبعد عنه. 

السؤال الثامن:

ما اللمسة البيانية في قوله تعالى: (وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ) [البقرة:96]؟

الجواب:

قوله تعالى: (وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ) [البقرة:96] و يراد به البصر والعلم، فالله بصير وعليم بأفعالهم.

وجاء بالفعل المضارع: (يَعۡمَلُونَ) [البقرة:96] للدلالة على تجدد الحدث باستمرار.

السؤال التاسع:

في قوله تعالى: (يَعۡمَلُونَ) [البقرة:96] ما الفرق بين العمل والفعل والصنع؟

الجواب:

قال: (يَعۡمَلُونَ) [البقرة:96] ولم يقل: يفعلون، أو يصنعون:

آـ يفعلون: الفعل عام، وقد يكون بقصد أو بغير قصد، ويصلح أنْ يقع من الحيوان أو الجماد.

ب ـ يعملون: في الأكثر فيه قصد، وهو مختص بالإنسان، وهو أخص من الفعل، لذلك قلّما ينسب إلى الحيوان , والعرب لم تقله إلا في البقر التي تحرث الأرض.

ج ـ يصنعون: الصنع أخص، وهو إجادة الفعل ويحتاج إلى دقة، ولا ينسب إلى حيوان أو جماد فهو أخص من العمل، قال تعالى: (صُنۡعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيٓ أَتۡقَنَ كُلَّ شَيۡءٍۚ ) [النمل:88].

وعندما تأتي (يَصۡنَعُونَ) فتعني ما يخططون وما يدبرون بدقة وإجادة.

فالفعل عام والعمل أخص منه، والصنع أخص ويحتاج إلى دقة.

والله أعلم. 

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين