ولِمَهْ؟! وما الغريب في معنى هذا الحديث؟!

هذا كلام يفيد كل باحثٍ عن الحقيقة إن شاء الله

• مهارة النقد كمعظم المهارات هي قسمان : وَهبيّ : يأتي خِلقةً ، وكسبي ينصقل ويزداد باشتغال الإنسان بالعلم وقراءته لأهل العقلية الناقدة من العلماء ومجالسته لهم والأخذ عنهم.

وهذا هو السّرّ في أنّك قد تجد أحد العلماء القدامى يستشهد بكلامٍ ينسبه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإذا قرأته رأيته واضح النّكارة فتتعجبْ ، وتبحث أو تسأل عنه بعض علماء الحديث فتجدهم قد حطّوا منه جدًّا ، وقالوا: «هو ظاهر النّكارة» أو «شاذ المعنى جِدُّا» أو : «شاذٌّ بالمرة»

فإذا سمع هذا طالب علم ضعيف الاشتغال بنقد الأحاديث وعللها: قال: «ولِمَهْ ؟! وما الغريب في معنى الحديث؟! »

وحين يقف العالم صاحب العقلية الناقدة المتمكن في الحديث الشريف وأسانيده وعلله على إنكار بعضهم لغرابته ، وقولهم أن معناه معقول جدا، أو استشهادهم به تراه يعجب منهم أشَدَّ العجب فيقول: «هذا الحديث عليه علامات الوضع والكذب فيه ظاهر» أو: «هذا حديث ظاهر الغرابة فالعجب من فلان كيف أورده ولم يعقّب عليه؟!» وربما شعر في نفسه أو ألمح إلى أنّه « لا يقبل إنسان أن يقال عن هذا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعله أو قاله إلا رجل ضعيف العقل، ولم يعرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا عرف سنّته».

فيستغرب الطالب المبتدئ ويقول: هل يعقل أن العالم فلان مع عظمة شأنه لم يعلم بذلك؟

والجواب هو: ابحث في سيرة ذلك العالم ، فقد تجده عالمًا في الفقه والفروع ، أو إمامًا في علم العقيدة والرّدّ على الفِرَق ، أو في التزكية والرقائق أو إماما في تفسير القرآن الكريم ، ولكنّه لم يكن له اشتغال بعلم الحديث، أو اشتغل بالحديث اشتغالا سطحيا وليس له اطلاع على كتب أئمة الحديث المتقدمين ولا على كتب علم العلل ، ولم يتبحّر فيها ولم يتمعّن.

فهذا الرجل إما أنه ليس عنده مهارة النّقد خِلقةً وإما أنها عنده ولكنه لم يصقلها وينمِّها بقراءة كلام أهل النقد من المحدّثين. وإما أنه قد عدِم كِلا الأمرَين: فلم يرزقه ربنا تلك المهارة ولم يتربَّ على أيدي علماء ناقدين. وإنما هو إنسان يحفظ المقررات في العلوم التي أتقنها ويتقن شرحها للطلبة ولعله يتقن توضيحها في حواشٍ وكتب أيضا.

• فإذا كان فوق ذلك متربّيًا في بيئة تكثر فيها الخرافات ويكثر فيها الكذب على المشايخ بكرامات متوهّمة أو مؤلفة فإن عقله يصير مصدِّقًا للتّرّهات التي هي غاية في وضوح الكذب عند أهل العقل فلا تلمْه واحمد الله على نعمة العقل.

• فعلى كل إنسان إذا سمع كلامًا من أهل العقل و أهل الحاسّة النقديَّة أن يُصغي إليهم ويقعد متأدبًا ملتمسا الفائدة ، وتذكرْ أن معظم الأغبياء يرون الذكي متفلسفا يحاول تعقيد الأمور ، ويرون الكون أيسر وأوضح مما هو يراه ، وتذكر كلمة الأئمة أهل العقل : «كلُّ من كثر علمُه كثرت استشكالاته».

=وأقْبِلْ على العلم فاشتغل به ولا تظنّنَّ أن شيئا غير الله ينفع ، فكم مِنْ إنسان حاد الذكاء كان ذلك سببا في ضلاله لعُجبه بنفسه. فاللهم اهدنا بفضلك وكرمك في من هديت ، وصلى الله على سيدنا محمد كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون ، والحمد لله رب العالمين. احترام التخصص

خاطرة قديمة مر عليها سنوات والآن تيسر تدوينها.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين