حُلُمٌ في اليقظة

أغمضت عينيَّ أغمضت عينيَّ ذاتَ مساءٍ لأغفو وأصحو على حُلًمٍ جميل،حيث استعرض الحُلُمُ سنينَ حياتي في هذه البلدة الطيبة الأحساء

تلك الواحة الكحلاء،سيدة نخيل الدُّنيا، وعروسة الواحات اللمياء،وأرحبهنَّ صدراً ، وأجملهنَّ وجهاً ، حيث الإشراق مبسَمُهُ، والبِشرُ مُحيَّاه، ياالله ..ياالله..ماأجمل هذا الحُلُم وأسناه، وأجمل مامرَّ فيه وأحلاه،وأندى ذكرياته وآنَسُها ،وددتُ أنِّيَ لم أصحو !!

لقد مرَّ بعجلٍ ولم يجْعَلنِ أستغرقُ فيه!! ليمضي سريعاً كالبرق دون تمهُّلٍ ولاأَنَاةٍ !!لأتساءلَ بيني وبين نفسي عن الذي كان!؟

أأنا في حُلُمٍ أم حقيقة!؟

سبحان لله .. سبحان الله ..أهكذا يمرُّ العمُرُ كأنَّه لمحة نَظَرٍ أو بقايا حُلُم ؟!

أهكذا الزَّمانُ يمرُّ يخفقُ بشهورِهِ وسنينهِ ليعبر في حياتنا وكأنَّهُ طيرٌ لانشاهده إلا مرَّة واحدة،ولانكادُ نلمحه في رحب السَّماء؟!

أو لكأنَّ مرَّ السِّنين علينا كما لو أنَّك تعدُّ بنان أصابعك في حالة اليقظة!؟ ياالله ياالله لطفك وألطافك ، وسترك وفضلك،اجعلها زاداً لنا ولاتجعلها علينا ياالله بمنِّكَ وتوفيقك ،اللهم ألهمنا الرُّشد في حياتنا وحيث كُنَّا فهي رحلةٌ وسَفَرٌ ، وأمانةٌ ورسالة ٌ للمرء في حياته.. أجل

فهاأَنَذا أشارفُ بعد أسبوعين على إنهاء عقودٍ أربعةٍ لي في المملبكة العربية السعودية، أدام الله عليها الأمْنَ والإيمانَ والسَّلامَةَ والإسلام

اللهمَّ آمين ...أجل أربعون سنة لي في الأحساء تحديداً زادها الله أَلَقاً وجمالاً ، ورِفعةً وكمالاً اللهم آمين

أربعون عاماً بالتَّمامِ والكمال قضيتها هنا في الأحساء بين أهلي ومعارفي، وصحبي وخِلَّاني، وإخوتي وأحبابي،ومراجعيَّ ومرضايَ أخاً وطبيباً،ومواسياً وصديقاً،وجاراً ورفيقاً ، وشاعراً وأديباً،أربعون عاماً كاملة مرَّت بما فيها من أحداثٍ وذكريات، وقَصَصٍ وأمسيات،وأخبارٍ وحكاياتٍ، وأنباءٍ ورواياتٍ .... ياالله مضت أربعون هنا في الأحساء البلدة الطيبة والتي كان قُدُومي لها دعوةٌ صالحةٌ من أمِّي لي ،طوت عنان السَّماء... بنداها وصداها فكان ماكان ...رحمها الله وطيب ثراها وتقبَّلها في علِّيِّين.

قالت لي بعد عزمي على السَّفَر من الشَّام لفرنسا قالت:

(روح ياابني إن شاء الله وين ماتروح يبعتلك ناس أحنّ من أمك وأبيك عليك ،وإن شاء الله ياابني الأرض تنبعلك والسَّما تكتّلك)

كان هذا قبل مغادرتي الشَّام بأيَّام ،وقبل فراقي لها ، وقبل ابتعادي عنها ، الشَّامُ الشَّامُ ريحانة فؤادي ، وياسمينةُ روحي، وقَرُنْفُلةُ مشاعري ، ميلادي وطفولتي ، شقوتي وبهجتي ،دراستي وجامعتي ، أهلي وموطني أجل ابتعدت عن الشام الأرض المباركة التي باركها المولى من فوق سبع سماواته كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام كما جاء في صحيح البخاري((اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا))هذا مادعَتْ لي والدتي الحبيبة رحمها الله وجمعني بها في حنَّات عدنٍ اللهم آمين لأنتقل إلى دارٍ قال لهمُ الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلَّم عندما قدم وفدعبد القيس عليه قال:((مرحباً بالقوم أو بالوفد غيرَخزايا ولا ندامى))وهذا رواه ابن عباس وأخرجه البخاري ص53 .

وهذا والله من فضل الله تبارك وتعالى عليَّ ثُمَّ ببركة دعاء أُمِّي لي رحمها الله أن جئت إلى الأحساء بلدة البشر والطيب، والمودَّة والمروءة تلك التي مدحها حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلَّم .

أربعون عاماً مرَّت حيث كان قُدومي للمملكة في شهر ربيع الأول على سيدي رسول الله أفضل الصَّلاة والتَّسليم بتاريخ 21/3/1402هـ

وكان حفل تكريمي من قبل أدباء الأحساء بإثنينية النُّعيم الثَّقافية بتاريخ 12/3/1427هـ وبعد ربع قرنٍ لي في الأحساء زد عليها ربع قرنٍ لي في الشام حيث كنت في الخمسين من عُمُري كان هذا بمزرعة الشيخ حسن العفالق رحمه الله،والآن أربعون عاماً تامَّةً تامَّةً في الأحساء كلها مرَّت كأنها لمحة بصر أو حُلُمٌ سريع ماتركني أتأمَّلُ فيه لأتذكَّر ابتداءً مباشرة عملي بالحرس الوطني بالأحساء حيث كنت أول طبيبٍ للحرس الوطني بالأحساء ومباشرتي فيه عام 1402هـ زاده الله رفعةً ومَنَعةً وماأجملَ وأحلى أيَّامي وذكرياتي فيه،

لأنتقل بعدها للعمل في عيادتي الخاصة التي افتتحتها في المبرز في الأحساء عام 1413هـ لمايقربُ من ربع قرنٍ من الزَّمان معالجاً ومواسياً ، مؤانساً ومُطبِّباً ، ثم لأنتقل بعدها إلى مجموعة قلائد الدُّر مشرفاً لأستقرَّ طبيباً معالجاً في مجمع عقود الدُّر لطب الأسنان مكان عيادتي سابقاً لأعمل في مهنتي التي أحببتها وأحبَّتني ،و عشقتها وعشقتني طب الأسنان ، لأقولَ في قصيدةٍ لي عنها:

حمداً إلهي فالمَنَنْ = في مِهنتي هامُ المِهَنْ

شُغلي أُعالجُ مسكناً = فيه اللآلئُ والسَّدَنْ

دُرٌ جُمانٌ شكلُها = تاجُ الشِّفاهِ والبّدَنْ

ضاءتْ بثغرٍ لؤلُؤاً= عقداً تجلَّى بالمِنَنْ

حُبِّي لها مُتعاظمٌ = هجري لها عند الكفَنْ

لأستطرد وأقول عن وصف مهنتي المُحبَّبة :

هي حِكْمَةٌ لفمٍ وطبٌ من عُلُومٍ زيـــــدَ فَنْ

قُلْ طِبُّ أسنانٍ تداعى صَرْحُها معَ حَفْرِ سِنْ

مع قَبْضَةٍ تسري إلى عُمقِ الجُسُومِ كمسِّ جِنْ

لأقول في ختام قصيدتي عن مهنتي طب الأسنان:

دُرٌ يُنادي صَقْلُهُ = عِقدٌ يصيحُ فَصُنْ تُصَنْ

أهلي وقومي ثمَّ أحبابي عليهم مُؤْتَمَنْ

فرضٌ عليَّ عِلاجُهُم= وشَفاهُمُ ربُّ البّدّنْ

بعلاجِهِم أرجو الهُدى= بِطَبَابةٍ أرجو المَنَنْ

أربعون عاماً مضت كأنَّها خيلٌ مُحجَّلةٌ في مِضمارِ سِباقٍ تُسابِقُ الرِّيح في تلك الواحة الغنَّاء ، بظلالها وسهولها ، وجبالها ومزارعها ، الواحةُ التي أحببتها من قلبي وعشقتها، الكريمةُ بأهلها ونخيلها ،الأصيلة بتراثها وجُدُودها،العريقة بأخلاقها وأُصُولها،والحبيبةُ بأُنسها وعُيُونِها، تلك العروس النَّجيبة التي قلت فيها :

عروسٌ لي وماقدَّمْتُ مَهْرا = ولوْ أَمْهَرْتُ ماوَفَّيْتُ قَدْرا

لسانُ الحالِ يهْتُفُ بالسَّجايا = وينبُضُ بالهَوَى عِشْقاً وسِحْرا

وقَلْبي شَفَّها بين الحَنَايا = وخطَّ الحُبُّ في الجَنْبَيْنِ سِفْرا

وتألفُ مُهْجَتي وتَقَرُّ نَفْسي = ويأْنَسُ خافقي ليبوحَ شِعْرا

وطابَ ليَ المَقامُ بصفْوِ ودٍّ = بِكُنْهِ الرُّوحِ سُكناها استقَرَّا

رحلة عُمُرٍ لي ماأبهاها وأسناها ،وأحلاها وأنداها قضيتها في غُربةٍ ولاغُربة..وفي سَفَرٍ ولاأثَرَ للسَّفَر،حيث الطِّيبُ والبِشرُ، والبَهاءُ والجَمال، والمودَّة والوِصال،والأخوُةُ والمروءة ،

هذه هي الأحساءُ التي

ملكت الحنايا ، وسكنت شغاف قلبي، وتشربتها روحي فسلبت مني نفسي وحسي

وتلك التي عشت في أحضان واحاتها و نخيلها،وأسست وشاركت في أغلب منتدياتها الأدبية

وأقمت العديد من الأمسيات مع شعرائها وأدبائها

وتلك هي التي عالجت أهلها وهم أهلي بطبي ودّنِّي ، ونفحتهم أصدق الودَّ بروحي وفنِّي

ومادعت لي والدتي أراه رأي العين ماثلاً أمامي حاضراً في حياتي رحمها الله

لأقول في ختام تلك القصيدةٍ لي عن الأحساء والتي عنوانها وياطيبَ المَقامِ بدارِ هَجرٍ

كأنِّي في الشَّـآم وبين أهلـي = بصـدقِ الـودَّ والأشـواقُ حـرَّى

ففي هَجْرٍ فؤادي جَمْرُ صَبٍ = وعند الشَّام جمـرُ الصَّـبِّ أورى

فـلا واللهِ مـا جافيْتُ أصلي = ولا واللهِ مـا بالغـتُ نــزرا

أقـولُ واُسمـعُ الدُّنيـا وجيباً = وتحكي مهجتي الأعماقَ جهرا

فحيث أرى الأخوةَ هامَ قلبي = وحيث سنا الكرامة عشتُ عُمرا

أبيتُ مع المروءةِ حيث ألقى = وأحيـا بالإبـاءِ الدَّهْـرَ حـُـرَّا

منابتنـا على الإسـلام عــــزٌّ = دعـائمنـا الإخـاء ولا أبـرَّا

نعيـشُ وجنَّـةُ الدُّنيـا قلـوبٌ = وتسمـو الـرُّوحُ بالأخلاقِ طُهرا

*****

حيـاتي في (المبـرَّز) بين أهلـي = وأهفـو (للهفـوف) وليـس سـرا

إذا ما عشت فالأحساء نبضي = وان جـاء النَّذيـرُ تطيبُ قبـرا

ويـا طيـبَ المقامِ بدارِ هـَجْــرٍ = تعيشُ بمهجتي دهـراً فدهرا وبعدها

أسألُ الله الذي أقامني هنا في الأحساء لأربعين سنة بعد الشَّام التي عشت فيها ربع قرنٍ من الزَّمان أن يصلح حالي وقلبي وعملي ليكون في رضاه ، ويُلهمني رشدي ليكون على هديه وتقواه،وأن يسخّرني لعملٍ يرضى به عني ويغفر لي زلاتي وتقصيري وطمعي بعفوه وغفرانه وفضله وكرمه فليس لي من زادٍ إلا رحمته اللهم ياصاحب الفضل والجود ياأرحم احمين ياالله اختم لي بالحسنى والحمد لله رب العالمين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين