فآتوهن أجورهن

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، محمد خاتم المرسلين، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وبعد:

فقد وردت هذه الجملة (آتوهن أجورهن) بصيغة الأمر في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم، [النساء: 24، 25، الطلاق: 6]، ومرتين بصيغة الماضي خطابا للجميع [المائدة: 5، الممتحنة: 10]، ومرة واحدة بصيغة الماضي لخطاب المفرد [الأحزاب: 50]، وقد أطلق (الأجر) في خمس آيات من هذه الآيات الست على مهور النساء، وأطلق مرة واحدة على الأجر الذي تأخذه المطلقة مقابل الرضاع، وقد ورد السؤال حول سبب تسمية المهور أجورًا، فأقول مستعينا بالله تعالى ومستمدًّا منه التوفيق والسداد:

يقول الفخر الرازي رحمه الله: (وإنما سمي المهر أجرًا لأنه بدل المنافع، وليس ببدل من الأعيان) [مفاتيح الغيب 10/ 40].

وقال في تفسير كلمة (نِحْلَةً) من قوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4]: (فيه احتمالان: أحدهما: أنه عطية من الزوج؛ وذلك لأن الزوج لا يملك بدله شيئا؛ لأن البُضع في ملك المرأة بعد النكاح كهو قبله، فالزوج أعطاها المهر ولم يأخذ منها عوضا يملكه، فكان في معنى النِّحلة التي ليس بإزائها بدل، وإنما الذي يستحقه الزوج منها بعقد النكاح هو الاستباحة لا الملك) [مفاتيح الغيب: 9/ 492].

لكن تظهر لي بعض الملاحظات على النحو التالي:

1. سمي المهر أجرا؛ لأن الزوج بعقده على المرأة صارت في عصمته، ومُنع من بذل الانتفاع والاستمتاع ببُضعها لغير زوجها، في حين أبيح للرجل التزوج بغيرها، ولذا تسمى المرأة المتزوجة محصَنة على صيغة اسم المفعول، بينما يسمى الرجل محصِن على صيغة اسم الفاعل، والإحصان المنع.

2. سمي المهر أجرا كذلك؛ لأن الرجل قد استحق بذلك القوامة، وفقدت المرأة جزءا من حريتها بخضوعها وطاعتها لزوجها، قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34].

قال الفخر الرازي مبينا وجه تفضيل الرجال على النساء: (والسبب الثاني لحصول هذه الفضيلة قوله تعالى: {وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} يعني الرجل أفضل من المرأة لأنه يعطيها المهر وينفق عليها) [مفاتيح الغيب: 10/ 71].

3. سمي كذلك والله وأعلم؛ لأن الرجل إذا طلق امرأته استحق عليها العدة، ولم تخرج من عصمته إلا بانتهائها، وصارت المرأة ممنوعة من التزوج بغيره إلى حين انتهاء عدتها، وتظل في حصانته طول مدة العدة، مشغولة عن الخُطَّاب، فعدنا بذلك إلى السبب الأول المذكور آنفا.

مما سبق عُلم أن مهور النساء ليست مستحقة فقط مقابل الاستمتاع؛ لأنه أمر مشترك بين الرجل والمرأة، بل هو مقابل عدد من المنافع؛ لذلك استحق أن يسمى أجرًا.

والله أعلى وأعلم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين