من موضوعات سور القرآن: سورة المائدة

سورة المائدة مدنية وآياتها عشرون ومائة.

وتسمَّى سورة العقود، وسورة المنقذة. وهي مدنية، آياتُها مئة وعشرون، ومن أواخر القرآن نزولاً.

وتشتمل هذه السورة على بيان وجوب الوفاء بالعقود عامَّة، سواء أكانت بين العبد وربه، أم بين العبد وأخيه: مثل النكاح والصداق والحلف والمعاهدة والأمان والوصية والوديعة والوكالة والاجارة. 

وقد تضمَّنت أحكامًا شرعيَّة منوَّعة: منها ما يتعلق بالحلال من الذبائح والصيد، ومنها ما يتعلق بالحلال والحرام في فترة الإحرام وفي المسجد الحرام. ومنها ما يتعلق بالطهارة والصلاة، ومنها ما يتعلق بالقضاء وإقامة العدل، بين المسلمين ومع العدو، ومنها ما يتعلق بالحدود في السرقة، والخروج على الجماعة المسلمة، ومنها ما يتعلق بالخمر والميسر والأنصاب والأزلام. وقد نصَّت على تحريم الخمر تحريماً قاطعاً. 

وفي السورة من الآيات ما يتعلق بأمور كانت في الجاهلية كالبَحيرة والسائبة والوصيلة والحامي من الأنعام. 

كما تضمَّنت السورة مناقشة اليهود والنصارى، وقرَّرت وجوب الحكم بما أنزل الله تعالى، كما أوجبت القصاص تهذيباً لطبيعة البشر، ومنعاً للظلم والشر. وأخيراً، خُتمت السورة بذكر المعجزات التي جرت على يد عيسى عليه السلام وكفَرَ به وبها بنو إسرائيل.

إلى جانب هذه الأحكام الشرعيَّة المتنوعة يجيء الأمر بالطاعة والتقيُّد بما شرعه الله تعالى وما أمر به سبحانه، والنهي عن التحريم والتحليل إلا بإذنه، ويأتي النص الواضح على أنَّ الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله تعالى للناس بعد أن أكمله وأتمَّ به نعمته.

ثم بعد ذلك كله يجيء بيان ملك الله سبحانه للسماوات والأرض وكمال قدرته. 

والقرآن الكريم له هدف كبير في بناء المجتمع الإسلامي، ولذلك يخوض دائماً معارك مع أعداء الإسلام، وفي مقدمتهم اليهود والمشركون والمنافقون، ولذلك نراه في هذه السورة يقرر بحسم في التعبير، سواء في ذلك الأحكام الشرعية التي تقتضي بطبيعتها التقرير والحسم في القرآن كله، أو المبادئ والتوجيهات التي قد تتخذ في غير هذه السورة صوراً أخرى، ولكنها هنا في هذه السورة تقرر في حسم وصرامة. وأسلوب التقرير الدقيق، هو الطابع العام المميِّز لشخصية سورة المائدة هذه من بدئها الى منتهاها. تيسير التفسير 1: 457

وقال في آخر السورة 1: 547 – 549:

وقد اشتملت على عدة نداءات إلَهيَّة للمؤمنين، يُعتبر كل واحد منها قانوناً لشأن من الشئون، فنادى الله تعالى عباده المؤمنين بما شرع لهم من أحكام، وأرشد إليه من أخلاق في مواضع لم نر عددها في أطول سورة وهي البقرة، نذكرها بالترتيب:

{يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ أَوْفُواْ بالعقود . . .}.

{يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ الله . . ..}.

{يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصلاة فاغسلوا وُجُوهَكُمْ..}.

{يَا أَيُّهَآ الذين آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بالقسط....}.

{يَا أَيُّهَآ الذين آمَنُواْ اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ . . ..}.

{يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ اتَّقوا الله وابتغوا إِلَيهِ الوسيلة ....}.

{يا أيُّها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ اليهود والنصارى أَوْلِيَآءَ....}.

{يا أيُّها الذين آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي الله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ....}.

{يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الذين اتخذوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِّنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ والكفار أولياء....}.

{يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ الله لَكُمْ وَلاَ تعتدوا ....}.

{يا أيها الذين آمَنُواْ إِنَّمَا الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشيطان فاجتنبوه ....}

{يا أيها الذين آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ الله بِشَيْءٍ مِّنَ الصيد تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ ....}

{يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصيد وَأَنْتُمْ حُرُمٌ . . ..}

{يا أيُّها الذين آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ....}

{يا أيُّها الذين آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا اهتديتم....}

{يِا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الموتُ حِينَ الوصيَّة....}.

هذه ستة عشرة نداءً وُجّهت الى المؤمنين خاصة، يعتبر كل نداء منها قانوناً ينظم ناحية من نواحي الحياة عند المسلمين بأنفسهم، وفيما يختص بعلاقتهم بأهل الكتاب.

وفيها كذلك نداءان من الله لرسوله، وليس هناك نداء له عليه الصلاة والسلام بهذا الوصف في غير هذه السورة: وهما قوله تعالى:

{يا أيها الرسول لاَ يَحْزُنكَ الذين يُسَارِعُونَ فِي الكفر مِنَ الذين قالوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ}.

وقوله تعالى: {يا أيها الرسول بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس}.

وقد وجَّهت نداءين الى أهل الكتاب: وهما قوله تعالى:

{يَا أَهْلَ الكتاب قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الكتاب}. وقوله تعالى:

{يَا أَهْلَ الكتاب قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ على فَتْرَةٍ مَّنَ الرسل}.

وأمرت الرسول الكريم ثلاث مرات أن يوجِّه إليهم النداء في موضوعات ثلاثة في شأن ما يثيرون به الخلاف بينه وبينهم.

{قُلْ يا أهل الكتاب هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بالله وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ}.

{قُلْ يا أهل الكتاب لَسْتُمْ على شَيْءٍ حتى تُقِيمُواْ التوراة والإنجيل وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ}.

{قُلْ يا أهل الكتاب لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الحق وَلاَ تتبعوا أَهْوَآءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ السبيل}.

هذه جملة النداءات التي وجِّهت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وإلى المسلمين، وإلى اهل الكتاب، أو أُمر النبي بتوجيهها إليهم في هذه السورة، وقد مرت كلها في أثناء الكلام عليها باختصار، ومن أراد زيادة تفصيل فليرجع إلى ما كتبه في التفسير أستاذنا المرحوم الشيخ شلتوت.

نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممَّن توجهت قلوبهم إليه، ولم يعتمدوا في قبولهم ونجاتهم إلا عليه، وأن يجعل ثمرة إيماننا زكاة نفوسنا، وثبات قلوبنا، وصلاح أعمالنا، وفكاك أسارنا.

{يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}. والحمد الله رب العالمين.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين