ملامح سور القرآن الكريم: سورة إبراهيم

سورة إبراهيم في معنى الكلمة الطيبة، وهي نوعان: شكرٌ لنعمته، وبلاغٌ لدعوته، وفي ضدها، وهو الكلمة الخبيثة، تكون كفرًا بنعمة الله، أو كفرًا بما جاء في وحيه من الحق.

ولذلك ما ترى من صنيع الكفار مع رسلهم في السورة، إذ جاء فيها: (فرَدُّوا أيديهم في أفواههم وقالوا: إنا كفرنا بما أرسلتم به)، وقد اختلف المفسرون في معنى ذلك، فقيل: معناه: العض عليها من الغيظ، أو غطُّوا أفواههم من غلبة الضحك، أو غطوها إشارة إلى الإسكات، أو وضعوا أيديهم على أفواه الرسل لإسكاتهم. وقد قيل بكل هذا وغيره. وانظر مفاتيح الغيب فقد استقصاها.

فإذا عرفنا المعنى الذي تدور عليه السورة ترجح به المعنى الأخير - وهذا من فوائد التفسير الموضوعي لسور القرآن- وهو أنهم يسكتونهم بوضع أيديهم على أفواههم، فالضمير في (أيديهم) للكفار، وفي (أفواههم) للرسل. وحين لا يفلحون في إسكاتهم -لأنهم أمروا بالبلاغ- يخرجونهم من أرضهم، وهذا علامة قرب الفتح، فبعده جاء: (واستفتَحوا، وخاب كل جبار عنيد).

في سورة يوسف: (إنا أنزلناه قرآنًا عربيًّا)، وفي سورة الرعد: (وكذلك أنزلناه حكمًا عربيًّا)، وفي سورة إبراهيم: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبيِّن لهم)، فمجيء القرآن عربيًّا نعمة من النعم، ومن شكرها: تعليمه وتعليم لسانه لمن لا يعرفه، فضلًا عن تدبره والاهتداء بهديه.

ومن نعم الله على بني إسرائيل بعثة موسى، وتذكيره لهم بأيام الله، وفي ضمن ذلك القانون الذي يقول: (لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد).

إن الشكر باللسان هو دليل على ما في القلب، وعون على استِتْباع الجوارح، وكل ما كان من وادي الإيمان بالله وتسبيحه هو كلمة طيبة -وأعظمها وأفضلها: لا إله إلا الله- يلهمها الله الذين آمنوا في الدنيا والآخرة، وجاءت في وحي الله وقرآنه بصيغ كثيرة، وعلى لسان أنبيائه وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، فالكلمة الطيبة تقال بكل الألسنة، وفي كل الأحيان، مستمدَّة من الوحي، ومعبرة عن ثمرات الإيمان، وحاملة على طلبها، ومرغبة فيها، ومذكرة بها، وهي ثابتة لأنها من الحق الذي قامت به السموات والأرض.

وإبراهيم -عليه السلام- مثل عالٍ للإنسان الشاكر لأنعم الله، ومن ثمرات شكره: دعواته، وما استجاب له الله به في ذريته التي أسكنها بوادٍ غير ذي زرع، فجعل الله فيه الخير الكثير، وجبى إليه ثمرات كل شيء، وهذا مثَل لبركة الكلمة الطيبة، والدعوة المخلصة.

ومن ثمراته أيضًا: دعوته إلى التوحيد، وتحطيمه الأصنام، وخوفه من إضلالها.

وعاقبة الظالمين الذين بدَّلوا نعمة الله كفرًا وأحلوا قومهم دار البوار أن يسربلهم القطران كما سُربلوا بنعم الله في الدنيا فلم يشكروها، وأن يُسقَوا من ماء صديد يتجرعونه ولا يسيغونه، لأنهم استعملوا أفواههم وحناجرهم في الصدِّ عن سبيل الله، وفي الكفر بنعمة الله. وكما أرادوا إزالة الجبال بمكرهم، فأبطل الله مكرهم، كانت أعمالهم كرماد اشتدَّت به الرياح في يوم عاصف، في تفرقه وضياعه، كنا قال: (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا).

ويوم القيامة -كما في مشاهد كثيرة في القرآن- يتلاوم المُتَّبِعون والمُتَّبَعون، ويقوم الشيطان خطيبًا، ويختصر إضلاله في أنه دعوة، فهؤلاء استجابوا لدعوته، وهي كلمة، اغترارًا بوعده، وهو كلمة، وكفروا بدعوة الله ووعده، فلا جدوى من الصراخ، وهو كلمة، ولا مجيب له، هذا على حين يُحَيَّا المؤمنون في الجنَّة بالسلام.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين