مشكلات الشباب

هذه خطبة قديمة، قبل أربعين عاما، كنت حضَّرْتها وكتبتها وأمثالها في المسجد الحرام، عندما كنت خطيبا في جامع النور بأحد أحياء جدة القديمة، وبقيت ضمن أوراقي الكثيرة التي تكرَّم بإحيائها وتذكيري بها الأخ الحبيب طارق عبد الحميد.

وقد راجعتها وأضفت عليها إضافات كثيرة، لتنشر في ركن الشباب في موقعنا، فجزى الله الأخ الكريم الأستاذ طارق على متابعته وحسن ظنه، ونفع بما كتبت وخطبت، وتقبل منا بأحسن القبول.

الشباب يعني مرحلة العطاء، ومرحلة الإنتاج، ومرحلة القوة والحيوية في حياة الإنسان، لأن مرحلة الشباب هي المرحلة التي تلي مرحلة المراهقة، وتأتي بعدها مرحلة الكهولة والشيخوخة.

وكما أن كل تغيير ونهضة في المجتمعات والأمم بحاجة إلى عقل الشيوخ وحكمتهم وتجربتهم فإنها كذلك بحاجة أشد إلى قوة الشباب وحيويتهم وقدراتهم.

إنَّ دولة الإسلام الأولى ودعوة الإسلام التي عمَّ نورها أرجاء المعمورة، إنما كان عمادها وجنودها الشباب الذين جاهدوا بأنفسهم وأموالهم في سبيل نشر رسالة الإسلام وإقامة دعائم الدولة المسلمة من أمثال علي وسعد ومصعب وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم جميعاً.

مشكلات الشباب كثيرة، ولا يعني الحديث عنها أنها موجودة عند كل الشباب، ومن أهم تلك المشكلات:

1 ـ ضعف الاهتمام بالوقت:

كثير منهم لا يعبأون بأوقاتهم، والشباب زهرة هذا العمر، فإذا لم يستثمرها الإنسان في شيء نافع فإنها تذهب هباء.

وهذه الحياة أمانة في أعناقنا، والله سبحانه لم يخلقنا سُدى، ولم يتركنا هملاً.

(نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ).

(قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسئل: عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه)الترمذي.

وهذا السؤال واقع وحق، فلابد للإنسان أن يعدَّ جواباً سديداً، وقد يظن الإنسان أنه يستطيع أن يلبِّس أو يزوِّر أو يخفي بعض الحقائق...

[يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ] {النور:24}.

[وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ] {فصِّلت:21}.

لقد أصبح الوقت العدو اللدود عند كثير من الشباب، يحاول قتله بالسهر أو السفر، أو الحديث مع الزملاء فيما لا ينفع، ثم ينام كثيراً، ويهمل كثيراً من واجباته في حقِّ الله تعالى وفي حقِّ نفسه أيضاً، ويترهل جسمه وتضعف قوته نتيجة للسهر المتواصل والنوم الطويل.

ومما يعين على حفظ الوقت: أن ينظِّم الشاب أعماله في اليوم، ويضع كل شيء في موضعه الصحيح، وأن يضع جميع الحقوق المتعلِّقة به، من العبادة وصلة الرحم والقراءة.

وحق البدن: ألا تُسْرف في السهر، وأن لا تثقل عليه بالمآكل والمشارب، وأن تعطيه قسطاً من الراحة والرياضة المباحة..

2 ـ الضحالة الثقافية والسطحية الفكرية:

التكوين الثقافي لا يأتي إلا بجهد ومصابرة وتدريب وتدرُّب على القراءة والاطلاع.

نجد لدى كثير من الشباب سطحية بالغة في التفكير فلا يمعن النظر ويكتفي أحدهم بالنظرة العجلى، ويعتريه الملل، ولا يريد أن يكلف نفسه عبء التفكير والنظر والتأمل.

ولو أنه ألزم نفسه بالتعلم ودربها على أساليب التفكير الصحيحة وطرائق النظر الجادة لاستطاع أن يصل بها إلى أعلى الرتب، لأن كل شيء يسهل على النفس بالتعود والتدرب عليه (قيادة السيارة ـ القراءة وكتابة الأحرف ).

ومن الفراغ الفكري الذي يعيشه كثير من الشباب أنه : لا هدفلديهم ... ولا رسالة... ولا مسؤولية..

ما هو هدفك؟ إكمال الدراسة، ثم الوظيفة، ثم السيارة..

يقول أكثرهم :اهتم بنفسك ومستقبلك... الشهادة والوظيفة والراتب.

وأين أنت أيها الشاب من مصالح الأمة... وكرامة الأمة... وعزتها...

وأين أنت أيها الشاب من رسالتك التي يجب أن تحملها: [وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا] {البقرة:143}.[وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ] {الحج:78}.

ومن مظاهر الضحالة الفكرية: تدني المستوى العلمي: وعدم الاهتمام بالعلم والازدياد منه، ومعرفة منزلته[قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ] {الزُّمر:9}.

[وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا] {طه:114}. فهناك أعداد كثيرة من الشباب في المدارس والمعاهد... فالكمُّ والعدد كثير ولكن النوعية المميَّزة قليلة جداً.

3 ـ افتقاد القدوة الصالحة: والقدوة لها أهمية كبيرة في ترشيد السلوك وتوجيهه، ولذلك جعل الله لنا رسوله صلى الله عليه وسلم قدوة نقتدي بها.

وما انتشرت المفاسد ولا اختلت المفاهيم إلا بغياب القدوة الصالحة وحلت محلها القدوة السيئة، فأصبحنا نرى كثيراً من الشباب المسكين يقلد طريقة هذا المغني في حركته، أو ذاك الممثل في تصرفه، أو اللاعب الفلاني في تسريحة شعره.. لأن الشباب فقد القدوة الصالحة التي أدى غيابها إلى هذا الفراغ الذي ملأه هؤلاء.

إن على الشباب أن يكونوا بأنفسهم قدوة صالحة لغيرهم: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً).

ومما يعين على وجود القدوة الاتصال بالعلماء الصالحين..

4 ـ الفجوة بين الآباء والأبناء هناك جيلان: جيل الشيوخ وجيل الشباب، فجيل الشيوخ يتكلمون بالمثل الرفيعة والأخلاق العالية، والشباب ينظرون إلى جيل الشيوخ أنهم قد تجاوزهم الزمن فلم يعودوا صالحين لشيء.. وكلا الفريقين مخطئ، فالشباب مرحلة الحيوية فلابد أن يرضى نوازع اللعب والراحة ضمن حدود الشريعة.. ولكن الشباب مخطئون في رفض تجربة هؤلاء الشيوخ التي يضرب بها عرض الحائط... وتوجيهات الأب ليس لها مبعث إلا الحرص. وتوقير الكبير مطلوب: (ليس منا من لم يوقِّر كبيرنا ويرحم صغيرنا).

(إن إحلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم).

5 ـ الغريزة الجنسية المتأججة والجنوح العاطفي: الإسلام ما جاء للقضاء على الغرائز التي فطر عليها البشر، ولكنه جاء ليهذِّبها ويقوِّمها. ومن أعنف الغرائز: الغريزة الجنسية. ومرحلة الشباب هي مرحلة اكتمال النضج، وكل غريزة تتطلب إشباعات: فالإنسان إذا جاع أحسَّ بالحاجة الملحَّة إلى الطعام،وكذلك إذا عطش، وكذلك إذا سهر أحسَّ بالحاجة إلى النوم، فتدفعه هذه الغريزة إلى البحث عما يشبعها ويسكنها، وكذلك الإنسان عندما تكتمل قواه الجنسية بحاجة إلى تصريف هذه الطاقة.

ومن حكمة الله في خلقه أن جعل هذه الغريزة دافعاً لبقاء النوع البشري حتى يستمر النسل، وتستمر عمارة الأرض.

ولكن الشباب في هذه المرحلة يلاقون عنتاً كبيراً من أمور كثيرة تهيج هذه الغريزة، فهذا الزخم الإعلامي من قنوات فضائية ، ومواقع الكترونية ، مسلسلات وصور ومجلات تؤزُّ الغريزة أزاً، وتدفع بها إلى الانفلات، ولو كان صاحبها رجلاً راشداً كبيراً، فكيف بالشاب المندفع؟!!.

والنبيُّ صلى الله عليه وسلم وضع علاجاً لهذه المشكلة، فقال عليه الصلاة والسلام: ( يا معشر الشباب من استطاع الباءة فليتزوَّج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) فالزواج مع القدرة على تكاليفه ومتطلباته والقيام بأعبائه هو أفضل طريق لعلاج هذه المشكلة.

والصوم عبادة وعلاج ناجح لهذه الغريزة يخفِّف من حدّتها.. ولكن هذا العلاج لا يفيد إذا بقي الإنسان في حمأة الشهوة، يقرأ ما يثير غريزته، ويجلس مع رفقة تتحدث دائماً عن هذه الأمور، وكل منهم يباري غيره بذكر تجاربه... فلن يفيد الشاب صومه في هذا الجو الموبوء.

فالمثيرات وقرناء السوء، والمناظر الخليعة، والمجلات الهابطة، عوامل تثير هذه الغريزة، فلابد من الابتعاد عنها أولاً، ثم الصوم ثانياً، ثم يشغل الشاب نفسه برياضة نافعة، تريحُ الأعصاب وتزيل التوتر،وكذلك القراءة والقيام بأعمال اجتماعية. يجب أن نعوِّد أنفسنا على استثمار أوقاتنا، حتى نشغل أنفسنا..

إنَّ تأجج هذه الغريزة يدفع الشاب إلى الوقوع فيما يضرُّه بدنياه وآخرته.

وتغريه بالسفر إلى بلاد الفسق والفجور فيتحمَّل: الخسارة المادية , وتوقعه في الأمراض الجنسية التي استعصى شفاؤها ولم يجد لها الطب حلاً.

والأمر الثالث: وهو أخطر من ذلك الوقوع في سخط الله:[وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا] {الإسراء:32}.

هذه بعض أهم المشكلات ، وهناك مشكلات أخرى ، كالتعليم ، وأزمة العمل ، والتدخين ، وأزماتهم هي جزء من أزمات المجتمع الكثيرة.

نسأل الله أن يبارك لنا في شباب الإسلام ، فهم عماد الأمة ، وحملة المسؤولية ، وهم أساس المجتمع ، فإن صلحوا صلح المجتمع ، وإن فسدوا فسد المجتمع.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

نشرت 2012 وأعيدَ تنسيقها ونشرها 14/12/2020

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين