1- أمته خير الأمم :
وأمَّة النبي صلى الله عليه وسلم خير الأمم ، قال تعالى : (( كنتم خير أمَّةٍ أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله )) ( آل عمران : 110 ) .
وقد اختارها سبحانه وتعالى من بين الأمم ليشرِّفها بحمل رسالة الإسلام فقال : (( هو اجتباكم و ما جعل عليكم في الدِّين من حرجٍ ملَّة أبيكم إبراهيم هو سمَّاكم المسلمين من قبلُ )) ( الحج : 87 ) . وقال أيضاً : (( و كذلك جعلنكم أمَّةً وسطاً لتكونوا شهداء على النَّاس ويكون الرَّسول عليكم شهيداً وما جعلنا القبْلة التي كنت عليها )) ( البقرة : 143 ) . والوسط الخيار و الأجود ، كما يقال : قريشٌ أوسط العرب داراً ، أي خيرها . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطاً في قومه أي أشرفهم نسباً .
ولمَّا جعل الله هذه الأمَّة وسطاً ، خصَّها الله تعالى بأكمل الشَّرائع ، وأقوم المناهج ، وأوضح المذاهب .
وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه في قوله تعالى : ((كنتم خير أمَّةٍ أخرجت للناس )) قال : (( خير النَّاس للنًّاس تأتونَ بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام )) .
وفي الحديث عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده : سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلم يقول في هذه الآية (( كنتم خير أمَّةٍ أخرجت للناس )) قال : (( أنتم متمون سبعين أمَّةً أنتم خيرها وأكرمها على الله )) . وهو حديث حسن صحيح أخرجه الترمذي وحسنه ، وابن ماجة ، والحاكم وصححه ، وله شاهد مرسل عن قتادة عند الطبري رجاله ثقات .
وفي حديث علي عند أحمد بإسنادٍ حسنٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( وجُعِلَتْ أمَّتي خيرَ الأمم )) .
ومهما ضعفت فقد قدر الله بقاءها مع بقاء الدنيا وامتداد عمرها ، ويبقى فيها من يتمسكون بالحق ، ويثبتون عليه ، ففي الحديث عن المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لا يزال ناسٌ من أمتي ظاهرين ، حتى يأتيهم أمرُ الله وهم ظاهرون )) .
وعن معاوية رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( لايزالُ من أمَّتي أمَّةٌ قائمةٌ بأمرِ اللهِ ، لا يضرُّهم من خذلهم ، ولا من خالَفَهم ، حتى يأتيهم أمر اللهِ وهم على ذلك ))
* * *
2 – أمته أكثر الأمم :
وهي أكثر الأمم ، ففي الحديث عن ابن عباس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( عُرِضَتْ عليَّ الأمم ، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يمرُّ معه الأمة ، و النبيُّ يمرُّ معه النفرُ ، والنبيُّ يمرُّ معهم العشرةُ ، والنبيُّ يمرُّ معه الخمسةُ ، والنبيُّ يمرُّ وحده . فنظرتُ فإذا سوادٌ كثيرٌ قلت : يا جبريل هؤلاء أمتي ؟ ، قال : لا ، ولكن انظر إلى الأفق ، فنظرتُ فإذا سوادٌ كثيرٌ ، قال : هؤلاء أمتك ، وهؤلاء سبعون ألفاً قدَّامهم ، لا حساب عليهم ولا عذاب ، قلتُ : ولم ؟ ، قال : كانوا لا يكْتَوون ، ولا يستَرْقون ، ولا يتطيَّرون ، وعلى ربِّهم يتوكلون )) ، فقام إليه عكاشة بن محصن فقال : ادعُ الله أن يجعلني منهم ، قال : (( اللهم اجعله منهم )) ، ثم قام إليه رجل آخر فقال : ادعُ الله أن يجعلني منهم ، فقال : (( سبقك إليها عُكاشة )) .
وعن أبي هريرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( ما مِنْ الأنبياءِ نبيٌّ إلا قدْ أعْطيَ مِنَ الآيات ما مثله آمنَ عليه البشرُ ، وإنَّما كان الذي أوتيتُ وحياً أوحى الله إليَّ ، فأرجو أن أكون أكثرَهم تابِعاً يومَ القيامةِ )) .
وعن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أنا أكثرُ الأنبياءِ تبعاً يوم القيامةِ ، وأنا أولُ من يقرع بابَ الجنةِ )) .
وأمَّته نصف أهلِ الجنة ، ففي الحديث عن عبدالله بن مسعود قال : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أما ترضونَ أن تكونوا ربعَ أهل الجنة ؟ )) قال : فكبَّرنا ، ثم قال : (( أما ترضونَ أن تكونوا ثُلُثَ أهلِ الجنة ؟ )) قال : فكبَّرنا ، ثم قال : (( إني لأرجو أن تكونوا شطرَ أهلِ الجنة . وسأخبركم عن ذلك ، ما المسلمون في الكفار إلا كشعرةٍ بيضاءَ في ثورِ أسودَ أو كشعرةٍ سوداءَ في ثورٍ أبيضَ )) .
* * *
3- الآخرون السابقون :
وأمتُه صلى الله عليه وسلم هم الآخرون خلقاً وزماناً ، والسابقون فضلاً وثواباً ، قال تعالى : (( إنما جُعِلَ السبت على الذين اخْتَلفوا فيهِ وإنَّ ربَّك لَيَحْكُمُ بينهم يوم القِيامة فيما كانوا فيهِ يخْتلِفون )) ( النحل : 124 ) ، أي جعل السبت على الذين اختلفوا في شأنه مع نبيهم موسى عليه السلام ، إذ أمرهم بيوم الجمعة فخالفوه ، واختاروا يوم السبت .
وفي الحديث الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( نحن الآخرون السابقون يوم القيامة ، بيدَ أنَّهم أوتوا الكتاب من قبلنا ، وأوتيناه من بعدهم ، وهذا يومُهم الذي فُرِضَ عليهم ، فاختلفوا فيه ، فهدانا الله له ، فهم لنا فيه تبعٌ ، فاليهود غداً ، والنصارى بعد غدٍ ))
* * *
4- لا يسلِّط الله على أمتِه مَنْ يستأصلهم :
لا يسلِّط الله تعالى على الأمة الإسلامية عدواً من غيرهم يستأصلُهم استئصالاً كاملاً ، ففي الحديث عن ثوبان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إنَّ الله زوى لي الأرضَ فرأيتُ مشارقها ومغاربها ، وإنَّ أمتي سيبلغُ ملكُها من زُويَ لي مِنْها ، وأُعطيتُ الكنزين الأحمرَ والأبيضَ ، وإني سألتُ ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنةٍ عامةٍ ، وألا يسلِّط عليها عدواً من سوى أنفسهم فيستبيحَ بيضتَهم ، وإن ربِّي قال : يا محمد ! إني إذا قضيتُ قضاءً فإنه لا يردُّ ، وإني أعطيتُكَ لأمتكَ أن لا أهلكهم بسنةٍ عامةٍ ، وأن لا أُسَلِّطَ عليهم عدواً من سوى أنفسهم يستبيحُ بيضتَهم ، ولو اجتمعَ عليهم مَنْ بأقطارها - أو قال مِنْ بينِ أقطارها - حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً فيسبي بعضهم بعضاً )) .
ويؤيد هذا قوله تعالى : (( ولن يَجْعل اللهُ للكافِرينَ على المؤمنينَ سبيلاً )) ( النساء : 141 ) أي بتسليط الكافرين على المؤمنين تسليطاً كاملاً يؤدي إلى استئصالهم .
* * *
5- أمته أعظم الأمم ثواباً :
في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( مثلُكم ومثلُ أهل الكتابين كمثلِ رجلٍ استأجرَ أُجراءَ ، فقال : مَنْ يعملُ لي مِنْ غدوةٍ إلى نصف النهارِ على قيراطٍ ؟ فعملتِ اليهودُ .
ثم قالَ : مَنْ يعملُ لي مِنْ نصفِ النهارِ إلى صلاةِ العصرِ على قيراطٍ ؟ فعمِلَتِ النصارى .
ثم قال : مَنْ يعملُ لي مِنَ العصْرِ إلى أن تغيب الشمس على قيراطين ؟ فأنتم هم .
فغضبت اليهود والنصارى فقالوا : ما لنا أكثر عملاً وأقل عطاءً ؟ ، قال : هل نقصتُكم من حقِّكم ؟ ، قالوا : لا ، قال : فذلك فضلي أوتيه من أشاء )) .
ويؤيد ذلك ما وردَ في سبب نزول سورة القَدرِ ، أخرجَ ابن المُنذرِ وابن أبي حاتم والبيهقي في (سننه) عن مجاهد أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلاً من بني إسرائيل لبسَ السلاحَ في سبيل الله تعالى ألفَ شهرٍ ، فعجبَ المسلمونَ من ذلك ، وتقاصرتْ إليهم أعمالُهم ، فأنزل الله تعالى السورة .
وذكر الإمام مالك في (الموطأ) أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أري أعمار الأمم كافةً ، فاستقصر أعمار أمته ، وخاف ألا يبلغوا من العمل مثلَ ما بلغَ غيرُهم في طولِ العمرِ ، فأعطاه الله تعالى ليلةَ القدرِ .
* * *
6- أمته صلى الله عليه وسلم لا تجتمع على ضلالة :
دلَّ على ذلك قوله تعالى : (( ومَن يُشاقِقِ الرسولَ مِنْ بعدِ ما تبيَّن لهُ الهدى ويتَّبِعْ غيرَ سبيلِ المؤمنينَ نولِّهِ ما تولَّى ونصْلِهِ جهنَّم وساءتْ مصيراً )) ( النساء : 115 ) ، لقد دلَّت الآية على أن الله تعالى حفظَ المؤمنين من الاجتماع على الخطأ والضلال ، فلا تجتمع آراؤهم على ضلالة ، وجاء في الأثر عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : ما رآهُ المسلمونَ حسناً فهو عندَ اللهِ حسنٌ .
وهذه الآية دليلٌ في رأي كثيرٍ من العلماء على حُجيّةِ الاجماعِ ، وهو اتفاقُ آراء العلماء على حكم قضيةٍ حادثةٍ لا نصَّ فيها .
قال ابن كثير : (( الهدى ويتَّبِعْ غيرَ سبيلِ المؤمنينَ )) هذا ملازم للصفة الأولى ، ولكن قد تكون المخالفة لنصِّ الشارع ، وقد تكون لما اجتمعت عليه الأمة المحمدية فيما عُلِمَ اتفاقهم عليه تحقيقاً ، فإنه قد ضُمِنَتْ لهم العصمة في اجتماعهم من الخطأ ، تشريفاً لهم ، وتعظيماً لنبيهم .
وقد وردت أحاديث صحيحة كثيرة في ذلك ، ومن العلماء من ادعى تواتر معناها ، والذي عوًّل عليه الشافعيُّ في الاحتجاج على كون الإجماع حجة تحرم مخالفته ، هذه الآية الكريمة ، بعد التروي والفكر الطويل ، هو من أحسن الاستنباطات وأقواها .
وروى الإمام أحمد والطبراني في (الكبير) وابن أبي خيثمة في (تاريخه) عن أبي نضرة الغفاري في حديث : (( سألتُ ربي ألا تجتمع أمتي على ضلالةٍ فأعطانيها )) .
وعن ابن عباس رفعه بلفظ : (( لا يجمعُ الله هذه الأمة على ضلالةٍ ، فيدُ اللهِ مع الجماعة )) .
وعند الترمذي وابن ماجة عن أنس رفعه : (( إنَّ أمتي لا تجتمع على ضلالةٍ ، فإذا رأيتم الاختلاف فعليكم بالسوادِ الأعظمِ )) .
* * *
7- إمامها في الصلاة منها :
ففي الحديث عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( كيف أنتم إذا نزل ابن مريمَ فيكم ، وإمامكم منكُم )) .
وعن جابر بن عبدالله قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (( لا تزال طائفةٌ من أمتي يقاتلون على الحق ، ظاهرين إلى يوم القيامة ، قال : فينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم : تعال صلِّ بنا ، فيقول : ألا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمةُ الله هذه الأمة )) .
سيرة النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن الكريم والسُّنَّة الصَّحيحة
جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول