عشر فوائد من مجالس الأستاذ الشيخ نور الدين عتر رحمه الله

انتقل إلى رحمة الله صباح يوم الأربعاء 5/صفر1442 أحد كبار العلماء في بلاد الشام العلامة الجليل المتقن الصالح الورع الناصح المحقق المحدِّث المفسِّر الشيخ نور الدين عتر الحلبي عن (٨٦) سنة قضاها في خدمة العلم والدين.

أستاذ الحديث وعلومه في عدد من الجامعات، وله أكثر من (٥٠) كتاباً في التفسير وعلومه والحديث وعلومه.

أعرف الشيخ رحمه الله منذ كنت صغيراً، فقد كان بيت أسرته في حارة البستان قريباً من بيتنا في حي من أحياء حلب القديمة.

وكنت أعرف والده الرجل الصالح العابد التاجر الصدوق الحاج محمد عتر، وهو صهر العلامة الشيخ محمد نجيب سراج الدين رحمه الله.

وكان مربياً مرشداً، ومن العبَّاد الصالحين المكثرين من الصلاة على النبي ﷺ، وكان بينه وبين والدي صحبة ومحبة، فأورثنا هذا الحب لهذه الأسرة الكريمة.

وقد يسر الله لي صحبة الشيخ نور الدين رحمه الله في السنوات الأخيرة، لا سيما عندما دعي ليكون خبيراً محكِّماً لاعتماد برنامج قسم أصول الدين بكلية الشريعة بجامعة الشارقة، وكنت أستاذاً في الكلية المذكورة، فأقام مدة في الجامعة يسكن قرب بيتي، وكانت أياماً لا تنسى، بل مواسم علم وخير وبركة..

وكنت أصحبه في كثير من الأحيان، وأزوره في بيته، ويزورني في بيتي، ثم أكرمني بإجازته العامة.

وكان يتكلم على سجيته، وأحياناً أسأله فيجيب، وقد دوَّنت كثيراً من فوائده، وهنا أقتطف عشراً منها، ليكون ذلك سبباً في ذكره والترحم عليه، ونشر علمه رحمه الله ورضي عنه.

١- حدثني الأستاذ الشيخ نور الدين عتر رحمه الله عصر يوم الجمعة، (١١/٤/٢٠٠٨) وكنا على شاطئ الممزر بدبي، بحضور ولده الأخ الشيخ يحيى، وابني همام. 

فقال: كنت كثيراً ما أسمع جدي الشيخ نجيب سراج الدين يردّد قوله تعالى:﴿وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ أَبَدࣰا وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ یُزَكِّی مَن یَشَاۤءُۗ وَٱللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمࣱ﴾ [النور: 21] ويسهب في تفسيرها..‏

وكنت أطلب من والدي زيارته، لا سيما بعد انتسابي للثانوية الشرعية.

وقال: كان جدي الشيخ نجيب سراج الدين أوسع دائرة في الفرق والملل والأديان، وكانت له ردود قوية على الأفكار الإلحادية التي ظهرت في عصره، وكان قاسياً عليهم مقابل تطاولهم، وأتى بدليل من السيرة يؤيد فعله.

بينما كان توجَّه ولده الشيخ عبدالله للتفسير والحديث وبث الهدي النبوي، وكان ذلك بتوجيه من والده؛ لأنَّ المرحلة كانت بحاجة إلى هذا التوجه.

٢- حدثني الأستاذ الشيخ نور الدين عتر رحمه الله يوم الإثنين (14/4/2008) فقال:

تجربة الشيخ أحمد شاكر وأخيه الأستاذ محمود، وأحمد صقر وغيرهم علَّمتني أن لا أبدأ بعمل علمي جديد حتى أنجز الذي أعمل به.

هؤلاء الأعلام بدؤا بأعمال لكن لم ينجزوها!

ومرة امتنعت سنة كاملة عن تحكيم البحوث وحضور المؤتمرات لإنجاز الجزء الرابع من كتابي "إعلام الأنام‏".

قال: ولولا هذه الطريقة التي اتبعتها ما أنجزت كثيراً من كتبي، ومنها: كتابي "إعلام الأنام بشرح بلوغ المرام"

وقد طبع في أربعة أجزاء، وهو مقرر في عدد من كليات الشريعة في الجامعات العربية والإسلامية..‏

وكان قد جاء لزيارته د. حمزة المليباري، وقدَّم له دعوة لحضور مؤتمر علمي عن السنة النبوية في كلية الدراسات الإسلامية والعربية، فاعتذر، فقلت له: حضوركم نافع في مثل هذه المؤتمرات، فأجابني بما تقدم ذكره.

٣- حدثني الأستاذ الشيخ نور الدين عتر رحمه الله، فقال: ما كلِّفت بتدريس مادة من المواد الشرعية إلا وكتبت فيها كتاباً.

أستعين بتحضير المحاضرات على التأليف..‏

وقال لي: ما ألَّفت كتاباً إلا وقمت بتدريسه..

وأوصاني مرة في إحدى زياراتي له في منزله العامر بحلب الشهباء بذلك، وقال لي: تدريس الكتاب ينقِّحه، ويصحِّحه..‏

٤- قال أحد الإخوة، للشيخ نور الدين عتر رحمه الله:

أُعدُّ موسوعة في الإعجاز العلمي في القرآن ستبلغ مجلدات!

فقال له الشيخ: أخشى أن يدفعك حماسك في هذا الأمر أن تتكلف في تفسير الآيات كما فعل عدد ممن سار في هذا الطريق،- وذكر الأستاذ زغلول والنابلسي-!

ثم ذكر الشيخ ضوابط ذلك يرجع في معرفتها إلى كتابه في علوم القرآن..‏

وقال: القرآن لا يحتاج إلى مثل هذه التكلفات..

٥- حدثني الأستاذ الشيخ نور الدين عتر رحمه الله، فقال:

يجب العناية البالغة بتدريس اللغة العربية حتى يتذوق شبابنا بلاغة القرآن، ويتعمّقوا في فهم أسراره ومعانيه..

إنّ القرآن الكريم قد أخذ بمجامع قلوب العرب؛ لأنهم فهموه، وتذوقوا بلاغته..‏

٦- قال لي الشيخ نور الدين عتر رحمه الله: ينبغي أن يكون العالم مستقلاً.

وكان هذا منهج مشايخنا، ومنهم: العلامة الفقيه الشيخ محمد سلقيني

والعلامة المحدث المفسّر خالي الشيخ عبدالله سراج الدين رحمهما الله.

٧- في محضر من أساتذة كلية الشريعة بجامعة الشارقة، وبدعوة من أ.د. ماجد أبو رخية، ليلة الجمعة (24/4/٢٠٠٨)

دعا الأستاذ الشيخ نور الدين عتر رحمه الله الأساتذة إلى العناية بالطلبة، وحثهم على البحث العلمي، وتعويدهم على قراءة العبارة في كتب العلماء، وأن يخصصوا جزءا من المقرر لنصوص العلماء السابقين..‏

٨- حدثني الشيخ نور الدين عتر رحمه الله، فقال:

كنت أقول لطلبة العلم: إنكم في إقبالكم على العلم، واجتهادكم فيه تعملون على إطالة عمر الدنيا؛ لأنّ النبي ﷺ قال: "من أشراط الساعة أن يُرفعَ العلم، ويثبُتَ الجهل". رواه البخاري وكان الشيخ عبدالله سراج الدين رحمه الله يقول: يثبت، أي: لا يرتفع..‏

٩- حدثني الشيخ نور الدين عتر رحمه الله، فقال:

ينبغي على الباحث أن يقتنص شوارد الأفكار التي تمر في ذهنه؛ لأنها تأتي قوية يظن صاحبها أنها تثبت، ثم يأتي ليكتبها فلا يجدها

ولهذا أضع أوراقاً بجانبي أكتب ما يخطر لي من أفكار.

ومثل قوة الفكرة وتوهجها عند عروضها كلمعان البرق فينبغي إثباتها‏.

١٠- وسألته هل كتبت شيئاً عن حياتك وصلتك بشيوخك؟

فقال: لم أكتب، وكتب عني بعض الطلبة رسالة ماجستير، بجامعة دمشق، كان يسألني وأجيبه على قدر السؤال، استحييت أن أتحدث عن نفسي.

قلت: نحن بحاجة إلى التعرف على تجربتك الغنية، كونك قد عاصرت المرحلتين: القديمة طريقة الشيوخ، والحديثة طريقة الجامعات..

وبعد: فإنَّ تجربة الأستاذ الشيخ نور الدين عتر رحمه الله العلمية والدعوية تجربة غنية تحتاج إلى دراسة متأنية للكشف عنها، والاستفادة منها، وأن تعمل الأمة على إيجاد أمثال هؤلاء العلماء الربانيين، فنحن بأمسِّ الحاجة إلى أمثالهم في عصر الفتن التي تمر بها الأمة.

والله المسؤول أن يتغمده بواسع رحمته إنه ولي ذلك والقادر عليه، وأن يعوض الله سبحانه المسلمين خسارة رحيله بمنه وكرمه.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين