القراءة

 

الآيات الأولى التي نزلت على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كانت في الحضّ على العلم والقراءة النافعة... قال الله تعالى: {اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربّك الأكرم الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم}.

ورسولنا المعلم صلى الله عليه وسلم نبّه إلى فضيلة العلم والتعلم، وحذرنا من الجهل، فقال: "اغدُ عالماً أو متعلماً أو مستمعاً أو محباً، ولا تكن الخامسة فتهلِك" رواه الطبراني.

وأمرنا سبحانه وتعالى أن نتفكر ونتدبر ونعقل... ولا يكون ذلك إلا بالعلم، ولا يكون العلم إلا بالقراءة والمطالعة المفيدة، فماذا نقرأ، ولماذا نقرأ، ومتى نقرأ، وكيف نقرأ؟ أسئلة يطرحها الإنسان على نفسه وإخوانه ليصل، وهم معه، إلى الغاية المرجوة من القراءة.

ماذا نقرأ؟ 

بين أيدينا كمٌّ هائل من الكتب، والمطبوعات، والدوريات، والصحف المتنوعة الأساليب والأهداف. هذه للتسلية وتزجية الوقت، وهذه لإكساب القارئ ثقافة علمية أو أدبية، وتلك لنشر ما يسمى بالأدب الرخيص والمتعة الغريزية المنحطة، وتيك تدعو إلى أهداف دنيوية وأفكار مادية، وغيرُها تهتم بالتربية على تعدد مشاربها، والاقتصاد على اختلاف أنواعه والتقريب بين المفهومات المتباينة الاتجاهات...

فما الذي نقرؤه، وما الأنواع التي ينبغي أن نغترف من معينها؟ إن نظرة متأنّية إلى ما حولنا تجعلنا نقسّم الناس إلى قسمين:

القسم الأول: يعيش لحاضره غيرَ عابئ بأمسه الدابر، ولا مستقبله الزاهر، يريد أن يعيش متمتعاً بما هو فيه، منغمساً بما يراه، بهيميَّ التفكير، آنيّ اللذة.

والقسم الثاني: يرى نفسه في حلقة متصلة بما سلف، متعلقة بما يأتي، لم يُخلق عبثاً، إنما هي رحلة محدودة الهدف، مرسومة الخطا، وهو إحدى نِقاطها، وآليةٌ مهمة في حركتها، فإما أن يكون نكرة كالقسم الأول، وإما أن يكون عاملاً أساساً في مسيرة الحياة.

ولابد أن يكوّن نفسه ليكون عاملاً إيجابياً يدفع في الاتجاه الصحيح... فتراه ينأى بنفسه عن القراءة السطحية وغُثاء الكمّ المتدفق من الكتب المضرّة والموضوعات التافهة، ويلتزم ما يرفع مستواه علماً وفكراً وأدباً وثقافة، على الصعيدين الديني الذي يربطه بالله واليوم الآخر، وما ينتج عنه من خير في هذه الدنيا، وعلى صعيد الحياة المستقبلية الدائمة التي نسعى إليها راغبين فيها.

وأول ما نقرؤه كتاب الله سبحانه، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وسنة النبيّ صلى الله عليه وسلم، والعلوم الإسلامية الأخرى، ثم العلوم النافعة التي تساعد على بناء الحياة الدنيوية السليمة النظيفة للمجتمع الإسلامي المنشود، ثم كتبُ الأدب النظيف.

لماذا نقرأ؟

القراءة سبيل إلى الإمتاع والإقناع. يقرأ أحدُنا الأدب الرفيع من شعر ونثر وعاطفة وصور بديعة وأفكار رائعة فيتمتع بها. فهي غذاء القلب. ويقرأ الموضوعات العلمية بما فيها من براهينَ دقيقة، وحُجَجٍ دامغة، وتجاربَ واعية، وطرقٍ صحيحة، فيقتنع بما يقرأ، فهي أيضاً غذاء للعقل والفكر. يحمل القيم العليا، والعاطفة المتدفقة، يؤمن بها ويسعى إلى بثّها ونشرها ويعمل دائباً على إفادة مجتمعه بها. يقرأ الطيّب من الأفكار والآداب فيتمثلها ويعمل بها، فتتأصل في نفسه ليكون داعية إليها، وهذا بيان قوله قوله تعالى: {اقرأ باسم ربّك الذي خلق}، إنها القراءة التي تجعل من المسلم نبعاً فياضاً، وسلسبيلاً حلواً، يعلّم الناس ويدلّهم على الصراط المستقيم.

متى نقرأ؟

لابد للقراءة من أوقات هادئة يخلو بها الإنسان إلى نفسه بعيداً عن هموم الحياة وضغطها المتواتر، فالحياة مسؤولية تورث متاعب، والمسلم الجيد من يلجأ إلى القرآن الكريم، فيناجي به ربه، ويسأله العون والسداد، وان يلهمه الهدى والصواب. وقد ذكر القرآن الكريم لنا أوقاتاً للمناجاة الواعية والتدبر والفهم، فقال تعالى: {وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً}، وقال سبحانه: {يا أيها المزمل قُمِ الليل إلا قليلاً}، وقال أيضاً: {إن ناشئة الليل هي أشد وطأً وأقومُ قيلاً}، وقال كذلك: {واذكر اسم ربك بكرة وأصيلاً ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلاً طويلاً}... هذه الأوقات يخلو بها الإنسان من مشاغل الحياة وتبعاتها، فإما أن تكون صباحاً قبل العمل، وإما أن تكون بعد الانتهاء منه، وهذا ينطبق على القراءة المفيدة أياً كان نوعها، فالزمن المناسب للقراءة يساعد على أمرين اثنين:

الأول: قراءة كمية مناسبة.

الثاني: فهمُ ما تقرؤه وحفظُه والتفكير فيه.

كيف نقرأ؟

يُذَكِّرني قولُ ابن عمر رضي الله عنهما: "كنا نقرأ عشر آيات فلا نتعداها إلى غيرها حتى نحفظها ونعمل بها" يذكّرني هذا القول بطريقة مثلى للقراءة الواعية المتدبرة. فنحن حين نقرأ نضع في حسباننا ما يلي:

أولاً: القراءةَ الفاهمة الواعية، والتفكيرَ فيما نقرأ. فإن كان ما نقرؤه كتابَ الله وسنةَ نبيه صلى الله عليه وسلم كان همُّنا فهمَ ما فيهما من تعليمات وتوجيهات وأحكام، ومعرفةَ الحكمة والفائدة ما أمكن. فرسائل ربنا ما كانت للتلاوة والترتيل فقط، إنما كانت للوعي والإدراك والتمثل لها. وإن كان ما نقرؤه كتُبَ العلم والأدب تخيّرْنا منه ما يوافق منهجنا التربوي الفكري الأخلاقي، وتدبرناه لأنه عُصارة التجربة الإنسانية.

ثانياً: تطبيقُ هذه الرسائل على الواقع ومعايشتُها حياةً واقعة، والدعوةُ إليها... فبذلك ننقلها من بطون الكتب وعالم المثال إلى عالم التجربة والحياة... وهنا تكمن الفائدة الحقيقية للقراءة، وإلا فما فائدة القواعد الإيمانية والفكرية إذا قرأناها وحفظناها في العقول والأذهان دون أن نحياها واقعاً ملموساً يفيض بالعطاء على الإنسانية جمعاء.  

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين