ملامح سور القرآن سورة هود

محور سورة هود هو الأسباب الدنيوية وصلتها بالدعوة، من المال والجاه والقوة والسلطان، تجد ذلك شائعًا في كل السورة، وعلى عادة القرآن في أنه بمناسبة الغرض الذي تساق من أجله السورة يفصّل في هذا الشأن ويذكر متعلقاته تجد في هذه السورة كثيرًا من هذه الشئون.

ألق نظرة على المطلع، تجد بعد ذكر إحكام آيات القرآن وتفصيلها، وذكر وظيفة الرسول وإجمالها، يقول: (وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعًا حسنًا إلى أجل مسمًّى ويؤت كل ذي فضل فضله)، فليست الإنابة إلى الله بمانعة من متاع الدنيا والنصيب المقدَّر فيها، بل إن الله يعد المؤمنين بحسنتي الدنيا والآخرة، وبالحياة الطيبة فيهما، كما قال في سورة الأعراف: (قل: مَن حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق، قل: هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة)، فهي في الدينا مشتركة، وفي الآخرة لهم خاصة.

وبعد المقدمة يواجهك الدستور العام والطمأنة الإلهية في شأن الرزق: (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين)، فهو قد تكفل بالرزق ليس للبشر فحسب، بل كل دابة من خلقه هي في كفالته، ومنها ما لا يعقل، ولو كان الرزق بالتدبير والحيلة ما رزقت البهائم. وما هذه الأسباب والأرزاق إلا اختبار فيظهر الأحسن عملًا في مغالبة أطباع الإنسان اليئوس الكفور عند المحنة، والفرح الفخور عند النعمة.

وانظر إلى قوله: (فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا: لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك)، فموازينهم موازين المال والجاه، لم يكتفوا بما أنت عليه من خلق عظيم، وسمت كريم، ولكنهم طلبوا ما هو لائق بطريقة تفكيرهم وحكمهم على الأمور.

وكما ذكرت آنفا من أن السور تنتهز مناسبة الغرض لتقرير الحقائق العامة والقوانين الكونية جاء قوله: (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نُوَفِّ إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يُبخسون. أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار) الآية. وفي هذه تحذير من أن تكون الإرادة متوجهة إلى زخرف الدنيا ومتاعها، لأن النية المطلوبة هي ابتغاء وجه الله والدار الآخرة، وما الدنيا إلا أسباب وأنصبة ومختبر.

في قصة نوح تعلَّل قومه بأن متبعيه هم أراذل القوم، وسخِروا منه ومن أتباعه وهم يصنعون السفينة، وفي جدل نوح لهم نفى أن يكون عنده خزائن الله أو أنه ملَك، وابنه يغتر بأسباب الدنيا، فيحسب أن جبلا يعصمه من الماء.

وفي قصة هود يعد نبي الله قومه إن آمنوا واستغفروا أن الله يزيدهم قوة إلى قوتهم، ويتوكل على الله اتقاء كيدهم. وفي قصة صالح يزعم قومه أن الدعوة قلَّلت من شأنه بعد أن كان مرجوًّا. وفي قصة إبراهيم تلد امرأته وهي عجوز، وتتعجب من ذلك، ولا عجب من أمر الله، فهو يرزق بالأسباب المعتادة وبغيرها. وفي قصة لوط يتمنى أن يكون له قوة أو إيواء إلى ركن شديد، وهو يأوي إلى ركن الله، لا شك، ولكن الإنسان مفطور على تلمس هذه الأسباب الظاهرة والبحث عنها.

وفي قصة شعيب -ولها صلة بالمال وشئونه- يقول لهم: إن كنت ذا مال فإني أبدأ بنفسي في أن أسير فيه بالسيرة التي تُرضي الله، ولن آمركم بشيء لا أفعله، ولكني أريد الإصلاح، ومن الله التوفيق. فيجيبه قومه بأنه لا يمنعه منهم إلا قومه، ولولا ذلك لآذوه، فيجيبهم: (أرهطي أعز عليكم من الله؟).

وطُويت قصة فرعون وموسى في هذه السورة طيًّا، ولم تتجاوز أربع آيات، وذلك -والله أعلم- لأن موسى عاش في قصر فرعون واتخذه ولدًا، ولم يأخذ عليه فرعون إلا أن قال له: (وفعلت فعلتك التي فعلت) كما في سورة الشعراء، وكانت العبرة هنا في القصة أن قوم فرعون اتبعوا أمر فرعون لأنه الملك، وما هو برشيد، وهو لا يقودهم في الآخرة إلا إلى النار، وفي الدنيا إلا العار.

وفي خواتيم السورة جاء قوله: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار)، كما أنه لم ينفع ابن نوح أن يأوي إلى جبل يعصمه من الماء، وكما لم يكن للوط إلا ركن الله الشديد يركن إليه.

وفي خواتيمها أيضًا أن الترف هو ما جر الأقوام إلى الظلم والإجرام والتكذيب، اتبعوا ما أترفوا فيه، أي جذبهم واقعهم المادي الركين، وآثروه على الحق، وذلك يقابل ما في أوائلها من طلبهم إنزال كنز ومجيء ملَك، ومثله أمره أن يقول في أواخرها للذين لا يؤمنون: (اعملوا على مكانتكم إنا عاملون). وهذا طَرَف من الإحكام والتفصيل في آيات الكتاب المنوَّه به والمتحدى به في أوائل السورة.

وقد سميت السورة باسم هود -عليه السلام- لأن فيها أكثر ذكر له باسمه في القرآن، فقد جاء ذكره في القرآن سبع مرات خمس منها في سورة هود.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين